الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونيات (4)

محمد بقوح

2020 / 4 / 4
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


الرقم 74. يحمل أكثر من معنى. إنه تحصيل الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا في مغرب اليوم. 20 مارس 2020. مغرب الأمل. مجهود كبير يبذل لمواجهة هذا الوباء الغريب. المواطن كذلك على وعي كبير مماثل، بل مضاعف بحساسية المرحلة التي نمر منها جميعا. وطنا ومواطنين. إن كل التدابير الوقائية التي اتخذت مؤخرا، كحظر التجول، وحالة الطوارئ، تعني تشديد محاصرة فيروس كورونا اللعين، حتى يبقى بعيدا عن أجسادنا، بالرغم من انه يشغل عقولنا. لكن بالاتحاد والمزيد من تحمل العزلة الإجبارية داخل بيوتنا، يمكننا تجاوز هذا الخطر المحدق بنا في أية لحظة. إنه قريب منا نظريا. لكنه بعيد كل البعد عنا عمليا، إن واصلنا محاربته بهذه الطريقة الاستباقية المثلى، التي ربما تعتبر مربط الفرس للخطأ الكبير الذي وقعت فيه الدول الأوربية المجاورة. نحن من يحدد مصيرنا وليس غيرنا. ونحن من يمكن الوباء منا أو قهره وإبعاده عنا إلى وسط آخر أنسب له من وسطنا.
إن العيش مع الخطر هو الحياة في أصل الأمور. القرب من الخطر هو الذي يمكن الإنسان من قوة التفكير، ومن قوة الإبداع، وأيضا من قوة النفس وسلامة الجسد. لا حياة دون الإحساس بالخطر. ربما، ما يمكن أن نسميه ب"الحياة" في ظل السهولة، و الجاهزية، والبساطة المفرطة والرخاء الكلي، والطمئنينة المطلقة هو الذي يخلق الإنسان الخامل الكسول، و المهادن الخضوع الذي يسهل تدجينه واختراقه جسديا وفكريا. يعني نحن هنا بصدد الإنسان الفارغ الضعيف، وليس الإنسان القوي الأعلى، بتعبير نيتشه. القوي بحنكته وخبرته التفاعلية مع مخاطر واقع الحياة.
لهذا، فأن تخرج من البيت وتمشي بحذر شديد، وأنت تتوقع مواجهة الخطر في طريقك، هو أصل لذة الحياة. هو رهان أن تعرف من أنت. إنها وجهة نظر الفيلسوف العظيم نيتشه في الحياة. يمكننا أن نختلف معها. لكن، يبدو أنها تحيل على جانب مهم مما يحدث اليوم في العالم، الذي هو في أمس الحاجة إلى جرعة المناعة الفكرية و الجسدية معا. تلك التي لا تكتسب إلا في شروط الإحساس بلهيب الخطر. يعني توقع الحروب بمختلف أنماطها، والكوارث الطبيعية، والمحن النفسية والجسدية، لأن فيروس كورونا المتربص بنا راهنا، لا يعدو ان يكون واحدا من العديد من المخاطر التي تهدد حاضر الحياة البشرية، حياة بقاء الأفراد والجاماعات والمجتمعات والدول، على حد سواء. لكن، خطر فقدان الحياة كان واردا دائما وأبدا، قديما بالحروب والكوارث الطبيعية، وحديثا بنفس الأسباب وغيرها من الأسباب السياسية و الرمزية والبيولوجية المدبرة. فقط، الأولى كانت تخطف الحياة بسرعة، ودون سابق إنذار و توقع من الضحية. أما اليوم، فقد يعيش المرء في الحياة وهو ميت. لهذا، عارض نيتشه المفهوم التقليدي للحياة في عصره الحديث ( ق19 )، باعتبارها ركزت على الآلة وأهملت الإنسان، كحامل للقيم التي هي رهان كل تقدم وتطور وسعادة المجتمعات وبقاء الحضارات. ومال إلى استحسان الحياة التي تعتمد على قوة العقل والجسد معا، كحياة الأغارقة في العصر اليوناني القديم (قبل الميلاد).
من هنا نقول أن محنة كورونا بمثابة الشر الذي أريدت به لنا الطبيعة والتاريخ خير.. رسالة لمن يهمهم الأمر.. لمن يتدبر جوهر الوقائع و يفكر في عمق الحقائق.. رسالة بليغة للعالم البشري الذي يدعي التحضر والتحديث، وخاصة منهم لمن يدبرون شؤون شعوبهم السياسية، ويتحملون مسؤولية حياة الأرض وبقاءها. فالاقتصاد.. و السياسة.. ليست كل شيء، بل هناك الإنسان، كعقل سليم، وجسد كصحة سليمة. وإذا ضعفت أجساد الشعوب واضمحلت عقولها، بسبب سوء التدبير وجشع المدبرين والفاسدين، سهل إسقاط الانظمة، وانهيار الدولة والمجتمع بكامله. إن قوة الدولة رهينة بقوة الشعب ومناعة المجتمع العلمية، وليس العكس.
لذا، فأولى بسياسات الدول في العالم عامة، ودول العالم المتخلف عن ركب التقدم العلمي، كمغربنا، أن تهتم بالإنسان و بالعلم و التعليم والمعارف، وبأجساد المواطن وصحتها، لأنها أساس بقاء السياسة و الإقتصاد معا على قيد الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو