الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع التونسي بين الذاكرة الثورية والذاكرة - الكورونية -

يسرى بلالي

2020 / 4 / 1
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


" تتطلّب الإحاطة العلمية بمشكل الهوية إحياء الذاكرة باستمرار لأنّ ذلك من المتطلّبات الحيوية للحاضر، علما بأنّ إحياء الذاكرة لا يتمثّل فقط في استرجاع ذكريات الماضي، وإنّما في إعادة تسليط الضوء على ذلك الماضي اعتمادا على تجربة الحاضر وانطلاقا منها، وكذلك في إعادة تسليط الضوء على الحاضر اعتمادا على تجربة الماضي وانطلاقا منها."
ادغار موران
تونس الجديدة وامتحان الذاكرة
حالة طوارئ، حظر تجوّل، حجر صحّي شامل، وحدة وطنيّة، أمن قومي، قوّات وطنيّة... كلّها مفاهيم دوّنت في ذاكرتين تبحثان عن "تونس الجديدة": الذاكرة الثورية التي لم تتجاوز العقد من الزّمن، حتّى لحقتها ذاكرة في صدد التشكّل والبناء وهي الذاكرة "الكورونية" نسبة الى وباء فيروس كورونا الذّي استبدّ بالعالم منذ مطلع العام 2020.
لقد رزحت تونس الحديثة لعقود تحت وطأة جدلية الاستعمار والاستقلال ثقافة واصطلاحا، ولم تستطع الذاكرة الجمعية والخزّان اللغوي الخروج عن المدّ الاستعماري بدءًا من الحضارة الرومانية وصولا إلى الاحتلال الفرنسي، بل تحوّل هذا الخزّان اللغوي المختلط واللامتجانس إلى خصوصية وثقافة وطنية. ولعلّ مبدأ الوحدة الوطنية والسير الديمقراطي للدولة بعد الثورة ينمو عن نرجسية اجتماعية نجحت تاريخيا في الحفاظ على موروث استعماري أصبح ثقافيا حفاظا على البنية الاجتماعية المستقّرة.
هذا الموروث لئن نجح في ضبط خصوصية "الذاكرة الشعبية" التي جمّعت شتات ثقافات مرّت على تاريخها، فإنّنا اليوم إزاء ذاكرة في طور التأسيس، وهي "الذاكرة الكورونية" التي قلبت خصوصية القرية الصغيرة وجعلت منها ذاكرة شمولية تجتمع حول كونية "الكورونا" وحتمية غزو العدو المجهري لكلّ الحدود.
هذا ما جعلنا نستدرج في، هذا المقال، المجتمع التونسي الذي لا زالت ذاكرته الثورية تتردّد بين الفكر الاستعماري وبين الانعتاق والتّوق للاستقلالية الداخلية والخارجية، وان كانت هذه الذاكرة "مشروعا لم يكتمل بعد" فكيف سيزجّ بها في الذاكرة الشمولية، ذاكرة القرية الصغيرة المشتّتة؟
إنّنا إزاء ذاكرتين حاسمتين في تأسيس تونس الجديدة: ذاكرة خصوصية لها تاريخ –والوعي وممارسته تشبه ممارسة العلاج النفسي كما يذهب إلى ذلك الهادي التيمومي في كيف صار التونسيّون تونسيين؟-، وذاكرة شمولية تتنكّر للتاريخ وتخلق عقلا دون خزّان –فحاضرها لن يكون يوما ماضيا كلاسيكيا-، فأيّ ذاكرة ستحمل المشعل؟
الذاكرة الجمعية الخصوصية
إنّ الذاكرة حسب موسوعة لالاند هي "وظيفة نفسية قوامها معاودة إنتاج حالة وعي سابقة مع هذه السمة التي يعترف بها الفاعل بصفتها هذه" وهي "بالتعميم، كلّ حفظ لماضي كائن حيّ في حالة هذا الكائن الراهنة"، لذلك فإنّ الذاكرة الجمعية التونسية أو ما أطلقت عليها في هذا المقال الذاكرة الخصوصية، ذاكرة امتزجت بمختلف الحضارات، ولعلّ هذا المزيج نجده مختزلا في الأدب والشعر والغناء الشعبي والمصطلحات اللغوية التي ساهمت بشكل كبير في تخليد وخلق خصوصية الذاكرة الشعبية التونسية.
"إنّ أي تلميح اليوم ولو بسيط إلى أيّة محطة من محطات التاريخ التونسي يتحوّل إلى صراع حامي الوطيس بين التونسي الذي يعتبر نفسه تونسيّا وكفى، والتونسي الذي يعتبر نفسه عربيّا من تونس، والتونسي الذي يعتبر نفسه مسلما من تونس، والتونسي الذي يعتبر نفسه أمازيغيا...." –كما يذهب إلى ذلك التيمومي.
و كلّ هذه المتناقضات الاجتماعية ليست سوى حصيلة لما دسّته الذاكرة الجمعية من ثقافات نزحت على أرض هذه البلاد مخلّفة آثارا حفرت مخيالا جمعيا استمّد من قوى حافظت على الاستقرار الجمعي نفاها التاريخ ودوّنتها الذاكرة في صور فنيّة –إن أمكن ذلك- وفي مصطلحات وعادات ومعايير اجتماعية اقتصرت على تحديد ما يجب وما لا يجب أن تكون عليه تونس المستقلّة ظاهرا والمستعمرة باطنا. وليس في هذا الاستعمار تقليل من سواعد "أحفاد حنبعل" التي حرّرت البلاد على مدى آلاف السنين وإنّما هي تنشئة نفسية-اجتماعية ورّثها المهمّشون للأجيال التي ما انفكّت تبحث عن هويّة وطنية ترضي موروثا ثقافيّا جعل من المستعمر ثقافة تدور حول فلك الروح التونسية دون وعي أو قصد.
هكذا تكوّنت الذاكرة على أنقاض صراع المستعمرات التي حاولت طمس الهوية الافريقية-العربية المتراوحة بين شرق يتمجّد بتراثه العربي المتين وغرب يتفاخر برجله الأبيض وعقله الطاغي على دول العالم الثالث، إلى أن هبّ ذات 14 جانفي 2011 شباب لا متجانس، اجتمع على تأبين جسد تآكل في 17 ديسمبر 2010، تأبينا سحق الراقصين على الجدلية الأصل في هذا البحث جدلية الاستقلال والاستعمار، جدلية الهوية المنفية والمكتومة.
حلّقت أحلام الشباب بين مساوم ومقاوم، وطفت على السطح عدّة توجّهات سياسية من مختلف المشارب الفكرية وتعمّق السؤال حول الهوية إلحاحا في أذهان هذا الشباب الراغب في تجميع ذاكرة تونس الجديدة التي تاهت بين أهداف ثورة تكرّم هوية أبت الخيانة والانحياز ومجد تحقّق رغم التناقضات الهوياتية.

الذاكرة الكورونية الشمولية: هل هي منافس للذاكرة الثورية؟
عطفا على ما ذكرناه اعلاه، فإنّ الذاكرة الثورية هي ذاكرة لم تكتمل بعد رغم إصرار هذا الجيل المتمسّك بحقّه في الوجود المعنوي والمادّي. ولن تكتمل إلاّ بتحقيق الدولة المنشودة التي سقاها شهداء الثورة وجرحاها ومريديها بدمائهم، لكنّ الوضع الراهن يطرح علينا تساؤلا يحرج الهوية الإنسانية: هل سيجتمع العالم تحت ذاكرة "كورونية" كونية بعد زوال هذه الجائحة؟
لقد أثارت الكاتبة الإيطالية فرانشيسكا ميلاندري في مقالها أو خاطرتها المؤلمة "أكتب إليكم من إيطاليا، هذا ما نعرفه عن مستقبلكم"، تساؤلات عدّة حول هذا المصاب الجمعي الذي يصنع ذاكرة سابقة لزمنها، فالحاضر والمستقبل تزامنا تحت الجائحة، والمستقبل المابعد الكورونا سيكون إمّا مستقبلا ذا ذاكرة حاضرة أو ذا ذاكرة بلا ذاكرة، المجتمعات هي التي ستحدّد ذلك. لكن هل سيكون هذا التحديد نابعا عن اختيار جماعي أم فردي؟ هل ستكون الذاكرة الكورونية ذاكرة انسانية جديدة بلا ماض؟ فلا يمكن أن تجتمع الإنسانية تحت تاريخ موحّد، تحت تاريخ المنتصر، والقاتل، والغاصب، والمحتلّ، والمستقّل...
وحتى على الشأن الخاصّ، هل ستحذف الذاكرة الكورونية الذاكرة الثورية التي تغذّت طيلة عقدها الأول من هذه الألفية على مقولات التحرر والانعتاق والسيادة الوطنية والرفض المطلق للهيمنة الخارجية سواء كانت عسكرية مباشرة أو اقتصادية أو ثقافية؟ هل ذاكرة الإنسانية جمعاء –الذاكرة الشمولية- أرقى من شهداء الثورة الذين مات أغلبهم هاتفا ضدّ الخضوع لدكتاتور محلي تدعمه قوى استعمارية تتشابك معه مصلحيا؟ وهل سيصبح الرجل الأبيض، رمز الحضارة والآلة الصناعية والعسكريّة الغربيّتين ذا يد بيضاء ممتدّة الى ما تحته من شعوب الجنوب بمقترحات السّلم والعيش المشترك والنّجاة المشتركة لا بسيناريوهات التدخّل والهيمنة والاستعمار؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا