الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصدمة: انتبه فأنت تساهم في الإرهاب!

صائب خليل

2006 / 6 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لفت نظري مقالتين فيهما الكثير من التشابه: كتبهما اثنين من اصدقائي, في نفس المدينة (بعقوبة) وعن نفس الموضوع (الإرهاب) ومن نفس المنطلق (الإشمئزاز الشديد) ونشرتا في نفس الفترة, وفي نفس الموقع (الحوار المتمدن). رغم ذلك فالمقالتان تتجهان اتجاهين مختلفين وتطالبان بشيئين مختلفين تماماً.

مقالة عبد اللطيف علو القيسي مقالة مؤلمة للغاية عن سادية الأرهاب المطلقة, ومقالة حسين التميمي (http://www.rezgar.com/m.asp?i=1220) لا تقل الماً حيث كتب عن عرض احدى الفضائيات لرؤوس مقطوعة وضعت في صندوق.

لطيف يكتب مباشرة من قلبه النازف وعصبه المحطم قائلاً " تعالوا الى الشعب الذي مصطلحاته اليومية الدارجه هي ( تفضل عيني, شلونك حياتي , شبيك عيوني , شتريد عمري , وين رايح كليبي, هله عيوني وتاج راسي , تعال اكعد هنا يمه رويحتي انت, هله بالحبيب بالعزيز بالغالي, هله بجمار الكلب وضوه العيون)..., بمقدساتكم هل لكم ان تتخيلوا ان عراقيا من هذا الشعب يمكن ان يقوم بهذا النوع من الاجرام او حتى التفكير بهذه الطريقة؟"
إنه يفترض ان القتلة هم من نفس ابناء شعبه الإعتياديين, فيدعو الآخرين الى استنكار ذلك, ويدعو القتلة الى التوقف.
أما غضب حسين فيوجهه الى القناة الفضائية مسائلاً اياها عن السبب في "عرض رؤوس موتانا على الملأ وبهذه الطريقة المهينة حد البشاعة!"

المقالتان تعكسان الألم العراقي الرهيب...وبحساسية انسان حائر لم يتخيل يوماً ان عينيه سترى كل تلك الفضائع التي تخنقه في هذا الليل الحالك المتكرر.

صديقاي هذان وغيرهما في العراق يعيدان اثارة الآم ارهاب اخرى من الذاكرة, الذاكرة التي تخيلت كيف اعتصر الألم الأب الكردي وهو يرى طفله يختنق بالغازات السامة ويصرخ له فلا يستطيع له عوناً, والأم التي رأت وحوش لبنان يوجههم شارون لذبح اطفالها امامها بعد ان ابعدوا اباءهم الى تونس.

عندما تفكر في مثل تلك الجرائم, فأن ما يخطر على بالك هو ان الأرهاب موضوعها الأساسي وليس القتل. القاتل لم يكن يفكر في القتل من اجل القتل, ولا حتى التسلية. فالقسوة الهائلة المتعمدة في كل تلك الأمثلة تصدم الأنسان لتشل تفكيره ولسانه. إن العامل المشترك فيها هو تلك "الصدمة", ولابد انها ايضاً الهدف الحقيقي وراء تلك الجرائم.
اذكر مرة صديق قال لي في بغداد, ان مبدأ صدام هو ان تضرب بقوة وقسوة بحيث يعجز المضروب عن الرد تماماً. أنها الصدمة الشالة للحركة.

والحقيقة ان تأثير حلبجة لم يكن في قتل سكانها الخمسة الاف ومعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ, الذين لم يكن لهم اية اهمية عسكرية بالنسبة لصدام حسين, ولكن في هالة الإرهاب التي رافقت الجريمة. فقد انتشر الرعب بسببها على 20 مليون عراقي, وسمي مسؤولها بـ "الكيمياوي" ولا شك انه كان سعيداً بالتسمية هو وصدام, فهذا يتمم المهمة في ارهاب الشعب بشكل في غاية الفعالية.
وفعلاً, بعد ذلك بثلاث سنوات, طارت الهيليوكوبترات فوق مدن المنتفضين لتخبرهم بأن يتركوا منازلهم لأنهم سيقصفونها بالكيمياوي, فخرجوا لتتلقفهم الرشاشات.

لم تكن عملية حلبجة عملية كفؤة من الناحية العسكرية, ولم يكن اختيار السلاح الكيمياوي لها لأيقاع اكبر عدد من الضحايا. فقد كان بالإمكان محوها من الخارطة بمن فيها لو ان قنابلاً اعتيادية القيت عليها بقدر عدد القنابل الكيمياوية التي استعملت حينها. لم اذن استعمل الكيمياوي رغم انه سلاح محرم يعرض صاحبه للمشاكل كما نرى الآن؟ انها الصدمة, انه الإرهاب.

وقصة دير ياسين معروفة, يكتب عنها موقع "ويكيبيديا":
"حدثت مذبحة دير ياسين في قرية دير ياسين، التي تقع غربي القدس في 9 ابريل عام 1948 على يد الجماعتين الصهيونيتين: ارجون و شتيرن..(...) ولم تكتف العناصر اليهودية المسلحة من إراقة الدماء في القرية، بل أخذوا كمية من القرويين الأحياء بالسيارات وقاموا على استعراضهم في شوارع الأحياء اليهودية وسط هتافات اليهود، ثم العودة بالأسرى الى قرية دير ياسين والإجهاز عليهم.
كانت مذبحة دير ياسين عاملاً مهمّاً في الهجرة الفلسطينبة الى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة لما سببته المذبحة من حالة رعب عند المدنيين."
يقول اسرائيليون انه بعد ديرياسين تم احتلال المناطق العربية بسهولة وتقدمت القوات الإسرائيلية كما تتقدم السكين في قطعة الزبدة. إنها الصدمة!

لكن ليس كل صدمة ارهاب مشروع ناجح بالضرورة. يقول يوري افنري ان شارون عندما خطط مذبحة صبرة وشاتيلا في صيف 1982 كان يهدف الى تحقيق "صدمة" مماثلة, حيث كان يأمل ان يفرغ لبنان من الفلسطينيين بدفعهم الى الهرب الى سوريا لكن المشروع فشل, ولم تتحقق اهدافه.

لاحظوا دائماً ان الهدف من تلك الأعمال الإرهابية لم يكن الهدف المباشر للضربة الإرهابية بل الناس الذين سيسمعوا بالخبر ويصيبهم الإرهاب ليتخبطوا كما يريد لهم الأرهابيون او من ارسلهم. فاهل دير ياسين لم يكونوا الهدف بل الشعب الفلسطيني كله ليفرغ بلاده للمحتل القادم من بعيد, وصدام لم يستفد من خنق اطفال حلبجة, لكنه استفاد من ارهاب 20 مليون عراقي بهم. وكذلك فأن اطفال مخيمات صبرا وشاتيلا لم يمثلوا اي تهديد لشارون ليرتكب جريمته التي لطخت سمعته الى الأبد. إذاً الهدف هو الآخرون الذين سيصيبهم الرعب بالجملة! ولكي يصيب الرعب الناس بالجملة فلا بد من نشر الخبر بين المستهدفين بأسرع ما يمكن وبأهول ما يمكن.

ان اتفقنا على ذلك, يبدوا واضحاً لنا ان مقالتي صديقي لم تكن متشابهتان في النهاية, رغم اشتراكهما في الإستهجان الشديد للإرهاب ورغم عواطفهما الإنسانية الصادقة. فمقالة عبد اللطيف تنشر الخبر, كما يتمنى الإرهاب تماماً (معذرة يا لطيف) اما حسين فقد كان يوبخ الفضائية التي نشرت الخبر ويثير الشكوك حولها.

يقولون: "في السياسة يتساوى احياناً انكار الخبر مع الإقرار به" والمقصود انك بمجرد انكارك الخبر تثير تساؤلاً حوله قد يكفي للإضرار بمن ينكره. وفي الإرهاب نفس الأمر, فأن استنكرت الإرهاب في حادثة او ايدته, فأنك اوصلت الخوف الملازم له الى ضحاياه. النوايا الطيبة الصادقة لا تكفي دائماً لإنجاز الصحيح.

ماذا عن الموضوعية في نشر الأخبار؟ وهل نترك الضحايا تتألم لوحدها دون ان يشاركها احد في مصابها؟ اوليس من حق الناس ان تطلع على الحقيقة وما يجري, فهل نمنع الحقيقة بحجة وقف انتشار الإرهاب؟

لحسن حظنا ان الجزء الحامل للإرهاب من الخبر, لايحمل اية معلومات مفيدة. فبالإمكان القول ان ستة قتلوا, وربما "ستة قتلوا ببشاعة" دون اضافة التفاصيل عن بشاعة مقتلهم. الا نمتنع احيانا عن رؤية الصور البشعة المقززة؟ فماذا تخدم تلك الإضافات عن شكل القتل وهوله وكون الضحايا من الشيعة او السنة غير نشر جرثومة الإرهاب والدعوة الى الحرب الأهلية؟

تعيش جرثومة الإرهاب دورة حياتها في نصفين: الأول القيام بالجريمة الأرهابية ويقوم به الأرهابيون انفسهم, اما النصف الثاني المتمثل بنقل الرعب فمتروك للناس الطيبين انفسهم, ولعلك تقوم به احياناً دون ان تدري؟؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي تداعيات إبطال محكمة العدل الأوروبية اتفاقيين تجاريين م


.. إسرائيل تستعد لشن هجوم -قوي وكبير- على إيران.. هل تستهدف الم




.. واشنطن بوست: تساؤلات بشأن مدى تضرر القواعد العسكرية الإسرائي


.. مسيرات تجوب مدنا يابانية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة




.. رقعة | كيف أبدل إعصار هيلين ملامح بلدات نورث كارولينا في أمر