الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ما بعد كورونا.. تحديات إعادة البناء
عبد اللطيف الصافي
2020 / 4 / 1مواضيع وابحاث سياسية
يجمع عدد من القادة و المحللين السياسيين عبر العالم على ان تغييرات عميقة ستطال النظام العالمي بعد تجاوز أزمة كورونا. بل ذهب بعضهم إلى القول بأن عالما جديدا سيتشكل وان معالمه الرئيسية بدأت تتحدد منذ الآن مستدلين على ذلك بالتصريحات المختلفة التي صدرت عن عدد من الزعماء، خاصة في أوروبا، الذين انتقدوا بشدة حالة الانكفاء على الذات التي دخلتها كل دولة على حدة و الأنانية المفرطة التي وسمت تعامل بعض الدول التي تقود قاطرة العالم مع هذا الوباء العالمي.
كما أن حالة الشرود التي دخل فيها مجلس الأمن باعتباره الآلية الوحيدة لضمان الأمن الجماعي والتنسيق بين الأمم لردع كل المخاطر التي تهددها زاد من الشكوك حول قدرة المنتظم الدوللي على تفعيل أحد أهم البنود التي يتأسس عليها. وإعلان صريح على محدودية دوره في هذه العاصفة التي أدخلت الجميع في الحيرة والذهول . و في حين ظهرت الولايات المتحدة باعتبارها الدولة العظمى،بمظهر غير العابئة بما يجري خارج حدودها الوطنية أو العاجزة عن تقديم ما يلزم من مساعدات لحلفائها ولباقي الدول التي تدور في فلكها. وكان أول إجراء اتخذته بعد أن تبين لها سريان الوباء في مفاصلها الداخلية، هو إغلاق منافذها البرية والجوية والبحرية في وجه أوروبا على الخصوص التي لم يستشر قادتها في الأمر. كما أن رئيسها بدا غير منسجم في تدخلاته وتصريحاته فمرة يدين الصين ويحملها مسؤولية انتشار الوباء ومرة أخرى يخطب ودها ويثني على المجهودات التي قامت بها لوقف زحف الجائحة على أراضيها وفي العالم.
إن خطر انفراط عقد التضامن الذي على أساسه تشكلت عدد من التجمعات الإقليمية بعد الحرب العالمية الثانية يتجلى أساسا في سيادة الروح القومية التي شكلت ملاذا لأصوات ما فتئت تنادي بفك الارتباط على شاكلة "البريكسيت" وعودة النقاش حول الدولة القومية و الانتصار لمقولات السيادة الوطنية بما يهدد الكيان الأوروبي الموحد ويجعله عرضة لمزيد من التفكك ما لم يتم تدارك الأمر بسرعة وتشكيل خلية أزمة موحدة تدبرها المفوضية الاوروبية بشكل تضامني وناجع.
هكذا يبدو أن لجوء دول من أوروبا الغربية تنتمي لحلف الناتو لطلب المساعدة من الصين وروسيا للحد من خطر كورونا، يعزز الاعتقاد السائد حاليا في أوساط عدد من المهتمين بالشأن الدولي والعلاقات الدولية بتغير دفة القيادة الدولية من الغرب إلى الشرق و بروز تحالفات جديدة تقوم على التوازن و تسييد البعد الإنساني في العلاقات الدولية. وهذا ربما يفسر انزعاج بعض القادة الأوروبيين كالرئيس الفرنسي الذي بدأ يتحدث عن تقديم مساعدات لايطاليا في حربها الضروس ضد الوباء المتفشي بشكل متسارع. بعد أن كان قد حذرها في وقت سابق من قبول أي مساعدة من روسيا أو الصين.
و من جهة أخرى فإن هشاشة الأنظمة الصحية في كل البلدان التي استشرى فيها الوباء لحد الآن تدق
ناقوسا جديا فيما يخص الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية لهذه البلدان التي سارت في ركب الرأسمالية المتوحشة حيث وضعت نصب اعينها مراكمة الأرباح على حساب القيم المرتبطة بالإنسان وبإشباع حاجاته الحقيقية بلا إفراط،وانخرطت في منظومة العولمة بكل ما تمثله من هيمنة اقتصادية وسياسية واختراق ثقافي وقيمي. وهمشت القطاعات الحساسة كالصحة والتعليم والقت بها في أيدي القطاع الخاص بلا رحمة.
من دون شك فإن التحديات التي تطرحها مرحلة ما بعد كورونا ستشمل كل مناحي إدارة الحياة العامة في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وستكون محكا حقيقيا للأنظمة السياسية في كل بلد، فإما أن تتخطاها بذكاء عبر سن إجراءات تطفئ مشاعر القلق والحرمان لدى مواطنيها، أو قد تقودها إلى الخراب واشتعال فتيل قلاقل اجتماعية لا سبيل لوقفها إلا بعد أن تأتي على الأخضر واليابس.
و من بين ما تقتضيه هذه التحديات:
1- ، إعادة النظر في الاختيارات الرأسمالية التي هيمنت على التوجهات السياسية والاقتصادية في عدد من البلدان والخروج من حلم " الانتصار التاريخي والنهائي" على الاشتراكية إثر سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي.
2 - رد الاعتبار للقطاع العام باعتباره القاطرة التي من شأنها قيادة الاقتصاد الوطني وتوجيهه بما يؤمن له الحماية من السقوط في فخ البيروقراطية.
3- أنسنة العلاقات الاجتماعية بين الجماعات والافراد و ترسيخ البعد الإنساني في العلاقات الدولية.
4- تقوية أنظمة الرعاية الاجتماعية وأعطاء الأولوية لقطاعات الصحة والتعليم وتشجيع البحث العلمي.
5- تقليص الإنفاق على برامج التسلح وتصدير الأسلحة، ووقف كل التجارب النووية والجرثومية وإغلاق المفاعلات النووية.
6- تفكيك كل الاحلاف القائمة على التفوق العسكري وخلق آليات جديدة لتنسيق الجهود الدولية لحل النزاعات بين الدول وتأمين الاستقرار العالمي وحماية كوكب الأرض من أي اعتداء خارجي.
لقد فتحت أزمة كورونا الأعين على حقائق جديدة من بينها أن البشرية بأجمعها توجد في سفينة واحدة وأن على الجميع أن يمتثل لقواعد التضامن والمشاركة من أجل البقاء.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هاريس ُتحرج ترامب بنشر تقرير محدث عن قدراتها العقلية والنفسي
.. حدث فلكي نادر.. مذنب يعود بعد 80 ألف عام
.. من يحرّك قوات اليونيفل في لبنان؟
.. لماذا انتفضت دول أوروبية في وجه إسرائيل بعد قصفها اليونيفيل؟
.. مراسل الجزيرة: الطائرات المسيرة الإسرائيلية تطلق النار على