الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 2

دلور ميقري

2020 / 3 / 31
الادب والفن


بعد قرابة عشرة أيام، وصلت رسالة من جهة رابعة تبشّر بإنجابها صبياً. الرسالة، كانت باللغة العثمانية، ومن مضمونها كان في الوسع التكّهن بمَن كتبها. ففيها ذكر لأحد أولاد عم " بيروزا "، ابنة ريما، وكان عنصراً في الدرك بدمشق ثم التجأ إلى الأردن بعد قيامه بتهريب الشيخ العربيّ، ابن الشعلان، من سجن القلعة. وعن طريق هذا القريب، على الأرجح، علمت رابعة بخبر وفاة والدها. لكن الرسالة بقيت نهاراً كاملاً بدون قراءة، لحين أن عثروا على من يجيد تلك اللغة. على سبيل المصادفة، سمعت هَدي جانباً من حديث سارة لابنتها عن الرسالة، فتدخلت من فورها للقول: " زوج شقيقتي حَني، يجيد اللغة العثمانية قراءة وكتابة ". في نفس اليوم على السهرة، حضرَ الرجلُ مع امرأته إلى منزل الحاج حسن وتولى قراءة وترجمة الرسالة. لاحَ من المكتوب أن أحوال رابعة على ما يرام، وكانت تبدي رضاها عن عيشتها مع برو. لما وصل القارئ إلى تلك الفقرة الأخيرة، تبادلت هَدي وشقيقتها نظراتٍ مواربة وعلى شفتيهما ابتسامة ساخرة.
" نورو، ابن عمنا، أعربَ عن رغبته بالاقتران من أمّو "، اتجه زوجُ حَني بالحديث إلى سلو. ثم أكملت امرأته، بالقول هذه المرة لسارة: " وقد شئنا إبلاغ رغبته بحضورك، كونك جدّتها ". لم تبدِ الجدّة رأيها، كذلك ظلت نظراتها معلّقة بسقف الحجرة، أين تدلت ثريا جميلة من الكريستال. عندئذٍ بادر سلو للقول، وليسَ بدون قليل من الارتباك: " هيَ ابنتكم، وبالطبع يشرفنا نسبكم وقرابتكم ". تحت إلحاح نظرة الابن، فتحت سارة فمها أخيراً لتقول ببرود: " أفضّلُ أن أسمع رد أبيها، لأنه أولى بالمسألة من غيره "
" سأتعهّد مفاتحته غداً بالمسألة، ولا أعتقد أنه يخالفُ رأيي فيها "، ردّ سلو مهاناً. لم تنبس سارة ببنت شفة، ما جعل الصمتُ مطبقاً على الحجرة. ثم ما لبثت أن نهضت، مستأذنة بالذهاب لتفقد منامة حفيدتيها ـ كما تمتمت دونَ أن تنظرَ إلى أيّ من الحضور، وكانت قلّما تجتمع بهم في سهرة أو مناسبة.

***
في صباح اليوم التالي، بكّرت سارة في النهوض من نومها. كانت على علم بأن موسي يتجه إلى عمله قبل الظهر بنحو ساعتين، ورغبت بالتكلم معه قبل لقائه المرتقب مع شقيقه بشأن مسألة أمّو. حين فتحت بابَ الدار، لمحت ستارة حجرة هذا الأخير ترتعش. أدركت أنها هَدي، مَن كمنت وراء الستارة. لكنها مضت صافقةً البابَ بقوة، لتصل بعد خطوات قليلة إلى الباب الخارجيّ لمنزل ابنها الآخر. استقبلتها سلطانة، ولم تكن علاقتهما أفضل حالاً بكثير. على ذلك، لم تخفِ الكنّة ترحيبها بالخاطب كي تتخلّص من ابنة زوجها: أمّو، كانت أيضاً تتميّز بالجسارة والعناد، ما جعلها الخصم الرئيس لامرأة الأب في الأسرة.
" إنه شاب حسن السيرة ودخله ممتاز من خدمته في الدرك، وفي التالي، لا أرى موجباً لرفضه "، أعطت سلطانة رأيها دونَ أن تنظر إلى الحماة. هذه وقد استثيرت، ردت عليها ساخطة: " مَن هوَ هذا الشاب، الحسن السيرة؟ أم أنك تتحدثين عن شخص آخر، غير ابن سنجو؟ ". قبل أن تتيح للأخرى أن تبدي جواباً، استطردت متجهةً إلى ابنها: " أمّو في الخامسة عشرة وهوَ في الأربعين، وغداً عندما تكون هيَ في عز شبابها سيكون الرجل قد أضحى كهلاً. كل هذا كومٌ، وما ستلقاه على أيدي بنات سنجو كوماً آخر "
" اهدئي أماه، ناشدتك الله. لن نحكم على الرجل من خلال مسلك قريباته، مثلما أنّ الأعمار بيد خالقها "، قالها موسي وقد بدا أنه يميل لرأي امرأته. هذه بانَ البشرُ على ملامحها، فتدخلت ثانيةً للقول: " كذلك علينا ألا ننسى، بكون زوجة سلو ابنة عم الرجل، وهيَ قرابة تجبره على معاملة أمّو بالحسنى "
هز موسي رأسه موافقاً، ثم رد بالقول: " لو فاتحني بالموضوع، سأشترط عليه أن ينفصل بقسم من منزل أسرته ويجعل له باباً خاصاً على الجادة "
" أنا حذرتك منذ البداية، وخطيّة ابنتك ستكون مستقبلاً معلقة برقبتك "، خاطبت سارة ابنها وقد اختنق صوتها من الانفعال. ثم ما عتمت أن أعادت الخمار الأسود على رأسها، وقامت لتغادر المنزل بخطوات سريعة كأنها مطاردة من لدُن عدو ما.
بعد نحو ثلاثة عقود، كان على سلطانة أن تتذكّر كلامَ سارة وتتحسّر. إذاك، كانت ابنتها الأصغر مقترنة بابن عمها، الذي ولد لهَدي في نفس عام خطبة أمّو وأعطيَ اسمَ الجدّ الأول. إذ دأبَ الابنُ على إساءة معاملة امرأته، بتحريض من أمه. كذلك لم يمضِ يومٌ دونَ أن يتصاعد صراخ المرأتين في المنزل. ذات يوم، أطل عمُّ المرأة الشابة من خلال نافذة حجرة نومه، المطلة على منزل حميها، ليخاطبها بالقول: " كفّي عن الخصام مع حماتك، فإننا نحن الرجالُ نهابُ شرَّها! ".

***
في بداية صيف العام التالي، جرى حفلُ زفاف كبير لأمّو وذلك في منزل جدّها. كالعادة، كانت نظيرة نجمة الحفل بتأديتها وصلة طويلة من الرقص الشرقيّ. تلبيسة الرجال، وكانت قد احتضنتها دارُ والد العروس، حَفِلَت بحضور عدد من الأعيان، في مقدمتهم علي زلفو آغا، وكانوا متألقين بالقيافة الشامية الأنيقة وشامخين الأنوف بالمهابة والسؤدد. برو طنبورفان، والد نظيرة، أحيا بدَوره حفلَ التلبيسة بصوته العذب وعزفه الرائع. إكراماً للضيوف الشوام، أدى الرجلُ بضعَ مقاماتٍ سبقَ أن أتقنها من سماعه لاسطوانات مشاهير الطرب المصريّ بشكل خاص. بعضُ الضيوف الوجهاء، كانوا بالبزة الإفرنجية وعلى رؤوسهم قبعات مستديرة غير مألوفة. أحدهم كان جلادت بك، حفيد بدرخان الكبير، الذي توثقت علاقته مع موسي وكان يدعوه تحبباً ب " سمبيل صور "؛ أي صاحب الشارب الأحمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR