الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى صديق العمر

محمد عمارة تقي الدين

2020 / 4 / 2
الادب والفن


دكتور محمد عمارة تقي الدين
لقد مر عام على رحيلك ياصديقي وها هي جبال الأحزان تبدو أكثر صلابة وارتفاعاً من ذي قبل متحدية قدرتي على الصمود، إنه طريق الآلام الصاعد الذي أُجبِرتُ على السير فيه ولا خيار آخر.

صديقي جمال محمد بهي الدين باظة، أنا لا أكتب هذا المقال لكي أرثيك، فالرثاء حديث عن مكنونات نفسي تجاهك وهو أمر يعنيني وحدي، لكني أريد أن أتحدث عنك كظاهرة تأملتها مراراً وشكلت وجداني كثيراً.

كان الفيلسوف الشاعر محمد إقبال يصف الحضارة الغربية بأنها الحسناء الفاجرة حيث جمال الشكل وخواء وقبح المضمون، في المقابل هناك حالات قبح الشكل وجمال المضمون كالأحدب بطل رواية فيكتور هوجو (أحدب نوتردام).

أما أنت يا صديقي فلم تكن (جمال) بل (جمالين): جمال الشكل(المادة والمظهر)، والمضمون (الروح والجوهر).

كنت أتخذك كدليل ضمن حزمة أدلتي على وجود الله وأنا أتأمل تلك الروح الرائعة التي كانت تسكن جسدك، تلك المُثل المتجسدة بك والتي هي بلا شك غرس السماء وليست من الأرض في شئ، فهي حتماً ليست نتاج قوى الطبيعة بل من صنع إله متجاوز، إله رائع ومبدع في صنعته.

كنت أعلم أن قلبك لم يكن ليتحمل عواصف ما بعد الحداثة حيث ضمور القيم الإنسانية وخفوت الأخلاق إلى مادون الصفر، إذ أصبح كل شيء قابلاً للبيع والشراء بما فيه المبادئ والكرامة الإنسانية، إنه أبداً لم يكن عالمك، فهل كان لزاماً عليك أن ترحل؟ وهل كان الفيلسوف الألماني هيجل محقاً حين قال أن المثاليات المطلقة مستحيلة؟ وأنها حتماً ستصطدم بعالم الواقع وتنكسر أمامه بكل سلبياته وارتكاساته.

أتذكر حديثك المتواصل معي حول تبدُّل القيم وانهيارها في السنوات الأخيرة، عن أسفك على أصدقاء قدامي باعوا قيمهم مقابل المال، أو أنهم كانوا بلا قيم من البداية وإنما كشفهم وفضحتهم التجربة، أو أنهم قد دهستهم قاطرة ما بعد الحداثة فشكلتهم وفق قوانينها اللأخلاقية الصارمة.

كنت أقول لك عليك أن تتغير بعض الشيء، أن تُخفِّض من درجة حساسيتك للأمور، أن تُنحِّي عاطفتك جانباً، أن تعطي قيمك إجازة لبعض الوقت لتتمكن من التأقلم مع الواقع الجديد، لكنك أبداً لم تستجب، وكنت أعلم أنك لن لتفعل.

اعتبرت رحيلك بمثابة عقاب الأقدار لي على ذنب قد أكون اقترفته أنا، فكان القرار بأن أفقد صديق عمري وتوأم روحي، أن أُترك وحيداً وحزيناً في هذا العالم، ولكن يقيني أن الأقدار لا تسير عبثاً أو انتقاماً وإنما بحكمة غاية في انضباطها هو ما يُسرِّي عني، يجعلني مُطمئناً لوجودك الآن في عالم تستحقه، عالم تتجسد فيه المُثل كما كنت دوماً تتمنى.

سأظل ياصديقي ما حييت أعيش على أمل اللقاء بك في عالم أكثر تراحمية وقيمية، عالم كثيراً ما تطلعت إليه أنت وآمنت بمجيئه، ليس في الأرض ولكن في السماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين