الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضحايا جوع الاضطرار

مصطفى سامي
كاتب

(Mustafa Samy)

2020 / 3 / 31
حقوق الانسان


دعونا نبدأ مباشرةً بتلك المعلومة الصادمة: هناك شخص واحد يموت كل ثانية من الجوع! "1"،"2"،"3"
كم مرة سمعت تلك المعلومة من التلفاز أو قرأتها في جريدة؟
هل سببت تلك الوفيّات هلعاً للعالم يوماً كما يفعل فيروس الكرورنا اليوم؟ أو حتى هل أدّت إلى أدنى قدر من الإحساس بالذنب أو المسئولية تجاه أولئك الموتى من قبل أصحاب المليارات المتراكمة أو الشعوب الاستهلاكية؟

في تلك اللحظة التي أكتب فيها هذا السطر وصل عدد الموتى من الجوع منذ بداية العام 2020 إلى 2 مليون و761 ألف و595 شخص"4"، وسيزداد الرقم كثيراً قبل أن أنتهي حتى من كتابة المقال، والعالم لايهتم، إنها مجرد إحصائية!
أما عدد المتوفّين بسبب فيروس كورونا منذ بداية ظهوره مطلع هذا العالم فهو حوالي 40 ألف شخص"5"، ولكنه يأخذ اهتمام العالم كله، لماذا؟ لأنه يصيب الأغنياء أيضاً وليس كالجوع يقتل الفقراء فقط!
أودّ الإشارة أنني لاأقصد التقليل من خطر الكورونا، فهو وباء يهدد البشرية جمعاء ولابد من الوعي بخطورته والتكاتف لمواجهته، لكن لابد من لفت الأنظار إلى خطر أكبر، وُجد قبل الكورونا وسيبقى بعد الكورونا طالما ظل النظام الاقتصادي العالمي كما هو.
هذا النظام العالمي الذي يسيطر عليه الرأسماليون الكبار يستخدم آلاته الإعلامية لإيهامنا أن البشرية جمعاء تسير نحو عالم أكثر تقدماً وعدلاٌ وأماناٌ، لكن مايحدث في الواقع أن العالم يسير نحو تراكم أكبر لرؤوس الأموال لدى نسبة ضئيلة من البشر ويزداد استهلاك الموارد لدى شعوب معينة وفي المقابل تزداد نسبة الفقر وتزداد أعداد الموتى جوعاٌ لدى شعوب أخرى، رغم أن الموارد المتاحة يمكنها أن تكفينا جميعاً.

في بداية العام الجاري قالت المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي لولا كاسترو في بيان إن "أزمة الجوع هذه بلغت نطاقا لم نشهده من قبل وتشير الأدلة إلى أنها ستزداد سوءا"."6"
إن كل الأزمات التي تصنعها الرأسمالية تزداد سوءاً، ليس على الفقراء فحسب، بل على الرأسماليين أنفسهم ونظامهم الاقتصادي الذي يحكمون به عالمنا، فالرأسمالية نظام ميال للوقوع في الأزمات، واحدة تلو الأخرى، وهو نظام يحمل بداخله أسباب انهياره، كما يقول كارل ماركس.
إننا نرى اليوم الاقتصاد العالمي وهو مقبل على أزمة كبرى جديدة، كانت قد توقعها الكثيرون، لكن وباء الكورونا قد عجّل بها، وجعلها أكثر حدة، ويبدو أن الأزمة ستطول، ولا أعتقد أن أحداٌ يمكنه التكهن بما ستؤول إليه الأمور في الشهور القادمة، لكن الأكيد أن العالم سيتغير كثيراً عما كان عليه قبل ذلك الوباء وقبل تلك الأزمة الاقتصادية.

إنّ مانتمناه وننشده، وعلينا جميعاً أن نسعى لتحقيقه هو نظام أكثر عدلاً.. نظام حيث تصبح الموارد متاحة لجميع البشر بقدر متساو، حيث لايموت إنسان من الجوع بينما يستهلك إنسان آخر وحده من الموارد ما قد يكفي عائلة كاملة.. نظام حيث لاتتراكم الثروات لدى نسبة ضئيلة من البشر، بينما تكافح الأغلبية العظمى من البشر للحصول على مايكفي احتياجاتهم الأساسية.

وأختم بالقول أن أهم حقوق الإنسان هو الحق في الحياة، وأن أول مايحتاجه الإنسان للبقاء حياً هو الغذاء، فلا معنى للحديث الدائم والمتواصل من الدول والحكومات والمنظمات عن حقوق الإنسان وحرياته الفردية إذا كنّا نهمل حقه في الحياة بالحصول على مايكفيه من الغذاء ويقيه من الموت جوعاً، فمن لايملك غذائه لايمكن أن يملك حريته.
إن حق الإنسان في الغذاء الكافي معترف به في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فطبقاً للمادة 11-1 من هذا العهد، تقر الدول الأطراف "بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف لـه ولأسرته يوفر ما يفي بحاجتهم من الغـذاء، والكساء، والمأوى وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية"، بينما تعترف، طبقاً للمادة 11-2، بأن تدابير أكثر استعجالاً وإلحاحاً قد تلزم لتأمين "الحق الأساسي في التحرر من الجوع وسوء التغذية".
لذا، فعلينا جميعاً كأفراد ومنظمات ودول أن نكون أكثر وعياً والتزاماً تجاه تلك الأزمة وأن نضعها في المكانة التي تستحقها من الاهتمام، وأن نعمل على ضمان وصول ذلك الحق الأساسي، حق الغذاء إلى كل إنسان على وجه الأرض.

**************
المراجع:

"1" [18] ^ Jean Ziegler. "الحق في الغذاء : تقرير مقدم من السيد جان زيغلر بالحق في الغذاء وفقا للجنة حقوق الإنسان القرار 2000/10". الأمم المتحدة، 7 فبراير 2001، ص 5. "في المتوسط، و 62 مليون شخص يموتون كل عام، من بينهم ربما 36000000 (58 في المائة) مباشرة أو غير مباشرة نتيجة لنقص التغذية، والأوبئة، والالتهابات أو الأمراض التي تهاجم الجسم عندما ضعفت مقاومته والحصانة من نقص التغذية والجوع ". نسخة محفوظة 24 أبريل 2009 على موقع واي باك مشين.

"2" لجنة حقوق الإنسان. "الحق في الغذاء : لجنة حقوق الإنسان القرار 2002/25". مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، الأمم المتحدة، 22 أبريل 2002، ص 2. "كل عام يموت 36 مليون شخص، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، نتيجة لنقص التغذية والجوع، معظمهم من النساء والأطفال، ولا سيما في البلدان النامية، في العالم التي ينتج بالفعل ما يكفي من الغذاء لإطعام سكان العالم أجمع". نسخة محفوظة 03 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.

"3" الأمم المتحدة للإعلام. "الخبير المستقل المعني آثار التكيف الهيكلي، المقرر الخاص حول الحق في الغذاء تقديم تقارير : تواصل اللجنة مناقشة عامة بشأن والاجتماعية والثقافية الاقتصادية". الأمم المتحدة، 29 مارس 2004، ص 6. "نحو 36 مليون شخص توفوا من الجوع مباشرة أو غير مباشرة في كل عام". نسخة محفوظة 04 سبتمبر 2012 على موقع واي باك مشين.

"4" https://www.worldometers.info/

"5" https://www.worldometers.info/coronavirus/

"6" https://www.france24.com/ar/20200116-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%AA%D9%87%D8%AF%D8%AF-45-%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%B4%D8%AE%D8%B5-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #