الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوباء في الأدب ، من خلال 6 روايات عظيمة

الحسن علاج

2020 / 4 / 3
الادب والفن


ناعومي تيتي Naomi Titti) (
ترجمة : الحسن علاج

من أجل التخفيف من الكدر الذي يترصدكم ، اكتشفوا كيف استأثر عباقرة الأدب بالأوبئة . فمن " طاعون " كامو إلى "نميسيس" روث ، ربما ستكتشفون في اختيارنا مرآة لتجربتكم الخاصة للعدوى .

إنكار ، غموض ، فتور ، انصعاق ، رعب ، اضطراب ، عجز ... ينتج انطلاقا من العدوى ويساعد على نشر مجموعة واسعة من الآلام البشرية . تمت إضاءته في فن التصوير بواسطة رفائيل Raphael) (1 روبنس Rubens) ( ، غويا Goya) (2 أو جيريكو Géricault) (3 ، ألهم الوباء أيضا العديد من الكُتاب . وصف الطاعون أو الكوليرا من أجل التذكير بالعرضية الحتمية للوجود . رسم موت بريء بعناية بهدف تصوير محدوديتنا . لقد عمل الأدب على فضح أخطار قانون الصمت ometra) ( ، في بداية الأوبئة الشاملة ، حيث إرادة " عدم إذهال الساكنة " تبطئ اتخاذ القرارات .
مفجر للأزمات الأخلاقية والروحية ، يعمل الوباء على زعزعة عقلية البعض وتعكير صفو إيمان البعض الآخر : بالزج بشخصياته في بحث يائس عن المعنى ، يعرض أدب الوباء تبكيت ضمائرها واندفاعاتها الطائشة . على أن تلك الكتابة تسوغ أيضا التعامل مع إشكالية الحجز . فكيف يمكن للمرء أن يعيش العزل الذي يتسبب فيه الحجر الصحي ؟
منذ [مسرحية] أوديب ملكا لسوفوكليس ( القرن V قبل الميلاد ) ، فرض الوباء نفسه على جنس أدبي في حد ذاته ، مادة طيعة إلى ما لا نهاية . فضمن هذا المتن الثري والمتنوع ، مع استبعاد أدب الاستباق ونهاية العالم ، فقد عملنا على استخراج مجموعة من ستة محكيات ، كلها كُتبت بعد 1945 . ودون ادعاء الشمولية ، نقدم لكم هنا روايات الوباء التي ميزتنا أكثر .
ألبير كامو Albert Camus) ( 4، " الطاعون " (1947) : " العطل التي لا تُطاق"
عجز الزمنية ، تجربة الفصل ، افتقار اللغة ، ابتذال الموت ... رواية شهيرة لمحكي الوباء ، الطاعون La Peste) ( لكامو تشير إلى هول ما تصفه بقدر ما تشير إلى نبرتها المنفصلة بشكل مدهش . ضمن تعبير عار ومتقن ، يسجل الراوي أحداث تفشي وباء عنيف بمدينة وهران ، بالجزائر ، في الأربعينات من القرن المنصرم . منشغلة البال بعدم إصابة الرأي العام بالفزع إلى الرأي العام ، تبذل السلطات مجهودا كبيرا في تشخيص ما يتجلى أمام أعينها . تمت إذن مراقبة كل مراحل الوباء ، الكاشف للتحولات التي أحدثها المرض في قلب الحياة اليومية للوهرانيين ، عاملا على بلبلة العلاقات الإنسانية التي يستمتع الطاعون في اجتياحها . تُطرح إذن مسألة أساسية : أيّ موقف ينبغي تبنيه ؟ فبينما يسعى الصحافي رامبيرت Rambert) ( إلى تحدي جهاز العزل ، من أجل العثور على معشوقته ، يوبخ الأب بانيلو (Le Père Paneloux) السكان أنفسهم ، المسؤولين عن الغضب الإلهي ؛ يمتنع الدكتور ريو ذاته ، عن الخضوع ويستمر في المقاومة ، عيادة المرضى ، بالرغم من حزنه العميق .
إنهم يشعرون كذلك بالمعاناة الشديدة للمسجونين والمنفيين ، التي هي العيش بذاكرة لا تجدي نفعا . إن ذلك الماضي نفسه، الذين كانوا يفكرون فيه باستمرار ، لم يكن سوى بطعم الحسرة . لقد كانوا يودون ، في الواقع ، القدرة على ان يضيفوا إليه [الماضي] كل ما كانوا يتحسرون على عدم فعله ، حينما كانوا لا يزالون يمتلكون القدرة على فعله ، إلى هذا أو تلك اللذان كانوا ينتظرونهما ـ كما هو الحال في كل الظروف ، السعيدة نسبيا ، فقد كانوا يمزجون حياتهم كمسجونين ، الغائب ، وكل ما كانوا حينئذ لا يقدرون على إشباعه . نفد صبرهم من حاضرهم ، أعداء لماضيهم ومحرومون من المستقبل ، كنا نشبه كثيرا حينئذ أولئك الذين تجعلهم العدالة أو الكراهية ، يعيشون وراء القضبان . أخيرا ، فإن الوسيلة الوحيدة ، للتخلص من تلك العطل التي لا تحتمل ، كانت في جعل القطارات تعمل من جديد ، بواسطة الخيال وملء الساعات بأصوات جرس متكررة ، تعاند بصمت . ألبير كامو ، الطاعون (ص: 122)
بالتأكيد ، بإمكان المرء أن يدرك في هذا الطاعون الكاموي استعارة للطاعون الأسود ، للقب الذي لقبت به النازية ، أثناء الحرب العالمية الثانية . أوريليا بالو Aurélie Palud) ( ، وهي أستاذة مبرزة في الآداب الحديثة ، شرحت في سنة 2014 في [برنامج فرنسا الثقافية] " سبل الفلسفة " ، أن محكي الوباء المادي يتكشف عن وباء أخلاقي . يعمل [الوباء] على زرع فكرة أن الإنسان يحمل الشر بداخله . فبواسطة العدوى الوبائية ، يضيء الإنسان لغز هويته الخاصة .
أُجبر مواطنونا على الانصياع ، وتكيفوا ، كما يُقال ، لأنه لا توجد وسيلة للقيام بغير ذلك . كانوا لا يزالون يمتلكون ، بطبيعة الحال ، مظهرا للشقاء والمعاناة ، لكنهم لم يعودوا يشعرون بالألم . على الرغم من ذلك ، فإن الدكتور ريو ، على سبيل المثال ، كان يعتبر ، بالضبط ، أن هذا هو الشقاء ، ثم إن الاعتياد على اليأس لهو أسوأ من اليأس ذاته . من قبل ، لم يكن الخاضعون للعزل في واقع الحال ، تعساء ، كانت ثمة إضاءة قد اختفت للتو في معاناتهم ـ في الوقت الراهن ، شوهدوا عند زاوية الشوارع ، في المقاهي أو عند أصدقائهم ، هادئين وشاردي الذهن ، ثم إن العين المنزعجة جدا إذن ، بفضلهم ، كل المدينة كانت تشبه قاعة انتظار . وبالنسبة لأولئك الذين كانوا يمتلكون حرفة ، فقد كانوا يقومون بها وفقا لوتيرة الطاعون ذاتها ، بدقة متناهية وبدون ملل . الجميع كانوا متواضعين . وللمرة الأولى ، لم يكن للمفصولين أي نفور من الحديث عن الغائب ، استعمال لغة الجميع ، فحص فصلهم من نفس زاوية إحصائيات الوباء . بينما حتى ذلك الحين ، استبعدوا شراسة معاناتهم من المصيبة الجماعية ، لقد سلّموا في الوقت الحالي بالغموض .
بدون ذاكرة وأمل ، استقروا في الحاضر . وفي الحقيقة ، فإن كل شيء أصبح لديهم حاضرا . لابد من قول ذلك جيدا ، فقد أزال الطاعون للجميع القدرة على الحب والصداقة حتى . لأن الحب يتطلب قليلا من المستقبل ، ولم يكن لدينا إلا لحظات . ألبير كامو ، الطاعون .

جان جيونو Jean Giono) (5 ، " الفارس على السطح " (1951) : ال" قذارة البشرية "

1838 . أنجيلو باردي Angelo Pardi) ( ، وهو فارس إيطالي ينحدر من إقليم بيمونتي Piémont) ( ، هو بطلنا ، فار بعد انتصار في مبارزة مميتة . قادته مصائبه إلى مقاطعة منوسكا Manosque) ( ، في [منطقة] بروفانسيا Provence) ( ، حيث وباء الكوليرا في قمة عنفه . تلاحقه السلطات ، باعتقادها أنه قام بتسميم منابع المدينة ، يتسكع على سطوح البيوت المهجورة .


ينتقل إذن بلا داع من منزل إلى آخر ، كان يتجرد من الفوضى الشنيعة للوباء ، مقدما تأملا انطباعيا للمناظر المقفرة لمدينة تحتضر . ومع ذلك ، وباعتباره شخصية ذات إلهام ستاندالي ، فإن أنجيلو يعطي أهمية خاصة للواجب والفضيلة . معضد بحصانة يتعذر شرحها وورع
نبيل ، يضع نفسه رهن إشارة عدد قليل من المدانين على أمل إنقاذهم من تجربة المعاناة ، يجد نفسه في أول رواق لرقصة الأموات ، يتمرد ضد هذا الشر المخيف الذي يكشف ، بحسبه ، عن " القذارة البشرية " .
بدعوة من مذياع " مصاحبة الأعمال " في سنة 2017 ، تدافع ، سيلفي فينييس Sylvie Vignes) ( ، وهي أستاذة الأدب الفرنسي ومتخصصة في جيونو ، عن كون أن المؤلف نسق حبكته حول الكوليرا ، من أجل قوتها الرمزية والكاشفة للانفعالات الإنسانية . وبهدف التشديد على النفس الدرامي لعمله ، استلهم جيونو من الوباء العام للكوليرا ، الأكثر واقعية ، لعام 1832 ، مع تفاقم أعراض المرض . سوف يتم الاحتفاظ بالقوة الموحية للجيونيين (نسبة لجيونو) المصابين بالكوليرا الذين يتقيؤون مادة " شبيهة بالأرز إلى الحليب " . ملقبا ب" صديق الرسامين " ، يرسم الكاتب بعبقرية مشهدا عاما لمقاطعة مأساوية ، عاملا على تعبئة العناصر التصويرية في أوصاف للطبيعة . يدرج جيونو شخصياته في نشوة ملحمية ، ثم إنه ينقلنا تحت الحرارة " المنفرة " ، " ثقيلة ومزيتة " لصيف لعين ، مع الاحتفاظ تماما بنبرة شعرية وبناء موسيقي .
كانت الشمس ساطعة . أقل المياه قذارة بدأت في التدخين . كانت الأيام محزنة و الليالي باردة . ثمة حالة كوليرا صاعقة . كان الموت يخطف المريض في ساعتين على أقل تقدير . [...] التشنجات ، الاحتضار ، يتقدمها ازرقاق وانخفاض مروع ، في درجة حرارة الجسم ، تصنع الفراغ من حوله . فحتى أولئك الذين يأتون لنجدته ، كانوا يتراجعون إلى الوراء . كانت سحنته مصابة بداء الكوليرا للغاية . لقد كانت لوحة حية تعبر عن الموت ومتاهاته . كان الهجوم سريعا جدا حيث بقيت للحظة علامات غيبوبة مدهشة ، أكثر صبيانية ، على أن الموت أوجب عليه أن يقترح في الحال ألعابا مخيفة جدا ، حيث أن وجنتيه جردتا من اللحم تقريبا ، انقلبت شفتاه مرفوعتين فوق أسنانه من أجل ضحكة لا تنتهي ؛ وأخيرا أصدر صراخا جعل الكل يفر . جان جيونو ، الفارس على السطح .

مارسيل بانيول Marcel Pagnol) (6 ، " المصابون بالطاعون " (1977) : وباء خيالي

ففي محكي المصابون بالطاعون Les Pestiférés) ( ، وهو نص غير مكتمل ، وقد تم نسيانه لوقت طويل ، قام مارسيل بانيول ببعث وباء الطاعون ، الذي ظهر على نحو مفاجئ ، عام 1720 بمدينة مارسيليا . تم نشر هذه الأقصوصة سنة 1977 ، بعد موته ، ضمن المجموعة القصصية الموسومة بزمن الحب . كنز مخفي لأدب الوباء ، تسبح بنا [أقصوصة ] المصابون بالطاعون في مغامرات طائفة مارسيلية صغيرة ، أمام تفشي آفة مرعبة . بعد محادثات سريعة ، وجهاء محليون بقيادة معلم مصارعة يونانية ، طبيب ، وأستاذ الرقص ، موثق عقود ، اتخذوا قرارا جذريا بعزل الحي ، مهيئا نفسه كمثل قلعة محاصرة . عبر حجم الأقصوصة ، قدم بانيول ترتيبا قويا من الانقلابات الطارئة على الدوام ، غاية في اللامعقول ، خيالية جدا حيث سوف لن يتم فيها نسيان الموضوع المأساوي تقريبا . ضمن توثب متحضر للكوارث ، كل شخص أنيطت به رسالة للمساهمة في المجهود الحربي . حرب ضد التفاقم ، حرب ضد الانتهازيين الذين يختلسون المؤن . الجميع انطلى بغزارة بسائل يُقال أنه فعال ضد العدوى ، " خل اللصوص الأربعة " ، ما يعادل المدرسة القديمة للمطهر الكحولي (gel hydroalcoolique) . كل ذلك تم قصه ضمن حيرة هزلية ممتعة .
شرع الضجر والخوف سريعا في تعطيل عادات هؤلاء الصالحين ، وثمة عدد كبير بين الخيانات الزوجية ، حيث لا يبدو أن أحدا يهتم بذلك كثيرا ، ما عدا الجزار روميالدRomuald) ( ، الذي استشاط غيظا كونه كان مخدوعا ، إلا أن بانكراسPancrace) ( الذي تسلى بواسطة الاعتبارات الفلسفية غاية في الجمالأكثر من الجزار ، وبعد أن قدم زوجته هدية للخباز ، شرع في التنظيف مع خادمة البقال الصغيرة . لقد كانت في غاية السعادة ، لأنها كانت تخشى ، منذ بداية العدوى ، من الموت وهي عذراء ... أحزنت تلك العادات موثق العقود الفاضل ، وبشكل أكثر قسوة ، أنه هو نفسه كان ضحية ، لأنه فوجئ في مساء جميل ، في فسوق بين مع زوجة السماك ، والتي لم تكن لا صغيرة السن ولا جميلة، لكنها كانت مثيرة وجسورة . واساه المعلم بانكراس ، شارحا له حاله أن الخشية من الموت تثير دائما المعنى التناسلي ، كما لو أن كائنا ما يخالطه الإحساس بالضياع ، فيعمل كل ما في وسعه من أجل إعادة إنتاج شخصه ، كي ينتصر على الموت ... مارسيل بانيول ، المصابون بالطاعون .
في حين أن انصرافهم يعتبر نجاحا ، فإن الناجين من الخطر واجهوا عائقا جديدا : من أجل إيقاف التفشي ، قامت سلطات الإقليم بمباشرة إحراق كل البلدات التي تم اجتاحها . فتبعا للمعلم بانكراس ، سيكون من الغباء الإعلان عن حضورهم : قساة القلوب النهابون يتسكعون . ليس ثمة اختيار آخر ، ينبغي عليهم مغادرة الأمكنة في سرية تامة . ضمن مشهد مجنون بشكل متفوق ، انطلق أعضاء تلك الطائفة الصغيرة ، حينئذ في أداء مسرحي متميز ، بهدف الفرار من أحيائهم دون إثارة الشكوك . جنود مزيفون ، جثث موبوءة مزيفة ، إخراج مسرحي مثالي . إذا كانت نهاية هذه الأقصوصة مبتورة ، تبقي على جوعكم ، سوف يكون بإمكانكم على الدوام العثور على نهايتها ، في اقتباس القصة المصورة لرواية المصابون بالطاعون ( سامويل فامبر Samuel Wambre) ( ، سيرجي سكوتو Serge Scotto) (وإيريك ستوف Eric Stoffe) ( ، دور نشر Grand Angle ، 2019 ). أعيد تشكيل حل العقدة من قبل حفيد المؤلف ، نيكولا بانيول (Nicolas Pagnol) ، من خلال مقتطفات النقل الشفهي لمحكي الكاتب .

جان ـ ماري غوستاف لوكليزيو(Jean – Marie Gustabve Le Clézio) 7، " المحجر الصحي " (1995) : زمن المرض المؤجل

في نهاية القرن XIX ، على متن سفينة لافا L’AVA) ( من أجل العودة إلى بيتهما ، ليون Leon) ( وأخوه جاك Jacques) ( اندفعا نحو جزيرة موريس . وبعد توقف طارئ بجزيرة زنجبار ، اثنان من المسافرين على ظهر السفينة ، ظهرت عليهما أعراض الجدري . أُخبر الجميع على مغادرة السفينة ، على جزيرة بلاتا Ile de Plate) ( ، وهي ملاذ بركاني بالمحيط الهندي ، حيث سيتوجب عليهم البقاء في الحجر الصحي ، لمدة غير محدودة . مستلهما حدثامن حياة جده ، يروي لوكليزيو في رواية الحجر الصحي تجربة العزل القسري ، على جزيرة ، حيث يفصل الاستعمار الأوروبيين عن ال"عمال المحليين الهنود" ، هؤلاء المغتربون الهنود يلتزمون بالعمل في المستعمرات . على النقيض من المؤلفين الذين تمت الإشارة إليهم سابقا ، نجد أن لوكليزيو أقل اهتماما بوصف المرض ، الذي ينعشه المخيال بواسطة المنفى بداخلنا . يروي ليون المحكي بضمير المتكلم ، يعيد رسم لقائه بالفتاة الهندية سوريفاتي Suryavati) ( الجميلة ، أو فراره بين حي الحجر الصحي ، المخصص للأوروبيين ، وذلك المخصص للهنود . ويبدو أن جاك حزين جدا : " نحن مسجونون " قال بتخوف . الانتظار اليائس لسفينة إنقاذ ، ألعاب السلطة بين عالمين ، علاقات القوة في قلب طائفتهما الخاصة، تضاعف من البيئة المرضية التي يفرضها الوباء . ومع ذلك ، في ما وراء الكساد ، يروي لنا ليون ضمن بناء موسيقي شخصي كيف تأثر بالطبيعة المزهرة للجزيرة . خالف العزل الذهني للحجر الصحي .
كان القمر ينير التراب والبحيرة الشاطئية ؛ وغسل البرد السماء السوداء . كان الجو باردا تقريبا . أسير حافي القدمين في دربي ، دون إثارة أي ضجيج . فقط كنت ألبس سروالا وقميصا بلا ياقة ، كان هواء الليل يجعلني أرتعش برفق ؛ وكان قلبي يخفق كمثل تلميذ ثانوي خرج بدون رخصة . بينما انتظرت حتى كان الجميع نائما ، استمعت إلى ضربات قلبي ، بدا لي تردد صدى أصواتهم ، في بناية الحجر الصحي بأتمها ، انتهاءً بالأرض ، أنهم كانوا يمتزجون بالاهتزاز المنظم ، الذي يدل على مرور الزمن . منذ النزول من المركب ، توقفت ساعتي .
لاشك أن ماء البحر ، الرمل الأسود ، أو مسحوق الطلك talc) ( تدفق ، الذي يطير في هبات الريح . وضعتها جانبا ، لا أدري في أي موضع نسيتها [الساعة] فيه ، ربما في حقيبة جاك الطبية ، برفقة أزرار الأكمام وقلم الرصاص الصغير ، المذهب لوالد الجد إلياسان Eliacin) ( . بمكنتي الآن ، قياس آخر للزمن ، هو ذهاب وإياب مد البحر وجزره ، عبور العصافير ، التغيرات التي تطرأ في السماء وفي البحيرة الشاطئية ، دقات قلبي . جان ـ ماري غوستاف لوكليزيو ، الحجر الصحي .

لورا كاشيشكا Laura Kasichke) (8 ، " في عالم مثالي " (2009) : السعادة في مقابل الفيروس
يعتبر محكي الوباء لدى الكاتبة لورا كاشيشكا ، أداة لرسم صورة لنقد لاذع للطبقة الأمريكية المتوسطة في الوقت الراهن . جزيل Jiselle) ( ، ثلاثينية ومضيفة طيران ، يحزنها أن ترى حياتها ، وهي تنخطف من أمام عينيها في حين أنها لم " تختر " لا تزال وضعية زواج مستقرة . ولما كان مارك دورن Mark Dorn) ( ، وهو قبطان طائرة أرمل وممتاز للغاية ، طلب يدها للزواج بعد أشهر ثلاثة من لقائهما ، لن تتردد جزيل لحظة . بينما كان وباء الإنفلوانزا يجتاح الولايات المتحدة ، حاملا معه مئات الضحايا في إعصاره ( تختفي نجمة البوب برايتني سبايرز Britney spears) ( منذ الصفحة 3 ! ) ، تتحول بطلة رواية في عالم مثالي إلى ربة بيت لرعاية الأبناء الثلاثة لزوجها الجديد . إن تشريح الوباء بالمشرط الأدبي ليس من قصد الكاتبة . على العكس من ذلك ، فهي تلقي بفكرة منتشرة ، بعيدة ، عن المرض . تكاد تكون وهمية إلى درجة أن الشخصيات تعاني من أجل تصديقها ، تعتبر الإنفلوانزا هنا ذريعة لتشريح حالة ذهنية عرضية لعصرنا . أخيرا ، ما هو الوباء الشامل أمام ملاحقة جامحة للسعادة ؟ فضمن هذه الصورة المشعاعية التهكمية لمجتمعاتنا الغربية المعاصرة ، تعمل لورا كاشيشكا على تطويقنا بمحكي مقلق ، إلى درجة أنها تجيب على سلوكاتنا الحالية ، كرد فعل على تفشي كورونا فيروس . أمام الخوف من الفوضى والإهمال والحاجة الملحة للعيش بأقصى سرعة . لماذا الانتظار ؟ تحول ذلك إلى نوع من الترتيلة المقدسة mantra) ( .[...] وضمت وسائط الإعلام الحرب ، الخوف من الإنفلوانزا ، كما أن هذا المناخ حار بقدر ما هو مثير للقلق ، إلى سلوك اليافعين والراشدين . ظلت الخمارات مزدحمة إلى منتصف النهار ، كما ظلت الروابط بين زملاء العمل من خلال عملة متداولة . حمل طارئ وحمل مبرمج . وكان يبدو ، أن امرأة حامل في كل تقاطع شارعين ورضيع في مركبته المدفوعة على كل رصيف . الصبية الذين لم يلتحقوا بالجيش بعد الثانوية همشوا أنفسهم كي يصبحوا شعراء . رُوي أنه في لاس فيغاس كان من المألوف جدا أن اللاعبين كانوا يظلون أمام آلات القمار ، حتى يسقطوا من الإنهاك ، حيث أن سيارات الإسعاف كانت تنتظر ، محرك مشغل ، وراء ملاهي القمار . تحتفل مصليات الكنائس الممتلئة بكاملها ، على مدار الساعة بحفلات الزفاف . لم يتم استهلاك الكثير من الشامبانيا كما أن متاجر الخمور اعتمدت مبدأ زجاجة واحدة لكل زبون ، تجنبا لردود الأفعال العنيفة لأولئك الذين كانوا يجدون الرفوف خاوية . على أن جزيل لم تفكر في ذلك الوضع الراهن لما أجابت مارك ، نعم ، لقد وافقت على الزواج به . لورا كاشيشكا ، في عالم مثالي .

فليب روث Philip Roth) )9 ، " نمسيس Némésis) (10 " (2010) : الذنب في مواجهة الشر

في صيف 1944 ، يبلغ باكي كانتور Bucky Cantor) ( من العمر 23 سنة . يعيش بمدينة نيورك Newark) ( ، بالولايات المتحدة . فبالرغم من لياقاته البدنية وجسمه وصفه جسما لمدرس رياضة ، لم يتمكن من الانضمام إلى القوات المسلحة المعبأة للحرب العالمية الثانية ، بسبب بصره الضعيف جدا . وجد نفسه مديرا للملاعب الرياضية بوكواهيك Weequahic) ( ، وهو حي يهودي بالمدينة . ينتابه الخجل كونه لم يساهم في مجهود الحرب ، ومع ذلك ، فقد وجد نفسه في أول خط لجبهة أخرى : وباء شلل الأطفال ، يصيب أساسا الأطفال ، فهو يضرب على حين غرة محيط بوكي . وحينما لا يقتل ، فإن شلل الأطفال يصيب أعضاء ضحاياه بالضمور ، يجعلهم معوقين بشكل فظيع . كيف يمكن القبول بمأساة مشابهة ؟ ففي رواية نمسيس ، آخر رواية في مشواره ، يشرح فليب روث بدقة كبيرة الانفعالات التي يثيرها جنون وباء ما . كما يسائل ردود أفعال باك Buck) ( ، هذا البطل الذي يفيض صدقا والمتعطش للأجوبة ، أمام" طغيان الطوارئ " . كيف يمكن قياس جرمه أمام شر غير مرئي ، يزيل حواجز كل عقلية ؟ أليس الوباء هو حقيقة [الإلهة] نمسيس ، [حقيقة] اسم إلهة الميثولوجيا اليونانية التي تعاقب الإسراف ، المغالاة والكبرياء ؟
كل أصدقائه أصيبوا بالرعب ، يقول السيد مايكل (Mr Michaels) . أصيبوا بالرعب بالفكرة التي مررها لهم ، والآن سوف يصابون بالشلل أيضا . أصيب آباؤهم بالارتباك . لا أحد يعرف ماذا يمكن عمله . ماذا يمكن فعله ؟ ماذا كان ينبغي فعله ؟ أبذل مجهودا ذهنيا . [...] أيوجد طفل يعتني عناية فائقة بغرفته وشؤونه ونفسه مثل آلان Alan) ( ؟ فكل ما فعله ، قام بعمله على أحسن وجه ومن المحاولة الأولى ؛ ومسرور على الدوام . على استعداد دائما للمداعبة . فلماذا مات إذن ؟ أمن وجود عدالة في هذا المكان ؟
ـ لا وجود لأي واحدة ، يقول السيد كانتور .
ـ أنت تعرف كل شيء جيد وكل شيء جيد ومرة أخرى كل شيء جيد ، دائما . إنك تجهد نفسك لكي تكون رجلا متبصرا ، عاقلا ، تبدو متسامحا ، وبالتالي فهذا ما حصل . ما هو معنى الحياة ؟
ـ ثمة انطباع ان لا معنى لها ، أجاب السيد كانتور .
ـ أين هو ميزان العدالة ؟ يتساءل الرجل المسكين .
ـ لا أعرف شيئا ، السيد مايكل .
ـ لماذا تضرب المأساة دائما الناس الأقل استحقاقا لها ؟
ـ لا أعرف الجواب ، أجاب السيد كانتور .
ـ لماذا لست أنا بدلا منه ؟ فليب روث ، نمسيس .

ـــ
مصدر النص : نص في صيغته الفرنسية للكاتبة ناعومي تيتي ، على موقع فرنسا الثقافية (France Culture ( بتاريخ 17/ 03 / 2020 . اُنظر الموقع : www.franceculture.fr
هوامش
1 رفائيل : (1483ـ 1520) رسام ومهندس معماري إيطالي من عصر النهضة .
2 فرانسيسكو خوسيه دوغويا : (1746 ـ1828 ) رسام إسباني .
3 ثيودور جريكو : ( 1791 ـ 1824) رسام ، نحات فرنسي ومصمم الطباعة الحجرية .
4 ألبير كامو : (1913 ـ 1960) كاتب وفيلسوف ، روائي ، مسرحي وكاتب مقالات وقصاص فرنسي .
5 جان جيونو : (1895 ـ 1970) كاتب فرنسي .
6 مارسيل بانيول : (1895 ـ 1974) كاتب ، مسرحي ، كاتب سيناريو ومنتج فرنسي .
7 جان ماري غوستاف لوكليزيو : يكتب بالفرنسية ، حامل للجنسية الفرنسية والموريسية ، وهو واحد من أكبر الكتاب الفرنكوفونيين المعاصرين ؛ روائي فرنسي حائز على جائزة نوبل للآداب عن روايته صحراء عام 2008 .
8 لورا كاشيشكا : شاعرة وقصاصة وروائية أمريكية .
9 فليب روث : (1933 ـ2018) كاتب أمريكي وقصاص وروائي .
10 نمسيس : في الأساطير اليونانية ، إلهة حارسة على أقدار الأشياء ، وحامية للآلهة من رذائل البشر .
البريد الالكتروني : [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل