الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضيلة البذاءة في الإعلام العربي

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 4 / 1
الصحافة والاعلام


حاولت أن استخدم كل مرادفات فعل "طرد" من أجل البحث عن مقطع واحد على اليوتيوب من أي قناة ألمانيّة عامّة أو خاصّة يتمّ فيه طرد ضيف الحلقة من قبل المذيع أو يتم فيه الصراخ والسباب واللكم والشتم بين الضيوف ... فلم أجد.... بل وجدت عنواناً باللغة الألمانية للعراك بالأيدي والسباب الذي حصل بين محيي الدين اللاذقاني وجوزيف أبو فاضل في برنامج الاتجاه المعاكس الذي يقدمه الإعلامي السوري فيصل القاسم على قناة الجزيرة, والمقطع بعنوان" مشاجرة على تلفزيون عربي, قناة الجزيرة" , وحين قرأت التعليقات بالألمانية تحت المقطع المذكور, تملّكني إحساس بالعار عسير على الوصف بعض الشيء.
لكم أخوتي العرب أن تبحثوا باللغة العربية عن مذيع يطرد ضيف أو عركة ضيوف في أي تلفزيون عربي بل وحتى ديني من كل الطوائف ومن كل البلدان وستجدون من هذا القبيل ما لن تجدوا متّسعاً من الوقت يكفي للاطّلاع عليها كلها!
والسبب في وجود هذا الفارق بين إعلامنا وإعلامهم هو أنّ الإعلام في الغرب يخضع لسلطة القانون, والطرد إهانة قد تتسبب بإغلاق القناة ودفع تعويضات هائلة للضيف المتضرر نفسيّاً واجتماعياً جرّاء ذلك التصرّف المهين, ولكن هذا ليس كل شيء.. الأمر يكمن في الشعب ذاته, الذي لا يقبل أن يظهر النخبة من مثقفو أمتهم بين باقي الأمم بمظهر الغبي الأرعن الذي لا يحاور بل يرفس ويبصق ويصرخ كالثور الاحمق, لأنّ هذه الطريقة بالحوار مهما كانت درجة الخلاف والاختلاف مع الرأي الآخر تبقى غير مقبولة حتى بين أعضاء أصغر نادي ثقافي فما بالك بمؤسسات إعلاميّة كبرى, بل وأحياناً هيئات إعلام رسميّة تمثّل صوت الشعب الذي تنطق باسمه, لذلك حتى لو قام مذيع في قناة من قنوات الإعلام في دول العالم المتحضر باستدراج ضيف للأستوديو ثم طرده أو السماح لضيف آخر بالتعدّي عليه لفظاً أو فعلاً وذلك من أجل كسب شهرة للقناة والبرنامج, ومن ثم قاموا برفع المقطع على يوتيوب, فالذي سيحصل تماماً عكس ما يحصل لو قام به مذيع أو مذيعة في تلفزيون عربي .
الذي سيحصل يا سادة هو حملة تبليغات شرسة لحذف المقطع حفاظاً على سمعة ثقافة البلد وشعبه, ثم رفع دعوى ضد القناة والمذيع من المتضرر وغيره, و فصل المذيع من عمله في القناة وعدم استضافة الضيف الأرعن في أي قناة مرّة أخرى, ثم متابعة ملفّ القضية للتأكّد تماماً من سير عمل القضاء لصالح العدالة..
أمّا ثقافتنا الإعلاميّة العربية والإسلاميّة فتحتفي وتحتفل بأسماء مقاطع إذاعيّة من قبيل "الشيخ فلان يدسّ حذاءه في فيه فلان ويلقمه الحجر!" "المذيعة تطرد الملحد فلان من الاستوديو" "المذيع يشتم الضيف على الهواء ويقول له يلعن أمك وأم أمك! " "الشيخ عدنان السنفور يطرد شيعي من الاستوديو والمذيع يلحقه بالحذاء! ... وهلمّ يلّا ..
المشكلة أنّ الشعب العربي إلا من رحم ربي يطرب وترى المشاهدات مليونية والإعجابات بمئات الآلاف, والأنكى الأمرّ هي التعليقات, الله حيو .. الله يرحم البطن اللي حملك.. بارك الله فيك ... يا غيرة الدين ... ما قصّرت فيه والله ..
وأودّ هنا أن أخبركم بأن ردّة فعل النّاس تلك وانحدار ذائقتهم في تقييم مستوى الحوار بل وانتشار ثقافة ملاعب كرة القدم وحلبات المصارعة على السّاحة الثقافيّة والدّينية هي نتيجة لا سبب! لأنّ السبب الأساسي موجّه بدقّة قنّاص من عند رجال السياسة والدّين في الوطن العربي من المحيط إلى المرحاض لأجل خلق جمهور من المشاهدين لا يميّزون بين الحجّة المنطقيّة وركلة الجزاء, والهدف هو إقصاء أي مفكّر حرّ حقيقي عن الشاشة والميكروفون, المفكّر الذي لا يخشى في الحقّ والحقيقة لومة لائم, ولا يتكلّم إلّا بما أحاط به علماً من كل أركانه, المفكّر الذي يحترم نفسه ويحترم الضيف الآخر والمذيع وقبل كل شيء المستمعين والمشاهدين, المفكّر الذي يأتي للمناظرة كي يعرض حججه ويدافع برقيّ عن وجهة النّظر التي تبناها بعد طول بحث وتمحيص, المفكّر الذي لا يطمع بالثواب عند الله إن هو أهان أحد من خلقه علانيّة, ولا يطمع بدراهم السلطان ولا مناصبه إن هو شتم الآخرين لأجل عيون هذا الحاكم, باختصار هو المفكّر الذي يشكّل خطراً حقيقياً على كرسي السلطة وعمائم المرتزقة.
مثل هذا المفكّر لن يأتِ للمناظرات, ولن يرضَ أن يضع كرامته وعلمه ورسالته تحت كندرة مذيعة حصلت على منصبها بكفاءة وركيها ورِفعة ثقافة ما تحت حمّالة نهديها, ولا أن يجلس ليناظر ضيفها العلّامة الفقيه الجليل الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة النعل الشريف عن رسالته في فقه الضراط وأحكام الوطء من تحت الإبط, أو ضيف حوار حاصل على دكتوراه في انتزاع الاعترافات من أرقى الجامعات الاستخباراتيّة!
هؤلاء المفكّرون الأحرار ستجدهم يعملون بالتدريس أو الصناعة أو قيادة التاكسي أو يبيعون الخضار والثياب المستعملة أو الكتب على الأرصفة, المهم أنّهم لا يأتون للمناظرات ولا يعرّضون علمهم وكرامتهم للإهانة من طغمة غوغاء.
هذا الإقصاء لهذه النّخبة المثقّفة هو بالضبط ما يريده الحاكم الطاغية وأعوانه الحشرات من إعلاميين وشيوخ فتنة, وذلك كي لا يأتي في النهاية للأستوديوهات إلّا الحثالة المطبّلين أبواق الجهل في الدين أو مرتزقة السلطان, وفي أفضل الأحوال سيأتي بعض المفكّرين الأحرار الشّجعان الّذين لن يعيدوا الكرّة وسيغادرون الاستوديو عن طيب خاطر من أنفسهم ويقولوا سلاما..
...
الخلاصة: اعلم أخي العربي أنّه وفي كل مرّة تضع إعجاب أو تشاهد قبل الحذف بذاءة مذيع تجاه ضيوفه مهما اختلفت معهم في الفكر و الرأي, فأنت تساهم بتعميق الجهل ودعم التجهيل في المجتمع العربي, الأمر الذي يعتمد عليه الطغاة أوّل ما يعتمدون من أجل إظهار شعوبهم أمام العالم على أنهم همج يستحقون السحق والتسلط والحاكم الديكتاتور! وأنّ هذا الحاكم هو وزبانيته هم خير لجام لشعوب لا تميّز بين الحوار والخوار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو