الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهزيمة والمثقف

سمير الشريف

2006 / 6 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الهزيمة والمثقف المسخ

وقفة مع شخصية رواية "حين تركنا الجسر"


" زكي النداوي", الشخصية الرئيسة التي تتمحور حولها رواية " حين تركنا الجسر" ,
رائعة " عبد الرحمن منيف" , يتحرك ضمن مساحة ضيقة جدا , يطارد حلما ,فهل دخل
هذا العالم مجبرا دون اختيار منه , ودونما رغبة في الاستمرار في تفاصيله
المملة؟
لماذا والظروف الموضوعية كلها تقف إلى جانبه ؟أليس هو الشاب الذي يمتلك قَدَره؟
وهدفه واضح محدد , يمكنه التصويب عليه عن بعد , بل وقتله والتخلص من هذا الركض
الأحمق بسهولة متناهية!! أليس يحمل بندقية محشّوة بالرصاص, جاهزة للإطلاق ,
وحديثة الصنع أيضا ؟؟
رغم كل ذلك , يتقدم " زكي النداوي" من هدفه مكرها , مقيد الحرية, متشائم
النظرات , مستسلما لأتكالية بعيدة كل البعد عن المنهج العقلي ,بل , يصل
ألأمر بهذا الإنسان السلبي حد الصراخ بملء الفم:"....أنا إنسان ملعون....العجز
في دمي.......ولا أستحق شيئا.....الحياة مليئة بالا جدوى ......تصورت نفسي
أكثر شؤما من غراب..."
" زكي النداوي" , ليس مستعدا للنصر , ولإعمال الفكر في أساليبه, لأنه يعتقد
مسبقا أنه رجل منحوس, إنه إنسان بلا ماض ولا حاضر ولا مستقبل, لذلك, وصل ألأمر
حدا لا يستطيع معه اتخاذ قرار ,حتى في اللحظة ا لتي كمن فيها "للبطة ",
انتظارا لإطلاق النار, لكن من يطلق هذه النار؟ إنه لا يعرف ما يريد .." ..أين
يجب أن أقف؟ ماذا عليّ أن افعل؟"
الانفعال والارتجال والعشوائية في اتخاذ القرار , سيد الموقف, ها هو يندب
حظه بالبكاء/ الوسيلة التي لا يجيد غيرها /..." نحن بشر لا نعرف غير
البكاء..... منذ ساعة الميلاد د و حتى ساعة الرحيل , لا نعرف سوى أن
نبكي....... ألا نستطيع أن نفعل شيئا آخر؟؟؟.."
" زكي النداوي", يدرك عجزه وقصوره القاتل , واستحالة وصوله تخوم الانتصار
يوما, لكنه يجاري أوهامه بأحلام ألنصر الزائف , وإن ظل في داخله براكين من ا
ل..( لماذا) , التي تحاول إ يجاد تفسير موضوعي لهذا العجز دون جدوى....
" زكي النداوي", يكتفي بالشتيمة والتساؤلات الملحاحة , دون أن يترجم كل هذا
الكم إ لى فعل واضح محدد.
إن السبب الكامن وراء كل هذا العجز , إحساسه بالهزيمة تتربع في داخله , وتضرب
جذورها في أوصاله , فلا يستطيع الإفلات ...هل محض صدفة أن يردد " زكي النداوي"
دوما : .." أنا رجل مخصي ..."وهل مجرد تداعيات , ألا تكون خلفية أحلامه غير
المزابل والقاذورات ت؟
ألإنسان المهزوم من داخله , لن تستطيع كل أسلحة الدنيا أ ن تجلب له
النصر,….."البندقية اهتزت في يدي……ارتفعت كراية المهزومين,ارتجفت لمّا صوبت….
كانت في يدي مثل عصا عمياء …"هل هنا ك أكثر من تشبيه ا لبندقية بر
آية المهزومين؟؟ .
" زكي النداوي ", يشتم ذاته, يحقرّها و ولا يجد مخلوقا سويا يصادقه حتى يلجأ
إلى كلب, لا تقل جاء إ اختيار الكلب لصفة الوفاء فيه! أبدا ..صورة الكلب في
ذهن "زكي النداوي", رديف العته , والجرب ,والانحطاط , والمسخ...
إنه يحقرّ ذاته , ويربط شخصه بكلب , ويعتبر نفسه محض رجل مخصي , بكل ما يوحيه الخصاء من معنى , لأنه ابن شرعي للأزمة التي وصلها المثقف بفعل
الهزيمة التي لحقت بأمته ....
هذا ألإنسان الذي تحوّل إلى مسخ ,بدون تاريخ وبلا إنسانية, ليس من حقه العيش ,
لأنه مشروع لهزيمة كبرى , ضربت جذورها عميقا في وجدانه , والمهزوم ,
سيحيا فارغا من أية مقومات إيجابية, ما لم تتغير ألمعادلة بأطرافها جميعا
.....
أن الهزيمة شيء مرعب , تحيل ألرجال إلى هياكل آدمية مخصية , وتلقي بظلالها
السوداء على جوانب حيواتهم جميعا ....
ترى..!!
هل تبدلت صورة المثقف بعد أن ابتعدنا عن محطة هزيمة سبعة وستين ؟ أ م ما
زالت تراوح إطارها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا