الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في يوم الأرض الفلسطيني

وائل المبيض

2020 / 3 / 31
القضية الفلسطينية


في يوم الأرض

في القرن السابع عشر، قام عقل التنوير نافضا للأتربة القديمة والغبار، حاملا في جعبته مثلا عليا تحررية كونية للشرط البشري، المتمثلة بفلسفة جان جاك روسو وإيمانويل كانط، رافعا لواء التنوير عاليا، بما يحفظ ويحترم الإنسان وكرامته.
"إن الغرب لم يخن آمالانا بقدر ما خان مبادئه الخاصة بالذات" علي ايزبيغوفيتش.
لقد خانت إرادات القوى الغربية عقل التنوير، لتنتصر بعدئذ في القرن التاسع عشر، ليقع التنوير كأداة طيعة ورهينة في أيدي القوى المتغرطسة الهادفة إلى إستغلال الشعوب وإستعبادها، خاصة في ظل الثورة الصناعية و الإكتشافات الجغرافية ونمو الرأسمالية. وبذلك تحولت إلى آيديولوجيا غربية متعجرفة ترفض النقد والمراجعة، خلافا لما نادى به كانط:" ان عصرنا هو عصر النقد، وكل شيء ينبغي أن يخضع للتفحص النقدي قبل القبول به أو رفضه". ما أدى إلى تحول الغرب إلى أقنوم صنمي منغلق على ذاته رافضا لكل نقد من شأنه إعادة العقل التنويري، ما أدى إلى ظهور حركات شمولية، كالنازية و الفاشية في القرن العشرين، فكانت القطيعة بالخيانة والتراجع عن المباديء الفكرية والأخلاقية و القانونية والفلسفية التي ميزت المسار التاريخي لعقل التنوير. ليحيلنا ذلك إلى أن خيانة الثورات لمبادئها، أكثر إنتشارا من الخيانة الزوجية .

ماذا يعني كل هذا ؟ إنه يعني أنه يتوجب على كل ناقد للحداثة الغربية، الأخذ بعين الإعتبار مسألة الإستعمار و إحتلال فلسطين كمعيار أساسي لخيانة الغربيين لعقل الأنوار أو إخلاصه له. ولنكون منصفين، فإن الغرب غربان لا غربا واحدا، فهناك الغرب الوحشي المتغطرس وهناك الغرب التحرري الرافض للإستعمار، إلا أن هذا لا ينفي وجود مشاكل جمة في الحضارة الغربية بحاجة للمعالجة.

من المعلوم عن روسو، صرخته المدوية :" لا علم بدون أخلاق، لا حضارة بدون ضمير ".
فلا ريب في أن ما يحدث في فلسطين، إنتهاك صارخ ولا ينبغي السكوت عنه من أي حضارة، فأين الحضارة الغربية مما يحدث من إنتهاكات يومية بحق الفلسطينيين من قبل الإحتلال الصهيوني الغاشم!
فإنتقاد للحضارة الغربية، ليس وجهة نظر عربية خارجية، لإنطلاقها من المباديء التي تؤسس حضارته، التي يتشدق بها صباح مساء ويخونها صباح مساء أيضا . هنا تكمن إزدواجية الغرب ونفاقه وإنتهازيته، كما عند سارتر وغيره.

أكرر بأن مسألة فلسطين بمثابة معيار أساسي لقياس وجود العقل التنويري من عدمه، لأنها مسألة تعبر عن مفهوم الحق والعدل، أي أنها مسألة فلسفية بإمتياز، فالفلسفة تعنى بالدرجة الأولى بالبحث عن الحقيقة بتعبير أرسطو و الإعتراف بها والموت من أجلها، كما عبر روسو عن ذلك" لقد قررت أن أضحي بنفسي من أجل الحقيقة ". لذلك تبقى فلسطين التي لا تتعدى مساحتها السبعة وعشرين ألف كيلو متر في ضمير الأمم، لأنها قضية الحقيقة قبل أن تكون قضية إحتلال الأرض، فرغم دهاء اليهود عبر المسار التاريخي لوجودهم، لم يستطيعوا طمس هذه الحقيقة، لكن إستطاعوا التحايل بسياسة اللف والدوران حول الحقيقة، فجعلوا الفلسطيني يقدمها لهم على طبق من أوسلو، هنا تكمن خطورة أوسلو الحقيقية، التي لن يفهمها المتشدقون بها ليلا ونهارا. فالسياسة الصهيونية تكرار للتجربة الأمريكية، التي عبر عنها جورج واشنطن 1738 بقوله:" ان التوسع التدريجي لمستوطناتنا سيجعل المتوحشين يتراجعون تدريجيا، كذلك الذئاب فكلاهما طرائد للصيد مع أنهم مختلفين شكلا". وكان صدى ذلك في السياسة الصهيوني في قول داني روبنشتاين" على الفلسطينيين أن يقبلوا حكما ذاتيا على غرار معسكرات أسرى الحرب، يستطيعون في ظله أن يجمعوا الزبالة في المناطق المخصصة لهم".

إذن، ما العمل في يوم الأرض، ولازالت القوة تسيطر على الحاضر وتتمدد على الأرض العربية الفلسطينية كإرادة صهيونية تسعى للتحقق على أرض الواقع!
ولكن دعونا نتسائل، إلى متى ستستمر هذه القوة بالتغول في الأرض والدم الفلسطيني، نعم نحن ذوات مستضعفة، لكنها تحمل في داخلها شعور بحق الإستمرار في الوجود، إنها النفس الفلسطينية المقاومة المتصدية للمشروع الصهيوني حتى أخر رمق، ولذلك فمهما حاول الإحتلال أن يحاصرنا في المكان فإنه محاصر بالزمان، نحن أحرار زمانيا، أما العدو فإنه محاصر مكانيا، يصل الليل بالنهار ليحافظ على وجوده دون أي إنقطاع، في حين أن الفلسطيني ينفلت نحو المستقبل، لا يرتبط بالحاضر بل يتشبث بأمل الغد، إنه إيمان لاعقلاني لكنه من الممكن أن ينجح، هذا ما يعطيها خطا للهروب بلغة جيل دولوز، ويجعلها الأكثر حظا بالإنتصار، لأنها لن تأبه بما تقدمه/تخسره في الحاضر، بمعنى أننا لا نتشبث بملكية الحاضر كما يفعل الإحتلال، فالأخير يمتلك المكان فقط، على عكس الفلسطيني الذي يضرب في الزمكان، مما يعطينا صموديا كونيا لا يمكن مجابهته أبدا. حدث ذلك من قبل وإنتصرت الذوات المسيحية المستضعفة، إبان الإمبراطورية الرومانية، ماذا حدث ! ذهب الرومان وسيطرت المسيحية على الزمكان . إنها لعنة خفية تطارد كل قوة تحاول أن تتمدد على حساب وجودية الذوات المستضعفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب