الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البشرية و حربها ضد كورونا

رزكار نوري شاويس
كاتب

(Rizgar Nuri Shawais)

2020 / 4 / 1
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


لست بصدد إعطاء تفاسير خوارق ميتافيزيقية أو روحية إيمانية بل و حتى علمية دقيقة لمفهوم الخطيئة و العقاب و ربطها بالحرب الشرسة التي يشنها تكوين مجهري لا هو بالحي و لا هو بالميت ، على العالم و المجتمع البشري الذي يكاد يكون حتى هذه اللحظة شبه عاجز أمام جبروت هذا العدو و اكتساحه لكل مساحة جغرافيا كوكبنا من دون تميز و تفريق بين هذا المجتمع و ذاك أو هذه الدولة و تلك أو بين من يختلفون في عقائدهم و ايديولوجياتهم ..ومن المؤكد ان تكون أخطاء و خطايا سابقة و حالية اسبابا للفشل في دحر هذا البلاء حتى الآن وأن يأتي ما آل اليه حال العالم ، كعقوبة على تلك الأخطاء .
إنها محنة حقيقية و ضعت الجميع الحائر في متاهات تجاوزها ، وسط سيل هائل من الأخبار المتضاربة و المتناقضة بين تعتيم وتضليل ، والتي تشكل بدورها حربا نفسية تضيف ثقلا أخرا كئيبا على عنصري الخوف و الترقب التي يرزح كوكبنا تحت وطأتها تعِبا لاهثا ..
و لا أظن انه من الخطأ القول ان الصورة التي نراها لعالم اليوم تمثل نموذجا أو تجسيدا واقعيا لصراع من اجل البقاء ، و تحث على التساؤل عمن هو الأصلح و الأقوى ، و عن كيفية الخروج من هذه التراجيديا القاسية سالمين فرحين بغنيمة البقاء و الأستمرار فيى الحياة رغم كل ما يصيبنا فيها من خسائر ..
هي اذن حرب ضروس ، حرب انقلبت فيها كل مفاهيم القوة و العظمة ، فمن حسبوا انفسهم أقوياء و عظماء العالم و من معهم ممن يبحثون عن مواقع و سائل القوة و العظمة فيها ، لا تفيدهم في مواجهة هذا العدو غير المرئي ، لا قنابلهم النووية و لا صواريخهم و اساطيلهم / و لا ديماغوغياتهم و شعوذاتهم .. حرب إن لم تكن قد قلبت حتى الأن الكثير من مفاهيم القوة و الضعف ، فسيكون حتما من حصيلة نتائجها الكثير الكثير من التغيير و التحول في القيم الأنسانية و معايير الرؤية البشرية لقيمة الحياة ..
هي حرب فضحت حتى الآن الكثير من العورات و الثغرات التي كانت مخفية في مجتمعاتنا التي تشكل ككل المجتمع البشري ، فأكدت هشاشه تكوينه و ضعفه .. مجتمع حاول فيه الكبار دوما الحصول على المزيد و المزيد من وسائل القوة و النفوذ للمزيد من الهيمنة و السيطرة على الآخرين من البشر , و استمات فيه الصغاار لأن يكبروا مهما كان الثمن من أجل أن يتنمروا بطفراتهم الطائشة هذه على الأضعف منهم ..!
مجتمع وجد في مسألة التضامن و التعاون بين مكوناته شعارا يطلق و ليس عملا يطبق و هدفا يتحقق .. مجتمع أفسد بيئته باستهتار و جشع لا مسؤول و لم يحطاط الى ما سيؤول اليه مصيره في فوضى علاقته مع سائر أشكال الحياة ، و عناصر ديمومتها على كوكب الآرض ( بيئة و بيت الجميع ) و لم يفكر بجدية في مدى تأثير تعامله السلبي هذا على معادلة البقاء و الأستمرار .
و السؤال الآن هو ، هل آن أوان أن تعي البشرية من تجربتها القاسية هذه العبرة و تستوعب بعقلانية انسانية مفهوم القوة و الضعف و أن ترى في التآزر و التضامن و التنافس الأيجابي ، القوة الحقيقية التي تعينها على تجاوز أزماتها و بناء مستقبل أكثر سلامة و سعادة و رفاهية لعموم المجتمع الأنساني ..
أما آن أوان أن نفهم جمعيعنا ، صغارا و كبارا ان بناء مشفى و تطوير قطاعات الصحة و مؤسساتها و توفير الدواء للجميع أفضل من صتع قنبلة ذرية ، و امتلاك المزيد من الصواريخ و الدبابات ..و إن المزيد من افران الخبز و تأمين الغذاء و السكن في المجتمعات الفقيرة أفضل من الصرف على بناء المفاعلات النووية و أفران و مستلزمات تخصيب اليورانيوم ..؟
أما آن أوان أن يفكر الجميع اينما كانوا في أن بناء المدارس و مؤسسات التعليم والمعرفة و تطوير الأبحاث و اكتشاف الجديد في العلوم أفضل من التقوقع القسري أو الطوعي في عتمات الجهل و التخلف في بيئات الأستعباد و الأرهاب الفكري و ما يرافقهما من افرازات الفقر و الجوع و المرض ..؟
أليس من الأفضل أن توضع إدارة شؤون شعوب عالمنا هذا بيد افضل العلماء و المبدعين بعيدا عن كل اشكال التعصب و تكتلات القوى و صراعاتها على المصالح و المكاسب السياسية و الأقتصادية ..؟
حرب (كوفيد19) أو كورونا على البشرية برغم دهائه و جبروته ، و شراسة خبثه ، لابد أن تنتهي باندحاره ، سينسحب مخلفا ورائه خسائرا و أضرارا فادحة في جوانب عدة من بنيان المجتمع البشري ، لكن الأمر ايضا سيكون محرضا بالغ التأثير في تطوير و ترسيخ حاسة الحيطة والحذر و توقع هكذا مفاجآت مستقبلا والتأهب لمواجهتها قبل ان تحدث و تستفحل الى كوارث لا يحمد عقباها . وكذلك سيوجه المجتمع البشري نحو إعادة النظر في علاقات مكونات هذا المجتمع مع بعضهم البعض و بإتجاهات إنسانية أكثر عمقا و شفافية ، فالألم كان نفسه و الخوف كان مشتركا و الخسائر لحقت بالكل ، لذا فالمنطق يدعو الى اتخاذ اتجاه يجمع الشمل البشري في اطار الأسرة و البيت الواحد ، فالحرب العالمية الدائرة رحاها حاليا ضد طغيان كورونا ، وحدت البشرية في حلف واحد و في جبهة مقاومة واحدة ، هي حرب ليست ككل الحروب السابقة التي خاضها البشر ضد البشر و التي خلفت ورائها المزيد و المزيد من العداوات و الأنقسامات الحادة بما فيها من نزعات و عقد الأنتقام و الثأر بين الغالب و المغلوب . في حربنا هذه ضد كورونا الجميع يدافع عن الجميع من أجل ضمان سلامة و أمان الجميع ،
ربما كان في بعض جوانب المقال هذا شيء من(اليوتيبية ) أو تقع ضمن اطار أمنيات هي في الواقع أماني الكثيرين ان لم تكن الاغلبية من سكان كوكبنا .. لذا أرى ضرورة في ان اقول في الختام اننا كبشر لا يزال أمامنا الكثير لنختبره و نتعلمه لنبلغ بما نعلم ونتعلم المرحلة التي نتعامل بها مع بعض و مع كل حدث و كل ما يستجد في الحياة بأنسانية .. المرحلة التي تليق بنا فيها صفة الأنسان ..
1نيسان 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل