الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (218) رجل الاستخبارات والضغط النفسي

بشير الوندي

2020 / 4 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (218)

رجل الاستخبارات والضغط النفسي

بشير الوندي
-----------
مدخل
-----------
رجل الاستخبارات ورجل المؤسسة الامنية هو انسان وجزء من المجتمع , وهو من لحم ودم , له مشاعر واحاسيس , لكن الفرق بينه وبين غيره من العاملين في الدولة والقطاع الخاص , انه يعيش في ظروف غير طبيعية بالغصب عنه بحكم تنفيذ الاوامر , وكما قلنا في المبحث السابق ان رجل الاستخبارات له صلاحيات واسعة , وهذه الصلاحيات هي مسؤولية عليه ان لايتغول في استخدامها , فلابد إذن ان تكون هنالك رقابة لقوة اعصابه ولحالته النفسية من قبل مؤسسته لضمان توازنه كي يؤدي عمله بشكل محترف من جهة , وللتأكد من انه لن ينحرف وينقلب الى مالاتحمد عقباه , وهو مانسعى لتسليط الضوء عليه في هذا المبحث .
----------------------------
العيش لصق الجريمة
----------------------------
يعايش عنصر الامن والاستخبارات في عمله , منذ دخوله المؤسسة , الجانب السلبي من الحياة , فهو لا يتعامل مع الجانب الايجابي من القضايا والافراد الا نادراً , فتعامله يكون مع (الجريمة , القتلة , تجار المخدرات , الارهابيين , الجواسيس , السراق , خائني الامانة , العملاء , الشاذين جنسياً , وغير ذلك ممن يمثلون اسوا النماذج اللاأخلاقية من المجتمع ) , وهو لا يتعامل فقط مع المشكوكين والمطلوبين والمجرمين والقتله , بل ان ظروف عمله السري قد تتطلب منه الاطلاع على جرائمهم ورؤيتها رأي العين ان كان مزروعاً بينهم بمهمة استخبارية .
ان التعايش مع الجريمه ليل نهار وطيلة ايام الاسبوع والشهر والسنه يسبب تراكم ومؤثر نفسي سلبي للغاية ويولد ترسبات تتطلب التنبه اليها وترميم نفسية رجل الاستخبارات وتحصينها من ذلك التأثير من خلال برامج طبية وعلمية نفسية , فكما ان استعمال الاشعاع في الطب يؤثر على الطبيب والكادر الفني وعليهم الاحتماء منه , وكذا العاملين في المختبرات والكيمياويات , تجري وقايتهم منه , فكذلك الامر مع رجل الاستخبارات , فهو يتعرض لأزمات نفسية لابد من ملاحظتها باستمرار ووضع برامج الزامية بفترات زمنية منتظمة لمعالجته.
------------------------------
ضغوط نفسية خطيرة
------------------------------
من ابرز الضغوط والعوارض النفسية التي يتعرض لها رجل الاستخبارات , والتي لابد من التنبه الشديد لها واجراء الاختبارات النفسية حولها هي :
1- معايشة الجانب السلبي من الشخوص والاطلاع على حالات تتنافى مع الخلق المستقيم وقيم الانسان السوي , فتكرار التعامل مع الجانب السلبي في المجتمع يتسبب باضرار نفسية بالغة , ولنا ان نتصور ان رجل استخبارات ميداني يرسل لخرق داعش , او عصابة مخدرات والعيش معهم , او ان يزرع في جانب العدو ويعيش حياتهم وطباعهم واسلوبهم وجرائمهم , فهو بمرور الزمن يتأثر بتناقضات السلوك بين حياته واخلاقياته داخل المهمة المكلف بها من جهة , وحياته وأخلاقياته التي تربى عليها.
ان رجل الاستخبارات الذي يتأثر بالسلبيات هو ليس الميداني فقط , فحتى المكتبي , كالمحلل , تراه يقرأ يومياً تقارير امنية واستخبارية سلبية ومليئة بالمصائب والمشاكل الاستخبارية فمن الطبيعي ان يكون متأثراً بما يقرأه , وقد قال لي قاضٍ مشهور , انه يستغرب كيف لقاضٍ لا يدخن او لا يمارس الرياضة لكونها مهنة تطلع على مصائب المجتمع وتوثر على النفس , فإن كان القاضي يرى السلبي والايجابي , فمابالك برجل الاستخبارات الذي يعيش في الظلام ومع المجرمين .
2- كثرة معايشته للاسرار , وعدم تمكنه من الفضفضة المريحة حتى مع افراد عائلته , ومقاومته للشعور بإمكانية التحدث بحرية , مما يجعله مضطرباً , ويشعر بالكبت الشديد مما يفقده الشعور بالارتياح , بل ان الاجهزة الاستخبارية المحترفة تمنع منتسبيها من تبادل الحديث حول مهماتهم مع زملاء من اقسام اخرى داخل الجهاز الاستخباري بصرامة تزيد من الكبت .
3- عدم تمكنه من الحديث عن بطولاته , او اي انجاز مهني , فحتى لحظات سعادته لايستطيع ابرازها , وان ابرزها فلايستطيع تبريرها , وفي المقابل لايستطيع ان ينفّس عن غضبه او عن اية مشكلة له في العمل لمقربيه من اهل واصدقاء , فيكبت شعوره , ومما لاشك فيه ان رجل الاستخبارات ورجل المؤسسة الامنية بشر من حقه ان يشعر بالفخر او ان يفضفض بالحسرة , ولكن بما انه لايستطيع ذلك , فلابد ان يجد جهة راعية لمشاعره من داخل الجهاز بجلسات ينفس فيها عن مشاعره.
4- تعوده على الكذب في كل شيء , عن تبرير غيابه عن اهله يكذب , كل حياته وسط الاعداء الذي زُرع وسطهم هي كذب وغش وخداع , مما يجعله معرضاً للتوتر من شدة الانتباه لما يقول ويفعل , ولعل عنصر الاستخبارات الميداني يمكث مع داعش سنتين مثلا , يأكل ويفكر ويلبس ويتكلم مثلهم , أو ان يتطلب عمله ان يدخل السجن لتقمص شخصية مجرم والحياة مع المجرمين في السجن , او ان ينتحل صفة تمويهية لفترة طويلة كأن يكون راعي اغنام , ضابط , رجل دين , تاجر , مجرم , مهرِّب , وغير ذلك , وهذه الشخصيات تجعله مخادعاً متمرساً , ومن الخطر ان تتسرب تلك الصفة الى حياته الطبيعية او لحياته وعمله داخل الجهاز الاستخباري.
5- العيش وسط المخاطر الشديدة تؤثر على سلوكه , فالضابط الميداني مهدور الدم بلا ديّة وقد يقتل في أية لحظة , فهو يعيش لصق المخاطر ولصق الموت بلا رحمة , وهذا يجعله متأرجحاً بين القلق وبين التهور في حياته , فعمل رجل الاستخبارات الميداني ليست نزهة وغالباً مايكون بمفرده بعيداً عمّن ينقذه حين يتعرض للخطر , فيواجه المصير الخطير بنفسه مما يؤثر على نفسيته.
6- ان حياته في مهمته السرية تجعله يطلع على سلوكيات لأشخاص لم يكن ليشك فيهم لو رآهم في الشارع , فتتهشم لديه الكثير من عوامل الثقة بالآخرين , ويتحول الى شخص شكّاك بشكل مبالغ فيه , وهو امر ينعكس على محيطه الاجتماعي , فالمواطن العادي يتصور ان شكل المجرم يكون بتقاطيع متوحشة , ويستغرب ان شاهد مجرم بشكل لطيف وودود وخادع , اما رجل الاستخبارات او رجل المكافحة الذي يعمل سراً لمكافحة شبكات الدعارة , فإنهما يريان صوراً صادمة لوجوه بريئة , مما يجعلهم مشككين بشكل كبير حتى في محيطهم , ولك ان ترى ان رجل الاستخبارات لايثرثر في المجالس العامة او في الحديث التلفوني لكثرة ماشاهده من اجهزة التصنت والتصوير السرية , فتراه يتوقع وجودها في كل زاوية ,وهو مرض نفسي لابد من علاجه.
7 – ان ضابط الاستخبارات هو لصيق بالاحداث والمخاطر العامة , وهو يدرك بما ستؤول اليه الامور اكثر من غيره , فتراه يستشعر بخطر سقوط النظام مثلاً او مقدار ضعفه قبل سواه بحكم اطلاعه , وهو امر يضاعف من قلقه , وقد يؤدي الى حزم امره سلباً قبل سواه , وهو امر ينتج عن صراع نفسي وعدم اتزان , وكثيراً ما نسمع ان مدير استخبارات , او ضابط استخبارات هرب الى جانب العدو , كما حصل لآخر مدير مخابرات في النظام واختفاؤه , لأنه استشعر السقوط وفق معطيات لاتتوافر لرجل الشارع .
8 – ان رجل الاستخبارات هو صيد ثمين للعدو , ويسعى العدو لإغراءه او ابتزازه , وفي كلتا الحالتين يكون تحت عوامل الاغراء والضغط مقابل عوامل الوطنية وعار الخيانة , ومما لاشك فيه ان على المؤسسة الاستخبارية ان ترصد مثل هكذا تأثيرات لضمان سلامة رجالها من السقوط , وضمان اسرار المؤسسة .
9- ان رجل الاستخبارات عرضة للتأثر بأفكار الجهة التي يُزرع وسطها , وقد يصل تأثره الى درجة ترك كل شيء والانخراط فيها او ان يلعب طوعاً دور العميل المزدوج وهو امر لابد من مراعاته وملاحظته لأن عواقبه جسيمة , وهنالك شواهد كثيرة يمكن ذكرها في هذا المجال لرجال امن واستخبارات تقمصوا او تأثروا بأهدافهم , فمثلاً "ابو عمر الشيشاني" كان ضابطاً في جهاز مكافحة الارهاب الروسي , وتأثر بالفكر المتشدد من خلال معايشته لحالات هذا الفكر الذي كان مكلفاً بالقضاء عليه , فأصبح لاحقا من ابرز قيادات داعش , وينطبق الامر على اسماء كثيرة شهيرة في عالم الاستخبارات , حيث اصبحوا جواسيس , او تجار مخدرات , او زعماء مافيات , حتى ان احد ضباط الاستخبارات في العراق , وكان مكلفاً في السبعينيات بإخترق الحزب الشيوعي ثم تأثر بفكر الحزب , كما ان ضابط استخبارات رافق رجل دين كبير في العراق في عهد النظام السابق , ومن شدة تأثره اصبح بعد السقوط من مرافقيه .
-----------------------------
اهمية القسم النفسي
-----------------------------
الجهد الاستخباري جهد عقلي , ويحتاج الى تفكير , وتأمل , وتخطيط , وسرعة بديهة , وقوة ملاحظة , وذكاء , وفطنه , وتماهي , وانتحال صفة , وقوة ذاكرة , وحظور ذهني شديد , وتركيز في المشاهدة والتوصيف وقابلية التحليل , وغير ذلك , وهي اغلبها موجودة في العقل , وليست في الجسم , ومن هنا فإن السلامة العقلية والنفسية مهمتان له , ولابد من تحصينهما بإستمرار .
وبما ان الاستخبارات وعناصرها تعمل في السر , ورجل الاستخبارات من الكبت لكونه لايستطيع ان يفضفض بكوامنه كي لايكشف الاسرار التي يؤتمن عليها , فلكل ذلك , فإن برامج التوعية الصحية والنفسية والاطباء النفسانيين يكونوا ضمن مؤسسة الاستخبارات من داخل الجهاز , حيث لابد من وجود مركز طبي يعتمد على اطباء نفسيين اكفاء يبحثون عن الحالة ويتابعونها ويعالجوها في بداياتها , كما يكونوا متواجدين في كل مراحل تدرج الموظف داخل الجهاز منذ مرحلة المقابلة الاولى والاختبارات النفسية وحتى التقاعد , وتكتب ملاحظاتهم في ملف عضو الاستخبارات لتقييمه .
فمنذ بداية التوظيف , لابد من التدقيق في السلامة النفسية للعنصر المتقدم او المرشح للعمل الاستخباري , وعدم التهاون في رفض اشخاص يعانون من امراض نفسية , فالتهاون في هذا الامر قد يسبب مشاكل كبيرة في هذا المجال , لذا يخضع المتقدم للتوظيف الى عدة اختبارات سلوكية , وعقلية , ونفسية , فلايكون من المدمنين على المخدرات او القمار والمراهنات , وان يكون متوازناً, وغير مصاب باختلالات نفسية او عقلية او عقد اجتماعية او اخلاقية , وخلو عائلته كذلك من ملف الامراض النفسية , فالخضوع لإختبارات ما قبل التوظيف , والمراقبة الصحيحة المستمرة للعنصر الاستخباري , بما في ذلك قراءآته هي بمنتهى الاهمية للاجهزة الاستخبارية المحترفة .
ان الموثرات الخارجية على رجل الاستخبارات متنوعة ولاتتوقف على فحص المتقدمين للتعيين , كما انها لاتقتصر على الدور السلبي في التشخيص فقط , فلابد من ان يمر رجل الاستخبارات بدورات وجلسات لتدعيم قدراته النفسية , ولابد من برامج فحص طب نفسي مستمر , كما ان توجيه رجل الاستخبارات لمهمة ما لابد من ان تسبقها تحضيرات نفسية توضح له المخاطر التي تنتظره وكيفية التدرب النفسي على تجاوزها , فحتى التدريب على تخطي جهاز كشف الكذب هو اجراء يقوم به القسم النفسي للجهاز الاستخباري من خلال تدريب عناصره على السيطرة على مشاعرهم .
كما يقوم القسم النفسي بإجراءآت عدة لعلاج الظواهر النفسية التي تبرز اثناء الفحص , ومنها اجازة الزامية مع العائلة , مراجعة وتقييم للاشخاص , مراقبتهم , رفع المعنويات , المعاملة الحسنة , التكريم , العلاج النفسي , تعزيز الاخلاقيات المجتمعية , الحث على الرياضة والموسيقى والمطالعة والترفيه, تعزيز روح الوطنية والتضحية, بالاضافة الى الدورات المركزة للتربية النفسية.
-------------
خلاصة
-------------
ان الجهد الاستخباري جهد عقلي , يحتاج الى تفكير , وتأمل , وتخطيط , وسرعة بديهة , وقوة ملاحظة , وذكاء , وفطنه , وتماهي , وانتحال صفة , وقوة ذاكرة , وحظور ذهني شديد , وتركيز في المشاهدة والتوصيف وقابلية التحليل , وغير ذلك , وهي اغلبها في العقل وليست في الجسم , ومن هنا فإن السلامة العقلية والنفسية مهمتان له , ولابد من تحصينهما بإستمرار , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة