الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من رقصة أخيرة على قمرٍ أزرق

احمد جمعة
روائي

(A.juma)

2020 / 3 / 31
الادب والفن


المنطقة... بين الدوحة والمنامة
شكت الشيخة خلود في مزاجها المفاجئ وانقشاع ضباب الخوف الذي كان عادة يصاحب توقعاتها المجهولة من خلال الأفكار المدمرة حين كانت تسبغ عليها بالتوتر طوال الوقت، وشعرت بالاسترخاء مؤخراً وزال الاحتقان بعد أن نفضت عنها القلق وقررت المغامرة بعد مناقشة مع زوجها ومع ذاتها حينما تمكنت من إقناعه بالتخلي عن الحذر الذي يدفن صاحبه وهو على قيد الحياة.
- ماذا ينفع كل هذا الألماس والمال والنفوذ وأنا أعيش وحدي خائفة؟
دفعها هذا الإحساس للتطرف في طلباتها حين فاجأته ذات ليلة بالهاتف وهي ثملة على فراشها، بينما كان وحده يحضر مؤتمراً بأمستردام، راح يستمع لها قبل أن تغفو عنه ويسقط الهاتف من يدها.
- أريد طفلاً منك، على الأقل يحفظ حقك ويشغل وقتي وتذهب له ثروتي ويوطد علاقات البلدين...
كان حديثها تلك الليلة مسلياً، جعله يستمع لها وهو يقهقه وقد راحت تخلط السياسة بالإنجاب، فلتت منها الأفكار فراحت تستفيض بالحديث الذي انتهى على رغبتها بالإنجاب، وتوقّع ألا تمر الفكرة عابرة، فسوف تعود إليها بمجرد أن تخطر ببالها ذات نهار، ولكنها انشغلت بعدها برغبتها في زيارتها البحرين وترتيباتها لشراء بعض الأراضي العقارية، وقد تركها تسير في مخططاتها منتظراً النتائج أين تصب؟. أبدى لها في البداية تحفظّه على بعض خططها ولكنها تجاوزته بحججها التي بدت له مقنعة، أشعرته بظلم الحياة وفرضها هذه العزلة عليها، كان يعلم بحبها ووفائها له وقد ضحت بكل شيء واختارت العيش معه بشروطه التي أفقدتها مع الوقت شعورها بالانتماء للعالم والبشر، يدرك حجم معاناتها بدون أهل أو أصدقاء أو محيط يحسسها بقربها من شيء تنتمي له، وقد قادها ذلك لما يشبه الجنون، كان يدرك كل هذه المشاعر المحيطة بها فتتعاطف معها ولم يقف مرة ضد رغبة من رغباتها.
كانت وجهتها التي كرست لها وقتها وحفزت مشاعرها، السفر للبحرين، أطلعت عيسى على أفكارها كاملة وأخذت موافقته على كل ما تنوي القيام به عبر توكيل بعض الأشخاص من محامين ووسطاء ومكاتب عقارية ورسمت لهم خططها التي تنوي انجازها، ومنها تملك الأراضي العقارية وبعضٍ المشاريع، كالسجلات التجارية والأسهم، وقد وضع عيسى تحت تصرفها عدداً من المحامين والمستشارين ليساعدونها على تحقيق متطلباتها دون أخطاء أو تجاوزات، كانت خططها سلسة ونظيفة، حشدت لها طاقات لم تخطر ببالها حين فتحت معه الموضوع للمرة الأولى، وأزال ذلك كل الإحتقان حولها، وجعلها تتحرك بثقة، تنزع من داخلها المخاوف حين رأت حولها هذا الفريق المتكامل الذي أعده لها زوجها، وساعد ذلك على انشغالها بالخطط وخفف الضغط على عيسى الذي تفرغ لانجاز مهامه الخاصة، تشابكت أفكارها ومشاعرها بالرؤى والخيالات التي كانت في عقلها الباطن، ثم تحولت لأفكار على الواقع، وانخرطت في العمل والتخطيط، وقد أشار لها أحد المستشارين الذين عينهم زوجها بالتريث في السعي لتحقيق كل هذه الأمور قبل أن تجد من ترتكز عليهم في البحرين والذين يمثلون مصالحها، وهو الأمر الذي راح يعمل عليه الفريق دون أن تظهر هي في الصورة، غير أنها فرضت عليهم انجاز بعض المهام التي لا تتطلب تأجيلاً بأسرع وقت، ومنها شراء بعض الأراضي، وقد سافر أحد المحامين للبحرين لإنجاز هذه المهمة.
عرفت من يومها معنى الحب الحقيقي الذي لم يخطر ببالها أن يطرق باب قلبها ويتسلل بهذا القدر من الخيال الذي يصل بها أنها لم تصدق نفسها، كانت تقف أمام المرآة بالليل وتتأمل وجهها على ضوء الغرفة وتسرح في تضاريس وجهها ببشرتها الناعمة ولونها البرونزي وعيناها الواسعتان الناعستان ببريقهما وجاذبيتهما، كانت تغازل شكلها وتبتسم وهي تتساءل عما يجتذب عيسى فيها ليمنحها كل هذا الحب والمال والثراء والنفوذ والاهتمام بكل شيء، لم تسمع منه مرة ما يجرح أو يؤلم أو حتى ما يضيق له صدرها، جل ما يصدر عنه عتاب ناعم هادئ مغلّف بدلال حين تتجاوز خيالها ويبتعد بها جموحها، كان عتابه ينصب دائماً على صحتها عندما تسرف في الشراب والتدخين، أو تتمادى في السهر وتظل أياماً دون نوم، إحساسها بهذا الكم من الحب يخيفها ويجلب لها الأفكار المدمرة ولكنها الآن تدرك مضمون هذا الحب وقد اختبرته مع الوقت والظروف والمعاناة التي تحملتها وحدها في عزلتها الدائمة التي كادت تبلغ السنتين، أدركت ماهية الرجل وجوهره ووفائه لها كما تعهد لها منذ أن سحرته عندما سعى يومها لمضاجعتها منذ اللحظة الأولى التي رآها فيها، وجعلها يومها تعتقد بأن نظرته لها كعاهرة عابرة تمر أمامه صدفة وهو تحت ضغط السفر، كانت مشاعرها حينذاك ومشاعرها اليوم بعد كل هذه الرحلة تختزل الحب الذي ولد ونما منذ تلك الساعة وحتى هذه الدقيقة التي تفكر فيها به وهو على مسافة بعيدة منها، حركتها فجأة موجة حنين مشحونة بعاطفة لا حدود لها، نظرت في ساعتها، كانت تحسب حساب الليل وفارق الوقت، وسارعت تجري الاتصال..
- حبي لن أزعجك في هذه الساعة، أحبك بس.
أقفلت الخط من جهتها، فيما ظل هو ممسكاً بالجوال في يده وهو يتناول وجبته المتأخرة بغرفته أمام التلفاز الذي راح يعرض فيلماً عن الملف النووي الإيراني، الابتسامة الصغيرة العابرة التي ارتسمت على وجهه، ذكرته بوجودها الآن وحدها بالفندق وكأس النبيذ بيدها وخشيت أن يسألها عدد الكؤوس التي تجرعتها، أو أنها أرادت ألا تزعجه لاعتقادها بانشغاله في هذا الوقت أو أن يكون نائماً وتخشى إيقاظه، ترك الطعام من يده وأدار رقمها.
- ماذا تفعلين؟
- أفكر بك.
- دعكِ من السياسة واخبريني كم كأسًا شربت حتى الآن؟
- وحياتك اثنان والثالث في الطريق وبعدها سوف أنام.
- وحشتيني خلود.. أفكر بالمرور يومين لدبي إذا كان لديكِ وقت لي.
غرقت في الضحك..
- الوقت؟ الوقت كله لَك، ليس عندي إلا الوقت، حبي بتنور دبي.
- ما رأيك تحجزين بأتلنتس، أحب هذا المكان معك.
- أبشر حبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم ولاد رزق 3 بطولة أحمد عز يقفز لـ 193 مليون جنيه منذ طرح


.. عيد ميلاد خيرى بشارة.. بصمات سينمائية مميزة وقدم عمرو دياب و




.. ما هو المسلسل أو الفيلم الذي لا تمل من مشاهدته؟.. الجمهور ير


.. الفنان أيمن عبد السلام ضيف صباح العربية




.. الكوميدي أم التراجيدي؟.. أقرب الأدوار إلى قلب الفنان أيمن عب