الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفية ونظام الحكم في سوريا

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2020 / 4 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


كيف يؤثر المكوّن الطائفي المتعدد في دولة متعدة الطوائف على نظام الحكم فيها؟ لاسيما ما يتصل بالاختلافات بين الديمقراطية و النزعة الاستبدادية, وكيف تؤثر هذه الأخيرة على النزعة الطائفية؟.
سوف نبحث هنا في الأدبيات المتعلقة بالهوية لاسيما الطائفية منها, وكيف يمكن لهذه الهوية " الطائفية" أن تؤثر في تشكيل أنواع مختلفة من أنظمة الحكم. كذلك سوف نبحث في أدبيات علم الاجتماع التاريخي عندما يدور الحديث عن كيفية تأثير المؤسسات على الهوية, وتحديداً الهوية الطائفية. وانطلاقاً من هذا, سوف تبتكر هذه الدراسة إطاراً تحليلياً سيُستخدم كمرشد لفهم التفاعلات بين نظام الحكم و النزعة الطائفية في دولة مثل سوريا. و سوف نتتبع مثل هذه التفاعلات زمنياً, لنبيّن كيف اختلفت السمات البارزة للطائفية بشكل حاد في ظل أشكال الحكم المختلفة, وبهذا ستعمل هذا الدراسة على تفحص :
أ) مسؤولية ودور البنية الطائفية من عدمه في فشل التجربة الديمقراطية في سوريا قبل وصول البعث إلى السلطة
ب) كيف ولّدت و احتوت النزعة السلطوية الشعبية البعثية الطائفية مقابل تحفيز السلطوية ما بعد الشعبية للنزعة الطائفية و بالتالي زعزعة استقرار الدولة.
ج) كيف ساهمت النزعة الأداتية للطائفية بتشكيل و صياغة الحرب الأهلية و كيف استفادت منها, ثم, كيف عرقلت هذه النزعة التحول الديمقراطي و الثورة الجماهيرية وولّدت المزيد من الحكم الطائفي الحصري في جميع مناطق سورية كافة, سواء الواقعة تحت سيطرة النظام أو سيطرة المعارضة.
المقدمة
ما هي العلاقة بين الطائفية و أنظمة الحكم في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا (MENA) ؟.
هل يمكن أن يعزى ظهور الموجة الطائفية إثر الانتفاضات العربية إلى النتائج المهيمنة التي أعقبت تلك الانتفاضات, أي انحدار دول الانتفاضات إلى مستوى الدول الفاشلة و ظهور أشكال استبداد جديدة أكثر قسوة بدلاً من الانتقال إلى الديمقراطية.؟
هل يمكن للطائفية أن تكون عائقاً أمام التحول الديمقراطي و تمكين النزعة السلطوية وأن تساهم- في أقصى حالاتها- في فشل الدولة؟
تُعرّف الطائفية بأنها التماهي مع مجتمع ديني يركز بشدة على تعيين الحدود مع " الآخر", لاسيما عندما يتم تسييسها, أو-أكثر من ذلك- عندما تنطوي على ادعاءات احتكار الحقيقة الدينية.
يدل أسلوب الحكم على استراتيجيات النخب الحاكمة و مؤسسات الدولة التي يمارسون الحكم من خلالها, كما يدل أيضاً على الحالة التي نعرفها بفشل أشكال الحكم من خارج [ مؤسسات] الدولة.
ما الذي يجعل من النزعة الطائفية معضلة لأسلوب الحكم؟
يناقش دانكوورت روستوف (1970) دور الهوية الوطنية المشتركة داخل الدولة في تسهيل أسلوب الحكم واعتماد الديمقراطية, على وجه الخصوص, على هذه الهوية للحفاظ على التنافس حول القضايا الأقل أهمية. ويبدو-من ناحية أخرى- أن الطائفية مرتبطة بتضامن قوي من نوع خاص داخل جماعة الدولة الفرعية والعداء المحتمل تجاه" الآخر", وبالتالي قد تكون منقسمة من الناحية السياسية و تخضع لسلوك نظام الحكم و ممارساته الإقصائية. غير أن دور الطائفية, كما يزعم بيتر سلغليت Peter Sluglett (2016:44–45) يختلف اختلافاً كبيراً في سياقات مختلفة, وفي منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا, وبعيداً عن التأثير الموحد على السياسة, فقد تعايشت الطائفية مع مجموعة متنوعة من سيناريوهات أنظمة الحكم. وسوف تكشف هذه الدراسة منهجياً الاختلاف في تأثير التنوع في أشكال الطائفية على أنظمة الحكم وعن التأثير المتغير للاختلافات في أنظمة الحكم على الطائفية, مما يوفر خطوة أساسية لمزيد من البحث.
إشكالية البحث: نحو فهم الرابط بين الطائفية و نظام الحكم
إن نقطة الانطلاق لدراسة العلاقات المتبادلة بين الطائفية و نظام الحكم هي النظر إلى الأدلة المتحصل عليها من الدراسات الإحصائية الواسعة N statistical studies [ سواء المتعلقة بالسكان أم بحجم العينات] وفي حين لا يوجد ثمة ما يشير إلى الطائفية فإن هناك الكثير من الإشارات حول عدم تجانس الهوية و تأثيرها بشكل خاص على الديمقراطية. وهكذا وجد مسح غرينغ و آخرون Gerring et al.’s (2016) من خلال 20 دراسة حول الهوية- على وجه التحديد التنوع الإثني اللغوي- علاقة سلبية إلى حد ما مع الديمقراطية. لكن ما هو أكثر صلةً هنا يتعلق بدراسة النوع الديني, باعتباره الرادع الأكبر للديمقراطية, كما يرى العديد من الباحثين, وذلك لعدة أسباب:
أولا: يمكن الوصول إلى تسويات ممكنة بخصوص المزاعم المتنافسة للجماعات الإثنية ( الحكم الذاتي, المشاركة في الثروات.. وما إلى ذلك) بسهولة أكثر مما عليه الحال فيما يتعلق بالمبادئ الدينية الإلهية المقررة والمتعارضة فيما بينها(Brubaker 2015), بقدر ما تستعرض الجماعات الدينية مثل هذه المزاعم على المستوى الشعبي. وثانياً, عندما ترعى الدولة, في المجتمعات المتعددة الأديان, ديناً واحداً فهي تستبعد تلقائياً الأديان الأخرى, الأمر الذي قد يتطلب قمعاً استبدادياً. ومن خلال ثمان دراسات إحصائية لتأثير التنوع الديني على الديمقراطية التي شملها استطلاع غرينغ و زملائه أظهرت حالة واحدة فقط نتائج سلبية و حالة واحدة أخرى نتائجاً إيجابيةً, في حين لم يكن لبقية النتائج تأثير على الديمقراطية, علماً أن دراسة المؤلفين الخاصة أظهرت أن النتائج تقلل من فرص التحول الديمقراطي بنسبة 8,4% فقط.
يمكن القول إذن أن هذه الصورة غير الحاسمة هي نتاج صنعي للمساهمات الإحصائية البسيطة التي لا تتحكم في المتغيرات المتداخلة بين الطائفية و نظام الحكم, مثل مستويات التحديث أو الفاعلية السياسية التي قد تغيّر العلاقة. كما تحجب الدراسات جملة التنوعات في المتغيرات الرئيسية, على سبيل المثال, أشكال الطائفية المختلفة التي قد تؤثر على نظام الحكم, وكذلك الاختلافات في نظام الحكم, أي الاختلافات في أنواع النظم الديمقراطية و الاستبدادية التي قد تعنى بكيفية تأثير نظام الحكم على النزعة الطائفية.
وللمتابعة بهذا الشأن تبدأ الدراسة بإلقاء نظرة على الأدبيات المتعلقة بسياسات الهوية التي تستكشف الطائفية وتأثيرها على نظام الحكم وربط هذه الأدبيات بأدبيات الاجتماع التاريخي وفقاً لأبحاث ماكس ويبر, التي تساعد في استكشاف تأثير نظام الحكم على الطائفية, في عملية تفريغ المتغيرات الرئيسية وتحديد التدخل فيها. ومن هنا يتم اشتقاق إطار التحليل الذي يحدد العوامل الرئيسية ذات الصلة وعلاقتها المحتملة. وتُستخدم الحالة السورية بعد ذلك لتوضيح كيف سيساعدنا هذا الإطار على استكشاف العلاقات المعقدة بين المتغيرات وكيف اجتمعت في مكوّنات عرضية ملموسة مختلفة في سوريا(2).
تعتبر سوريا حالة اختبار قيّمة, بسبب الاختلافات الحادة بين الباحثين حول أهمية النزعة الطائفية في رسم سياستها(3), ولأنها شهدت أيضاً اختلافاتٍ كبيرة حول الطائفية ونظام الحكم على حد سواء. وهذا الأخير يسمح باستكشاف مقارن لدور الطائفية في ثلاث سياقات مختلفة تماماً: واقعة فشل التحول الديمقراطي, حيث تلعب الطائفية فيه دوراً ضئيلاً للغاية, ثم فترة استبدادية لعبت فيها الطائفية دوراً نوعاً ما, وأخيراً, فشلٌ جديدٌ للديمقراطية أدى إلى حربٍ أهليةٍ لعبت فيها الطائفية دوراً بارزاً. وفي حين أن دراسة حالة واحدة لا تسمح لنا باختبار بعض الأسئلة الرئيسية (مثل ما إذا كانت التوزيعات المختلفة للمجموعات الطائفية تحدد إمكانات نظام الحكم), فإن دراسة شاملة لبلد واحد تسمح لنا على الأقل باستكشاف تفسيرات سببية بديلة لتغيير النهوض الطائفي وعلاقته بالزمن في حال كان "مميزاً" للسجال حول الطائفية .
هل تؤكد الأدلة على مقاربة أصحاب المنهج " البدائي القديم primordialists " الذين يشددون على العوامل الاجتماعية الموروثة, أو يدعمون بدلاً من ذلك تفسيرات أصحاب النزعة " الأداتية" التي تؤكد على الفاعلية السياسية؟[ المقاربة البدائية القديمة مقولة تزعم أن الأمم عبارة عن ظواهر طبيعية قديمة. ويمكن أن تعزى هذه التأملات فلسفياً إلى أفكار الرومانسية الألمانية، لا سيما ما تضمنته بعض أعمال يوهان غوتليب فيخته ويوهان غوتفريد هيردر- المترجم]. يلخص ختام هذه الدراسة النتائج الخاصة بسوريا في سياق هذه المقاربات المتنافسة لسياسات الهوية(Varshney 2009)
مسارات الهوية و النظام: كيف تؤثر الطائفية على نظام الحكم؟
تؤثر الطائفية على نظام الحكم, ليس بحد ذاتها, بل باقترانها بعوامل أخرى تشكل مجتمعةً نمط هوية المجتمع. هذه العوامل ( المتغيرات) تمت مناقشتها أدناه. ومن الضروري, أولا, تفكيك الطائفية و تمييز أشكالها.
حدّة وأشكال الطائفية: لا تعاني المجتمعات متعددة الطواف من مستويات موحدة من العداء بين الطوائف و الواقع أن الوئام لا يعدّ أمر غير شائع. ويمكن تفسير هذه الاختلافات جزئياً بسبب الاختلاف في شكل الطائفية البعيد عن كونه ظاهرة موحدة الشكل. ووفقاً لفنار حدّاد ( 25: 2011) يمكن اعتبار الطائفية ضمن مسار حدّتها أو قوتها أنها تتدرج من - قوة " عادية" إلى " أداتية" إلى " محاربة"- و يتوقع أن يكون لهذه الدرجات تأثيرات متفاوتة على الوئام - العداوة و بالتالي على نظام الحكم. فالطائفية العادية أو المبتذلة, هي امتداد لحالة الفرد غير المسيّس إلى حد ما, رغم أنه ولد و نشأ في طائفة لكنه منسجم مع علاقات التعايش الطائفي والتبني المصاحب لهوية دولة أوسع أو إيديولوجية سياسية, بينما تعدّ الطائفية الأداتية مسيّسة, وهي أسلوب عم تتنافس فيه الجماعة الطائفية مع غيرها على السلطة أو الثروات, لكنها- في ذات الوقت- غير معنية بالمذاهب الدينية المتصارعة. ويمكن للمقاولين السياسيين استقطاب الطوائف بهدف التنافس الاعتيادي السلمي على الثروات, كما هو الحال في نموذج الديمقراطية التوافقية (مثل لبنان), بيد أنه يمكن أيضاً للنخب الاستبدادية التلاعب بالهويات الطائفية ( من فوق) لاستقطاب تابعين لها و- أو تقسيم وحكم السكان ذوي الهويات المتنوعة. أما الطائفية المحاربة فهي, وفقاً لتفسير روجرز بروبكر(2015), ليست مسيّسة للغاية فحسب. بل " أصولية" أيضاً- معنية بالنقاء العقائدي و السلوكي وهي تصرّ على احتكار الحقيقة الدينية, وتشجب من لا يقبلون هذه الحقيقة وتراهم كفّاراً ( الذين يُعرفهم مناوئيهم باسم التكفيريين), وغالباً ما يكون أصحاب الطائفية المحاربة على استعداد لاستخدام العنف ضد " المرتدين" . ونلحظ مزايدة في مستوى العداء داخل أبناء هذه الطائفة تجاه الطوائف الأخرى, والتزام مفرط من قبل النشطاء بالقضية ( مثل تبني الشهادة), والاستقطاب العابر للقومية عبر حدود الدولة.
وتعدُّ هذه الفروق أنماطاً مثاليةً قد تتعايش سماتها و تتداخل في مواقف محددة. وهكذا يمكن أن تتحول الطائفية الأداتية إلى العنف, بينما يمكن أن تصبح الطائفية المحاربة وسيلة أداتية في عملية التنافس على السلطة.
يعدُّ توزيع حدّة الأشكال الطائفية هذا أمرٌ هامٌ في المجتمع عندما يتعلق الأمر ببروز النزعة الطائفية, وعلى سبيل المثال, كلما هيمنت الطائفية العادية [ في المجتمع] كلما كانت الطائفية أقل بروزاً. وإذا ما اقتصرت الطائفية المحاربة على الجماعات الهامشية, فسوق يؤدي هذا إلى تدنى مستوى بروزها, وإذا ما انتشرت النزعة الطائفية الأداتية على نطاق واسع, فقد تمتاز بنهوض متوسط في أحسن الأحوال, في حين أن هيمنة الطائفية المحاربة سيجعل من درجة نهوضها الطائفي في أعلى مستوياته.
الطائفية ضمن نمط هوية المجتمعات: من المحتمل أيضاً أن يؤثر عدد من العوامل الأخرى على بروز الطائفية في نمط هوية البلد:
أولاً), يتأثر مستوى الطائفية بدرجة الاستقطاب بين الطوائف, و التي قد ترتبط بدورها بتوزيع الجماعات الطائفية في المجتمع. كما وجدت ميركل وويفن(2012), فالاستقطاب بين الهويات يحدد مستويات الصراع بين الطوائف(4). ويكون هذا الاستقطاب أكثر احتمالاً عندما تكون مجموعتان أو ثلاث مجموعات كبيرة متوازنة من حيث الحجم بوجود وعي مجتمعي عالي و مستويات استقطاب أكثر مما هو الحال في مجتمعات منقسمة إلى مجموعات صغيرة عديدة أو بأغلبية كبيرة و عدة أقليات أصغر. وكلما زاد الاستقطاب كلما كانت الطائفية أكثر بروزاً.
ثانياً), يتأثر نمط الهوية بالقوة النسبية للهويات الأخرى التي تتنافس مع الطائفية. وفي منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا, تشمل هذه الهويات الفرعية ( القبيلة و المنطقة و الطبقة) , الهويات فوق الدولة ( العروبة[ بمعنى الأمة العربية] و الإسلام [ بمعنى الأمة الإسلامية]), و الدولة الوطنية( الوحدة الترابية الإقليمية للدولة). وتمتلك كل من الهوية الوطنية المرتبطة بالإقليم و الهوية القومية الإثنية إمكانات خاصة لإدراج الطائفية ضمن هوية أوسع. وتعدُّ الهوية الوطنية المرتبطة بإقليم الدولة (خاصة إذا كانت مدنية) هوية شمولية, و بالتالي يمكنها أن تستوعب هويات أخرى, وعلى الرغم من ضعفها النسبي في المنطقة(Scarritt 2005), فإن دول قليلة ذات جذور تاريخية طويلة و حدود إقليمية ثابتة ( مثل مصر و تونس) يتوفر لديها إمكانات أكبر لتعزيزها أكثر من الدول ذات الحدود الاعتباطية التي فرضت عليها من الخارج, كما هو الحال في دول بلاد الشام. وفي غضون ذلك, يمكن أن تكون الهوية-ات القومية الإثنية أساس التكامل الوطني لأن هذه المنطقة, لاسيما العالم العربي متجانسة نسبياً من الناحية اللغوية -84% من هذه الدول لديها هوية إثنية لغوية مهيمنة: عربية أو تركية أو إيرانية.
ثالثاً), قد يعمل التحديث على تغيير توازن الهويات, و بالتالي من المحتمل أن يسمح الاستقطاب الاجتماعي ( مثل انتشار التعليم الحديث) بالتوسع نحو بناء هويات وطنية أكثر شمولاً تتوافق مع الدولة(Deutsch 1961), ويمكن للطائفية العادية على وجه الخصوص أن تندرج ضمن هذه الولاءات الأوسع. علاوة على ذلك, ترفع الزيادة النموذجية في عدم المساواة الطبقية خلال المرحلة الأولى من التطور الرأسمالي من الوعي الطبقي. وهكذا فقد تحجب الطبقة الخلافات الطائفية كأساس مهيمن نظراً لأن الطبقة الوسطى الجديدة و الطبقة العاملة تصبحان مسيّستين. فعلى سبيل المثال ,خلال ثورة 1958 العراقية, تم الجمع بين الطبقات الدنيا و الوسطى السنية و الشيعية في صراع طبقي مشترك ضد الأوليغاركية الحاكمة, ولكن في الوقت ذاته, نظراً لأن التحديث يزيد من التنافس بين الجماعات على الثروات, فقد انتظم الوصول إلى موارد الدولة عن طريق الواسطة- أي الروابط الشخصية- استناداً إلى التابعين الطائفيين, وهذا ما قد يتسبب في التحول من الطائفية العادية إلى الطائفية الأداتية.
نظراً لأن كلا الاتجاهين قد يعملان في وقت واحد, فسوف تظهر النتائج من خلال العلاقة المتبادلة بين التصدع الأفقي( الطبقي) و العمودي( الطائفي), كما أظهرت مجموعة من الأدبيات الهامة, و بالتالي , إذا تداخلت التصدعات أو الانقسامات الطبقية و الطائفية و عززت كل منهما الأخرى( في أنقى صورها عندما تتداخل مجموعة طائفية تشكل الطبقة العليا و أخرى تشكل الطبقة الدنيا) فمن المحتمل أن ينتج عن ذلك صراع استقطابي. وعموماً, يحدث كتم للصراع عندما تتقاطع الانقسامات الطبقية و الطائفية مع بعضها البعض و تضعفها, وهو ما يسمح, بدلاً من ذلك, بتسهيل مرور هويات وطنية شاملة أكثر(Grove 1987 Gubler and Selway 2012) وبشكل أكثر عمومية, يمكن القول على الدوام أن هناك هويات متنافسة متعددة- و بالتأكيد كذلك في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا- و قد يحتفظ الأفراد بهويات متعددة في وقت واحد, الأمر الذي يعمل ضد التصلب في تكتلات الهوية غير التوافقية.
رابعاً(، الأهمية السياسية للتبعية بالوكالة , حيث لا تحدد البنية الاجتماعية النتائج مسبقاً، خاصة وأن تعدد الهويات ومرونتها يتيحان مجالًا كبيراً للمقاولين السياسيين للتوظيف الأداتي الهويات، فيتم تسييس بعضهما و تهميش بعضها الآخر لحشد الدعم في صراعات السلطة. قد يذهب هؤلاء المقاولون إلى أبعد من ذلك وينخرطون في التطييف, فيتم النظر إلى هوية الفرد باعتبارها تخضع لتهديد وجودي من قبل "الآخر" (Malmvig 2015). وسواء اختار الوكلاء العمل على الاستغلال الأداتي للهويات الوطنية الشاملة أو الهوية الطائفية الحصري, فإن هذا سيعتمد على عوامل مثل حجم ساحة الصراع و حدّته بهدف الوصول إلى السلطة, حيث توفر الطائفة رابطاً جاهزاً يمكن بسهولة استخدامه في الأزمات, نظراً لأن النزعة الطائفية توفر تسهيلات معينة لصالح العلاقات الشخصية ضمن فضاءات المجموعات الصغيرة والهويات الأكثر شمولاً التي حظيت بها في المجال العام الأوسع.
ولكن, ما هي الهويات المحددة التي تشجعها المعايير الجهوية السائدة في ذلك الوقت والتي ستشكل أيضاً حسابات المقاولين السياسيين[ بالمعنى الرياضي]؟ (انظر أدناه).
خامساً)،تنشط الوكالة بالتبعية عند مستوى الصراعات الجيوسياسية الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يمكن للهويات والأعراف التي تستخدمها الدول المتنافسة أن تؤثر بقوة على الهوية "المحلية" لدول المنطقة شديدة الاختراق. فالهويات العابرة للدول التي أُنشئ جزء كبير منها على أيدي القوى الإقليمية المتنافسة، وضعت معايير إقليمية مختلفة تماماً. وهكذا قامت مصر بتحمل أعباء تعزيز العروبة فيها في خمسينات وستينات القرن الماضي, على حساب نزع شرعية استخدام الهويات الانقسامية "التقليدية" التي باتت أقل أهميةً و بروزاً مثل الهويات الطائفية والقبلية.
وبرغم تصدير إيران لعموم الإسلام الثوري في الثمانينيات، وبرغم كونه على عداء صريح للطائفية، إلا أنه أدخل بعداً دينياً في الهوية الإقليمية مما مهد الطريق أمام بروز النزعة الطائفية, وما يؤشر على ذلك- لاحقاً- الدور الحاسم الذي لعبه استغلال العداء السني - الشيعي, من قبل قوتين شرعيتين دينيتين - المملكة العربية السعودية وإيران - في الفترة التي أعقبت الانتفاضات العربية، حيث ساهمت عدة عوامل بنيوية في تحفيز هذا التنافس بين تلك الشرعيتين، لا سيما عبر فتح ساحات جديدة من التنافس في الدول الفاشلة (Gause 2014).
وباختصار، نمط الهوية في المجتمع هو مزيج مركب من سلطة الهويات الأوسع , كالقومية, ومن البنية الاجتماعية في هذا المجتمع , حيث تستوعب سلطة الهويات الطائفية و تدمجها في هياكلها, في حين تعبّر البنية الاجتماعية عن توزيع الجماعات الطائفية داخل المجتمع وتقاطعاتها، لا سيما التقاطعات الطبقية.
وسوف تكون مثل هذه العوامل عرضة للتغيير عن طريق التحديث ودرجة تأثير تبعية المقاولين السياسيين المحلين و الإقليميين على توزيع أشكال (شدّة) الطائفية. وسوف يشكل هؤلاء المقاولين معاً بروزاً للنزعة الطائفية في نمط الهوية العامة للمجتمع، وبالتالي يقع المقاول السياسي الإقليمي ضمن سلسة متصلة أكثر شمولية وعالمية ليصل به الحال إلى ما هو أكثر استبعاداً و خصوصيةً: فكلما كانت الطائفية أكثر بروزاً، كلما قل احتمال بروزها كهوية للمجتمع في النهاية الشمولية لتلك السلسلة المتصلة، وما سوف يترافق ذلك من عواقب جسيمة على منظومة الحكم، كما هو موضح أدناه.
عواقل أنماط الهوية لدى أنظمة الحكم
لا يمكن القول أن الطائفية لها تأثير موحد على الحكم. ولو تحدثنا عن بلاد الشام , سنجد أن المجتمعات متعددة الطوائف هناك تعايشت مع أنواع مختلفة من الاستبداد (الشعبوية وما بعد الشعبوية) والديمقراطية (التوافقية و الأغلبية)، بالإضافة إلى وقائع فشل الدولة. ومع ذلك، فإن موقع أنماط الهوية ضمن سلسلة الاستمرارية الخاصة / الاستبعادية مقابل الاستمرارية الشمولية / الاحتوائية قد يجعل أي نمط معين من الحكم أكثر أو أقل احتمالية. و هنا لا يمكن توضيح هذه النقطة إلا بإيجاز من خلال الإشارة إلى بعض الإمكانيات التاريخية أو النظرية التمثيلية.
بدءً من حجة روستو التي ترى بأن الهويات الشاملة تعمل على توفير البيئة المناسبة لظهور المؤسسات الشمولية (الديمقراطية)، ويمكننا, عندئذٍ, أن نتخيل استمرارية هذه المؤسسات. من ناحية، من المرجح أن تقوم الهويات الأكثر شمولاً مثل القومية المدنية القائمة على الأراضي بتمهيد الطريق لظهور الديمقراطية بالأغلبية (مع افتراض أن تظل الطائفية عادية، وبالتالي لا يتم تثبيت الأغلبيات- الأقليات السياسية من خلال التوزيع الديموغرافي للمجموعات الطائفية). وبين هذا وذاك, يمكن للقومية الإثنية العربية العلمانية، في العديد من الدول العربية ذات الأغلبية الكبيرة الناطقة بالعربية، أن تدمج الأقليات الطائفية (وإن لم تكن إثنية) وبالتالي تسهّل عملية الديمقراطية بالأغلبية. ولكن، ترتبط القومية العربية تاريخياً, من الناحية العملية، بأشكال استبدادية (أي الأشكال الأكثر شموليةً)، حيث اعتمدت استراتيجيات استيعابية تجاه الأقليات يتم من خلالها تعزيز اللغة العربية المشتركة كأساس للمجتمع، وإدماج الهويات الطائفية للدولة الفرعية. وتظهر الطائفية الأداتية نتائج مختلفة إلى حد ما ضمن هذه الاستمرارية أيضاً. كما يمكن, من ناحية أخرى, أن تؤدي إلى ديموقراطيات توافقية ( ضرورية ،ربما، عندما تكون جماعات الهوية المستقطبة متوازنة من حيث عدد السكان والاستقطاب، كما هو الحال في لبنان)، بينما هي, من ناحية أخرى، مرتبطة تاريخياً بالاستراتيجيات الأكثر استبعادا التي تتباها الأنظمة الاستبدادية, أي استراتيجيات " فرق تسد" ( انظر بهذا الشأن Freer 2019 ).
وعند الحد النهائي الاستبعادي من استمرارية الهوية، من المرجح أن تؤدي الطائفية المحاربة - إذا كانت واسعة الانتشار- إلى نزاع عنيف ( مترافق مع صراع ديني وفقاً لـ "توفت " 2007, كونه أكثر تدميراً و استمرارية من الأشكال الأخرى للصراع على الهوية), مما قد يؤدي إلى الحرب الأهلية وفشل الدولة، أو الدولة الشمولية (كما هو الحال مع "الدولة الإسلامية").
تأثير نظام الحكم على النزعة الطائفية
السؤال الثاني من هذا البحث يتمحور حول كيفية تأثير نظام الحكم على الطائفية, فأولاً تم توضيح الاختلافات الرئيسية لأنظمة الحكم في أدبيات علم الاجتماع التاريخي( مع ملاحظة عواقبها على الهوية), ثم النظر في تأثير الاختلافات في الطائفية في الشكل الوراثي للحكم الذي يهيمن على منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا. و أخيراً يتم تفحص تأثير الدولة الفاشلة على الطائفية.
بالنسبة للمقاربات المؤسسية للطائفية(Varshney 2009:289–91), يمكن للمؤسسات السياسية اعتماداً على تصميمها أن تقوم بإعادة إنتاج الطائفية أو تخفيفها, وتختلف قدرة المؤسسات وفقاً لتركز السلطة و شموليتها حسب توصيفات ماكس ويبر. وكلما أصبح المجتمع أكثر استقطاباً من الناحية الاجتماعية و السياسية, كلما كان ينبغي لقدرة الدولة أن تتطابق بشكل أكبر للحفاظ على الاستقرار(Huntington 1968). وتكون الدول القوية-عالية في كلا البعدين- أكثر قدرة على تنظيم المنافسة الجماعية( أي الطائفية) بشكل سلمي, بينما يزداد الصراع الطائفي في الدول الضعيفة, سواء كانت منخفضة من حيث تركز السلطة أو الشمولية.
تفتح الحالة القصوى - فشل الدولة- الباب لأشكال الصراع العنيفة ( انظر في هذا الخصوص, Fearon 2006 Rørbæk 2019. Scarritt 2005 ) قد تكون الاختلافات الرئيسية في نوع النظام أقل أهمية بالنسبة لأبعاد قوة الدولة مما هو متوقع , فعلى سبيل المثال, فيما يتعلق بالشمول, تم تصميم الديمقراطية ظاهرياً لزيادة الاندماج إلى أقصى حد, ولكن في المجتمعات غير المتكافئة و المنقسمة بشدة, قد تقتصر عملياً على الطبقات المميزة أو المجموعات المجتمعية المهيمنة. وعلى العكس من ذلك, فإن الأنظمة الاستبدادية ليست مستبعدة تماماً لأنها عادة ما تشمل بعض الفئات الاجتماعية من أجل استبعاد الآخرين, و إن كان ذلك بطرق مختلفة. على سبيل المثال, تسعى الأشكال الثورية أو الشعبوية التسلطية إلى استقطاب تحالفات واسعة النطاق ضد الطغمة الأوليغاركية القديمة, في حين تسعى الأشكال ما بعد الشعبوية لاحتواء الطبقات العليا المميزة من أجل استبعاد الطبقات الدنيا (Hinnebusch 2010).
علاوة على ذلك، يمكن القول أن بعض ممارسات بناء السلطة المشتركة - أي ممارسات "الوصاية الجديدة"-, في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا- تتقاطع مع نوع النظام، وبالتالي يمكن القول أن ما هو أكثر أهمية هنا يتمثل في الاختلافات داخل الوصاية الجديدة (5).
بناء النظام الوراثي الجديد وتنوعاته: يعرّف نظام" التوريث الجديد" كمزيج من سلطة التوريث والبيروقراطية. وتنبع السلطة الشخصية من تمكين من هم أشد ولاءً ووثوقاً من قبل الحاكم، وهم في كثير من الأحيان أفراد ينتمون لعائلته و طائفته في المجتمعات متعددة الطوائف. ويعد نظام التوريث الجديد هذا الاستراتيجية الرئيسية لبناء الأنظمة في منطقة الشرق الوسط و شمال فريقيا - كما وضحها ويبر وتلاميذه، بناءً على ابن خلدون (الذي ينظر له كمؤسس علم الاجتماع التاريخي؛ راجع Soyer and Gilbert 2012)-ولاشك أن هذا " التوريث الجديد" يمكنه الاستفادة من التضامن الطائفي.
يعمل التضامن المجتمعي ( العصبية) على تشكيل جوهر النخبة لشغل أهم المناصب ( الأمنية) القيادية في الدولة, و تتجه السلطة البيروقراطية التي تعتمد على مؤسسات الدولة- الإدارة المدينة و الجيش المحترف و لسلطة التشريعية و النظام الحزبي لأن تكون أكثر شمولاً نظراً لأن الانضواء في صفوف هذه المؤسسات يتم على أساس الأحقية و الجدارة و الأحزاب المنخرطة في الأنشطة و أعضاء البرلمان المنتخبين.
يختلف نظام التوريث الجديد في التوازن النسبي بين السلطة الوراثية والسلطة البيروقراطية في أي نظام معين: وكلما كان النظام أكثر وصايةً و توريثاً, كلما زاد احتمال استخدام النخب الطائفية (وهويات الدولة الفرعية الأخرى) على حساب العقلانية البيروقراطية والشمولية- بما في ذلك عن طريق الانضواء الطائفي للتجنيد في الجيش وقوات الأمن، وتشجيع الصراع بين الطوائف على مبدأ فرق تسد، والظهور كحامي أو بطل لطائفة ضد أخرى. إذا كانت الدولة تتحكم في نسبة كبيرة من الثروات التي يتم الوصول إليها عبر شبكات التابعين لها، فقد يتم استخدام الطائفية كأداة للواسطة (أو ترتيب المحاباة) أو حتى كعصبية لربط الجماعات التي تسعى إلى احتكار السلطة، كما هو الحال في السيناريو الخلدوني الكلاسيكي. تعمل هذه الممارسات على تعزيز الوعي الطائفي وتضخيم المؤسسات اللازمة لدمج تحالفات ضرورية بين الفئات والطوائف إذا ما أرادت الأنظمة أن تكون شاملة. وإذا تم تطوير جانبها البيروقراطي / المؤسسي بشكل كافٍ، فقد تنشر أنظمة التوريث الجديدة استراتيجيات أكثر شمولاً للتعامل مع التنوع المجتمعي.
قد تأخذ الاستراتيجيات الأكثر شمولية شكل الحساب الإثني- بمعناه الرياضي- في تعاملها مع التنوع الطائفي، فيمنح هذا الشكل حصة " كوتا" من الوظائف والمحسوبية تُعطي لكل مجموعة (أي طائفة) حصة من النظام. لكن الأنظمة قد تتبع أيضاً استراتيجيات "استيعابية" تهدف إلى دمج الأقليات في هوية مهيمنة، وغالباً ما يتم هذا عبر سياسة الحزب الواحد الحاكم. من ناحية أخرى, تختلف أيضاً شمولية الأنظمة الوراثية الجديدة وفقاً لاستراتيجياتها الاقتصادية، بين استراتيجيات مبنية على "عقد اجتماعي" شعبوي يتم فيه تبادل الولاء السياسي لشرائح اجتماعية واسعة للحصول على استحقاقات بغض النظر عن الخلفية المجتمعية، واستراتيجيات أخرى ما بعد شعبوية تعتمد على تركيز موارد المحسوبية في أيدي الرأسماليين المحسوبين المرتبطين بالنظام مع استبعاد الطبقات الدنيا. وقد وجد Masaaki Higashijima (2012) في مثل هذه الحالات, ميل الفوائد بين الجماعات الطائفية للانحراف و التشويه بصورة حادة بما يقود إلى تعزيز الانقسامات الطائفية والطبقية. فتضعف المؤسسات الشمولية، ويزداد الجانب القمعي والتوريثي للنظام.
وهكذا، يمكن للطائفية أن تكون عقبة وذخيرة في خلق السلطة في المجتمعات متعددة الطوائف. و يتطلب ذلك, في أنظمة التوريث الجديدة, آلية توازن سليمة لعملية التوريث – بما في ذلك تحويل الطائفة إلى أداة لتوليد تضامن النخبة حول القادة - إلى جانب الإدماج البيروقراطي والاقتصادي للتحالفات العابرة الطوائف. غير أن هذا التوازن الدقيق يمكن أن يضطرب بسهولة، مما يؤدي إلى تدني السرديات الشمولية لنظام التوريث الجديد، وربما يفتح الباب لعدم الاستقرار مما يخلق إمكانية التمرد الطائفي.
الحرب الأهلية والدولة الفاشلة والطائفية: ماذا يحدث للطائفية عندما تفشل الدول في المجتمعات متعددة الطوائف؟ نظراً لتراجع القدرة المؤسسية والشاملة للأنظمة الاستبدادية العربية التي أصبح العديد منها أكثر عرضة للانتفاضات التي اجتاحت المنطقة بعد العام 2010، فقد صارت النزعة الطائفية أكثر حدًّة وبروزاً, بسبب أن صراعات السلطة الوجودية التي تم إطلاقها حفزت النخب الحاكمة وخصومهم في المجتمعات متعددة الطوائف على استغلال النزعة الطائفية ضد بعضهم البعض: من خلال القيام بذلك، حثّت النخب [ الحاكمة] على استقطاب طائفي مضاد للاستقطاب الذي قامت به المعارضة (Hashemi 2015), فكانت النتيجة في دول مثل اليمن والعراق وسوريا حرباً أهلية وفشل جزئي على الأقل للدولة, و سوف يؤدي إضعاف المؤسسات وسط هذا الفشل إلى تكثيف هويات الدولة الفرعية بما في ذلك الهويات الطائفية(Byman 2014؛ Dodge 2014)، وذلك لعدة أسباب. ففشل الدولة الذي يصفه جيداً كتاب ماري كالدور "حروب جديدة" (2005 ، 2013)، سوف ينطوي على خسارة الدولة احتكارها للعنف المشروع بما يخلف فراغاً تتنافس فيه على السلطة بين بقايا القوى العسكرية و المليشيات شبه العسكرية و الحركات العابرة للدولة، والقوى الخارجية المتناحرة.
ينهار التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، مما يؤدي إلى ما يعرف بمعضلة باري بوزن (1993) الأمنية، حيث تعمل- كل جماعة طائفية و التي تنظر إلى الجماعة الأخرى كعنصر تهديد لها على زيادة أمنها الخاص بشكل استباقي- على سبيل المثال من خلال حمل السلاح والتطهير المجتمعي- بطريقة تجعل جميع الأطراف أقل أماناً. وقد ينتج عن ذلك "نكوصاً" نحو هويات الدولة الفرعية، كما يلاحظ ويليام زارتمان (1995: 1): فاستناداً إلى السياق البنيوي الاجتماعي و أفعال المقاولين السياسيين, قد يقوم العديد من الأشخاص في المجتمعات المتعددة الطوائف بنقل - استبدال ولاءاتهم من الدولة إلى جماعة طائفية مسلحة (Byman 2014), بل ثمة ما هو أكثر, حين تجادل كالدور (2013) بأن " صنع الخوف والكراهية يخلق هويات طائفية جديدة". فكلما كان الصراع أكثر عنفاً، كلما ازداد إدراك التهديد الوجودي القادم من " الآخر "، وكلما زادت احتمالية أن تتخذ هذه الهويات شكل طائفي متشدد, وبدورها, أعادت النزعة الطائفية المحاربة, في سياقها, إعادة تشكيل الأنظمة التي نجت من الانتفاضات العربية باتجاه أشكال أكثر شمولية و قصرية نحو آلية التوريث الجديد, فلا يمكن إعادة بناء التحالفات عبر الطائفية اللازمة لإنتاج أشكال شاملة من أنظمة التوريث الجديد في ظل سيطرة العنف الطائفي, وبالتالي يجب أن تعتمد الأنظمة في بقائها على القسر والعصبية الطائفية أكثر بكثير من اعتمادها على مسائل أخرى. وهذا أدى, كما يلاحظ ستيفن هايدمان (2013)، إلى ظهور سرديات استبداد جديدة "أكثر صعوبة" من سابقاتها لما قبل الانتفاضة.
وبالمثل، همّش العنف بين المعارضة صفوف المعتدلين و مكّن أكثر من توطيد سلطة الجماعات الطائفية المسلحة التي تسعى إلى إقامة أنظمة أصولية وشمولية وحتى استبدادية. ومن المتوقع أن تعزز بدورها هذه الإجراءات الطائفية أكثر فأكثر.
إطار التحليل: نحو فهم التفاعل بين الطائفية ونظام الحكم
تكشف الأدبيات المتعلقة بالطائفية و نظام الحكم مدى التعقيد الشديد للعوامل التي تفسر التفاعل بينهما, ومن الممكن, على أساس هذا العمل، تحديد العديد من مجاميع المتغيرات التي يساعد وجودها الكلي على استكشاف تأثير كل منها على الآخر:
1. نمط الهوية المديد, ويتكون هذا النمط في المجتمعات متعددة الطوائف من ثوابت نسبية مثل البنية الاجتماعية (استقطاب الجماعات الطائفية)، والبنية الطبقية (سواء كانت تتعزز أو تتقاطع مع البنية الاجتماعية)؛ ووجود (أو عدم وجود) هويات بديلة أكثر شمولاً. وفي حين قد يؤدي التحديث إلى توسيع الهويات خارج الطائفة أو توليد انقسامات طبقية تتقاطع مع الهويات الطائفية (وبالتالي تؤثر على بروز الطائفية)، فإن مثل هذه التغييرات لن تحدث إلا بشكل تدريجي على المدى الطويل.
2. التبعية بالوكالة, نظراً للأهمية المكتسبة للاستراتيجيات السياسية للمقاولين السياسيين (بمن فيهم نخب الدولة وحركات المعارضة والدول المتنافسة). ويدخل في الاعتبار الأول هنا ما إذا كان هؤلاء المقاولين يستغلون في صراعهم على السلطة النزعة الطائفية أو يسعون لإدماجها في هويات أكثر شمولاً. والاعتبار الثاني يتمثل فيما إذا كانوا قد اختاروا أو سوف يختاروا تصميم مؤسسات حكم أكثر أو أقل شمولية أو اتباع استراتيجيات هجينة مختلفة. قد يكون لمثل هذه التبعية بالوكالة للمقاولين السياسيين تأثيرات هامة قصيرة المدى على حدّة الطائفية, كما يمكن للمؤسسات أن يكون لها أيضاً تأثيراً على المدى المتوسط.
3. تأثيرات الهوية على نظام الحكم. حيث يحدد التفاعل بين العوامل البنيوية الاجتماعية والتبعية بالوكالة نهوضاً في النزعة الطائفية في المجتمع، وبالتالي نهوضاً في الشمولية المحتملة لنمط هويته. ويحدد نمط الهوية بدوره شروط الحكم. على سبيل المثال، تعدُّ النزعة الطائفية العادية, التي تقطعها الانقسامات الطبقية وتتبناها هوية وطنية أوسع, النموذج الأكثر ملاءمة للديمقراطية، في حين أن الاستقطاب بين الهويات الطائفية المحاربة سوف يزيد من احتمال نشوب حرب أهلية وظهور الدولة الفاشلة.
4. تأثيرات نظام الحكم على الهوية حيث يمكن للاختلافات في مؤسسات النظام أن تعزز أو تضعف الطائفية على المدى المتوسط؛ ويمكن للمؤسسات الهجينة مثل منظومة التوريث الجديد و الوصاية أن تقوم بكليهما في وقت واحد( تعزيز أو إضعاف النزعة الطائفية)، اعتماداً على شمولية النظام المتشكل من توازن السلطة الوراثية والبيروقراطية والتغيرات في استراتيجياته الاقتصادية (الشعبوية أو ما بعد الشعبوية). بالإضافة إلى ذلك، يشجع انعدام الأمن في الدول الضعيفة على استغلال هذه الثغرة و يفسح المجال للدولة الفاشلة وحدّة تجلّيها الأمر الذي ينعدم حدوثه في وجود مؤسسات دولة قوية توفر الأمن لاحتواء الطائفية, فنمط الهوية المحدد الذي تعززه المؤسسات سوف يتحول بدوره إلى البنية الاجتماعية والاستراتيجيات السياسية، وبالتالي يؤثر على مسارات النظام.
سوريا: دراسة حالة
تنشر دراسة الحالة هذه بشكل انتقائي الإطار أعلاه لاستكشاف إلى أي مدى يمكن للطائفية أن تفسر مسار الحكم في سوريا منذ العام 1946 ومدى تأثير شكل الحكم على الطائفية.
ونظراً لضيق المساحة، فإن كل حلقة ستوضح فقط (دون استعراض الإطار الكامل بصورة شاملة) الأدوار المختلفة التي لعبتها النزعة الطائفية في ظل ثلاثة سيناريوهات مختلفة لنظام الحكم:
1) . فشل التحول الديمقراطي في حقبة ما قبل البعث, من العام 1946 حتى العام 1963، والتي انتهت بانقلاب ثوري. وتُظهر هذه الحلقة أهمية التوزيع التاريخي - "الأساسي" - للهويات الطائفية، ولكن عندما تكون كل من البنية الاجتماعية والتبعية بالوكالة لا تزالان في طورهما العادي، فإن العوامل الأخرى بما في ذلك الهويات الأوسع سيكون لها الأثر الأكبر على مسار الحكم.
2. تظهر فترة الاستبداد البعثي من العام 1963 إلى العام 2010 أنه في حين كان استخدام الطائفة مكوناً رئيسياً في صنع النظام، فإن الشمولية المتغيرة للمؤسسات البعثية والاستراتيجيات الاقتصادية السياسية سوف تساعد على تفسير كتم الصوت ومن ثم الاحتراب الطائفي.
3. تظهر فترة ما بعد انتفاضة العام 2011 فصاعداً- باعتبارها حلقة وقائع التحول الديمقراطي الفاشل الذي انتهى بالحرب الأهلية والفشل الجزئي للدولة – أن الحرب الأهلية و الحكم الطائفي الإقصائي يمكن أن يكونا نتاجاً لاستغلال الطائفية في صراعات القوة الشديدة لإثارة الطائفية مزدوجة الاستقطاب, و مع تغير أشكال نظام الحكم خلال الفترة المعنية، فإن بروز درجات الطائفية يزداد من المستوى المنخفض إلى المتوسط إلى العالي, وهذا يشير إلى أن الاختلافات في جوانب المنظومة الحاكمة- الوكالة والمؤسسات - لها تأثير قوي على المدى القصير و المتوسط في عملية النهوض الطائفي.
فماذا تخبرنا الأدلة التاريخية في الحالة السورية عن هذه الفرضية؟
من الفشل الديمقراطي إلى الانقلاب الثوري 1946 -1963: نالت سوريا استقلالها عن فرنسا في العام 1946 وشمل ذلك المؤسسات الرسمية التي ستحتضن التجربة الديمقراطية و كذلك نمط الهوية التي برغم سعيها لتوطيد المسار الديموقراطي, إلا أنها وضعت العديد من العراقيل في طريقه, و من وجهة النظر السلبية, لم تتمتع الدولة الجديدة - التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها خلق إمبريالي مصطنع - بالولاء القوي لمواطنيها، الذين اعتنق العديد منهم إيديولوجيات فوق الدولة مثل الوحدة السورية أو الوحدة العربية. كما بقي العديد منهم مرتبطاً بطيف واسع مع جماعات الأقليات الفرعية، التي تتركز في بعض الأحيان في مناطق معينة (مثل جبال العلويين وجبل الدروز). لقد كان حكمهم الذاتي مؤسسياً إلى حد ما في ظل [ الحكم] العثماني، وشجعت سياسات الانتداب الفرنسي على النزعة الانفصالية ضمن إطار سياسة فرق تسد، بحيث تم تقسيم الأقليات عادة بين الجماعات الموالية للفرنسيين الذين يسعون إلى الانفصال والفصائل التي تفضل الاندماج في دولة مركزية عاصمتها دمشق (Farouk-Alli 2014؛ White 2007). كانت الصراعات, بعد الاستقلال، مع دمشق في المناطق العلوية والدرزية تمثل مقاومة لمركزية الدولة أكثر مها صراعات طائفية بحد ذاتها، وبحلول الخمسينات كان الجيل الجديد من أبناء الأقليات يتبنى الاندماج بدلاً من الانفصال. في الواقع، سمح انتشار التعليم الحديث في المناطق الريفية، إلى تبني كل من الأغلبية السنية والأقليات الطائفية - وهم أنفسهم منقسمون ولا يشكل أي منهم أكثر من حوالي 15٪ من السكان - هوية قومية عربية علمانية قائمة على اللغة المشتركة التي حدّت بشكل معياري من النزعة الطائفية العلنية لأفراد يحملون بذات الوقت هويات أخرى ضمّت أو تخطت الطائفية. وصاغ معظم السياسيين مواقفهم الإيديولوجية بعبارات قومية شاملة وامتنعوا عن الاستغلال الطائفي. وقد مثّل تكوين الهوية هذا-من خلال تخفيف الاستقطاب الطائفي- توافقاً، من حيث المبدأ، مع ديمقراطية الأغلبية.
طيب, لماذا, إذن, فشلت الديمقراطية؟، وما هو الدور الذي لعبته النزعة الطائفية في الوصول إلى هذه النتيجة؟
على الرغم من سيطرة الأوليغاركية التجارية على النظام البرلماني في سوريا، إلا أن الاستقطاب السياسي لأبناء الطبقة الوسطى دفع على نحو متزايد إلى انفتاح الساحة السياسية. ومكنّت الانتخابات التنافسية الحرة نسبياً في منتصف الخمسينيات من انضواء نخب حزب الطبقة الوسطى الراديكالية تحت قبة البرلمان وفي الحكومة. كما دمجت الأحزاب الراديكالية الأقليات على أساس غير طائفي, وفي الوقت الذي تم فيه استقطاب الطبقة الوسطى السنية الجديدة والفلاحين ضد الأوليغاركية التجارية التي يهيمن عليها السنة، كانت الصراعات السياسية تحدث بين التحالفات الطبقية الطائفية. وكان حزب البعث الأكثر نجاحاً من بين الأحزاب الراديكالية الأخرى لتبنيه و ترويجه لهوية عربية علمانية سمحت له بتجنيد عناصره متجاوزاً الحدود الطائفية والطبقية.
انجذبت الأقليات الطائفية التي تعود بأصولها لخلفيات قروية و فلاحية بشكل خاص إلى الفكر الاشتراكي لحزب البعث وإلى القومية العربية العلمانية التي تعتبر الأقليات بموجبها مواطنين متساوين. وبالفعل، ساهم التداخل بين الانقسامات الطائفية والطبقية، (وخاصة بين العلويين)،في جعلهم العناصر الأكثر راديكالية داخل حزب البعث، ولكن تم التعبير عن راديكاليتهم بعبارات اشتراكية وليس طائفية. وكان لهذا الاستقطاب, عموماً, دور في زعزعة استقرار المؤسسات السياسية بدل من إضفاء الصبغة الديمقراطية عليها بسبب تجاوز قدرة هذه المؤسسات على استيعاب هذا الاستقطاب.
أدت إعاقة الأوليغاركية للإصلاح الاجتماعي إلى دفع القادة الراديكاليين المحبطين إلى العمل لتجنيد عناصر لهم داخل صفوف ضباط الجيش من أبناء الطبقة المتوسطة، الذين بدأوا في الطعن في النظام القديم في سلسلة من الانقلابات المزعزعة للاستقرار. وفي نهاية المطاف، وصل حزب البعث إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري استهدف الثورة من الأعلى (Allush 1962:56–7, 132–42 Heydemann 1999 Hinnebusch 1990:49–119 Hinnebusch 2011b:15–24 Hinnebusch and Rifai 2017 Jabbour 1978:150–51, 336–38 Phillips 2015 Salamah 1969 Van Dusen 1975). وهكذا، سيكون مبدأ ديمقراطية الأغلبية هو المسار الوحيد الممكن وذلك عندما يتم تصنيف الهوية الطائفية من خلال الاستقطاب الطبقي الطائفي، شريطة أن تتمكن المؤسسات الليبرالية الموجودة من احتواء الصراع السياسي. غير أن الوضع السوري أدى بدلاً من ذلك إلى قيام حكم استبدادي شعبوي يرجع جزئياً إلى الصراع الطبقي الحاد وتسييس الجيش. وحقيقة أن المعارضة الثورية اتخذت شكلاً طبقياً وليس طائفياً، يعود في نهاية المطاف بسبب المستويات العالية من آليات استبعادها من المؤسسات الحاكمة على أساس طبقي وليس على أسس طائفية.
النظام البعثي والطائفية
هل النزعة السلطوية تقمع الطائفية أم تؤججها؟ تشير تجربة البعث السوري إلى أنها تفعل ذلك في ظل ظروف مختلفة.
بدأ صراع البعث على السلطة في تسييس الهويات الطائفية العادية المذكورة أعلاه. و كان الصراع على السلطة داخل حزب البعث (1963-1966) يدور بشكل أساسي حول الاختلافات الإيديولوجية، لكن المنافسين سعوا إلى الحصول على دعم لهم بالاعتماد على العلاقات الطائفية (بالإضافة إلى الانتماءات الفرعية الأخرى مثل الأصل الجهوي). وضمن الساحة الصغيرة داخل النخبة، كانت الأقليات المتماسكة أكثر قدرة على استخدام مثل هذه الأدوات بشكل أفضل مما كان عليه حال البعثيين السنة المنقسمين جهوياً و الذين كانوا غالباً ما يتعرضون للخسارة في صراعات السلطة, وبالتالي زيادة مكوّن الأقلية في نخبة النظام. وأثار الصراع بين حركة البعث وجماعات المعارضة الرئيسية التي يهيمن عليها السنة، أي الناصريون والإخوان المسلمون، الاعتراض أيضاً على الدور غير المتناسب للأقليات في قيادة البعث (al-Jundi 1969:120–139 Razzaz 1967:111–140, 120–186 Salamah 1969:29–47 Seymour 1970 Van Dam 1981).
المؤسسات التوريث السياسية : تم إضفاء الطابع المؤسسي على نظام البعث في عهد حافظ الأسد كنسخة شعبوية من منظومة التوريث الجديدة التي استغلت الطائفية ولكنها تضمنت أيضاً إجراءات مضادة تضعفها. عيّن الرئيس تعايشاً طائفياً موثوقاً لقيادة وحدات الجيش النخبوي وقوات الأمن. وضمن الدائرة الداخلية للأسد, دمج كبار السياسيين و الضباط العسكريين السنة شبكة عملائهم في النظام رغم عدم امتلاكهم لقواعد مستقلة خاصة بهم، بالإضافة إلى ذللك، كان ضباط الجيش العلويين شركاء أعمال مع نظرائهم السنة كجزء من "مجمع عسكري تجاري" يتمحور حول دمشق، حيث استخدم حافظ الأسد التحرر الاقتصادي في السبعينيات لاستمالة العناصر الرائدة من الطبقة التجارية الدمشقية.
تضمن " الحساب الطائفي "- في معناه الرياضي- تمثيل الجماعات الطائفية كافة داخل المكتب السياسي للحزب ومجلس الوزراء. وعلى هذه القاعدة، تم دمج وتوسيع الدائرة الريفية عبر الطائفية التي استقطبها حزب البعث في الخمسينيات، مع اختراق الحزب واستيعاب السنة و الأقليات الفلاحية، لاسيما المستفيدين من الإصلاح الزراعي. تداول العقد الاجتماعي الشعبوي الولاء السياسي مقابل المنفعة، بغض النظر عن الانتماء الطائفي: التعليم العالي المجاني والوظائف الحكومية للطبقة الوسطى؛ الأمن الوظيفي للعمال الصناعيين؛ الأرض للفلاحين, الغذاء المدعوم للسكان الحضريين؛ وحركة تصاعدية كبيرة لسكان الريف من جميع الطوائف. نشر البعث الهوية العربية لإضفاء الشرعية على نفسه كمدافع عن العرب ضد الصهيونية والإمبريالية. تغلغل البعث بشكل عام في ضمن نصف السكان تقريباً، بمن فيهم الأقليات، وأبناء الطبقة الوسطى التي تشغّلهم الدولة، والفلاحين المستفيدين من استصلاح الأراضي، والبرجوازية السنية الدمشقية.
ازدادت أهمية الطائفية خلال تمرد الإخوان المسلمين (1978-1982) الذي تم تأطيره بشكل صريح كحركة سنية ضد الأقليات " المهرطقة" الحاكمة وبمثابة مناشدة لأولئك المستبعدين من ائتلاف النظام، أي التجار الحضريين والعلماء (رجال الدين المسلمين). ومع ذلك، ظلت رسالة الإخوان المسلمين حضرية إلى حد كبير في جاذبيتها حيث أن الإصلاحات الزراعية أبقت معظم الفلاحين السنة مندمجين في دائرة البعث. وهكذا اعتمد النظام على الروابط الطائفية للحفاظ على تماسكه، لكنه كان اعتماداً عابراً للطوائف بما يكفي لاستغلال الانقسامات الحضرية / الريفية، وبالتالي منع استقطاب الأغلبية السنية ضده (Hinnebusch 1990:144–275 Hinnebusch 2011b:47–88, 93–103 Phillips 2015).
إضعاف التحالف عبر الطوائف: اعتمد نظام حافظ الأسد على توافر ريع معقول لدعم الاندماج الشعبوي. لذلك، عندما تراجع هذا الريع في عهد ابنه بشار، سعى النظام إلى جذب المستثمرين من خلال السياسات النيوليبرالية. فتطورت ضمن هذه السياسات نسخة استبدا ما بعد شعبوية كانت أكثر عرضة للصراع الطائفي، لعدة أسباب.
أولاً ، كان تركيز السلطة بيد بشار يعني دفع أباطرة السنة القدامى [ الحرس القديم] إلى خارج السلطة، وبالتالي خسارة شبكات عملائهم السنّة معهم. ثانياً، أدت الفرص التجارية الجديدة الناشئة عن الانفتاح النيوليبرالي إلى تركيز رأس المال الخاص / العربي في أيدي الأسرة الرئاسية، لا سيما رامي مخلوف, ابن خال الرئيس. أدى هذا إلى نفور العديد من رجال الأعمال و العملاء السنيين السابقين للنظام وأعطى انطباعاً بالسيطرة العلوية الوطيدة على بنية السلطة (Hinnebusch 2011a؛ Phillips 2015). ثالثاً، تراجع دعم الدولة, وانخفاض مداخيل المزارعين، وخفض إعانات الغذاء والوقود، إلى جانب الجفاف المدمر، كلف النظام دعم فئات عريضة من الفلاحين والطبقات الدنيا (Ababsa 2015 Matar 2016 Ruiz de Elvira and Zintl 2014).
بينما أصبحت نواة التوريث للنظام أكثر طائفية، انكمش الاختراق المجتمعي لمؤسسات النظام، مثل [ مؤسسة] الحزب، وتركزت المحسوبية في أيدي ضئيلة قلل من قدرته على الاستيعاب. وفي حين أصبحت الموارد تتركز بشكل حاد في أيدي عدد قليل من الحلقة الضيقة للنظام وعملائه مقابل أن آخرون يواجهون ضغطاً تنازلياً لمستويات معيشتهم، كان ينظر إلى النظام كانهيار للعقد الاجتماعي، وبدى للعديد من الذين خسروا معركتهم هذه وضوح التمييز الطائفي في العمل, فانتشرت, على سبيل المثال، شائعات بأن معلمين علويين باتوا يتولون وظائف السنة في الرقة والحسكة، حيث فشل النظام في معالجة الدمار الذي خلّفه الجفاف الكبير ما بين 2008-2010.
ومن أعراض الاستياء الشعبي ضد الرأسماليين المحسوبين على العلويين الهجوم الذي شنه المتظاهرون في درعا على مكاتب شركة اتصالات رامي مخلوف في آذار- مارس 2011. وفي الوقت نفسه، أدى تشجيع النظام للإسلام غير السياسي على ما يبدو إلى انتشار الإسلاموية خارج حدودها السابقة في المدن باتجاه الريف حيث أعدت الأرضية الإيديولوجية للتمرد الإسلامي(Khatib 2018). إن التحول في التوازن بين التوريث و السلطة البيروقراطية و رجحانه باتجاه الأولى، إلى جانب تقلص الشمولية، مهد الطريق لإحياء الطائفية العلنية في صراعات السلطة التي أعقبت الانتفاضة (Hinnebusch and Zintl 2015).
من التحول الديمقراطي الفاشل إلى الدولة الفاشلة
لا يمكن اعتباره الانتفاضة السورية مجرد إحياء لـ "الأحقاد القديمة", وهي لم تكن, في بدايتها, انتفاضة طائفية، على الرغم من أنها أصبحت كذلك علناً فيما بعد (Abboud 2016:183–86), بل كانت جذورها تمتد إلى التفاوتات الطبقية الناتجة عن التراجع من الشعبوية إلى الرأسمالية المحسوبية (Donati 2013؛ Lawson 2018؛ Nasser et al. 2013). علاوة على ذلك، كانت الاحتجاجات الأولية غير عنيفة- بقيادة شبان حضريين متعلمين يعود معظمهم لأصول ريفية عابرة للطوائف – وقد دعن هذه الاحتجاجات إلى دولة مدنية ديمقراطية وتقديم نداءات عابرة للطوائف (Rifai 2018). وهكذا كانت هناك إمكانية لائتلاف عابر للطوائف و الطبقات ضد نظام غير شامل يمكن أن يحقق الإصلاح الديمقراطي.
كان من الممكن أن تؤدي الاحتجاجات الجماهيرية التي هزت سوريا عام 2011 ، عند خروج المتظاهرين إلى الشوارع في العديد من البلدات والمدن، إلى تسريع التوصل إلى اتفاق بين المعتدلين في المعارضة وفي النظام للاتفاق على انتقال سلمي نحو الديمقراطية.
كان هناك بالفعل معتدلون في النظام، وبصراحة، كان معظمهم من السنة (مثل الإخوة طلاس ونائب الرئيس فاروق الشرع) ولكن ليس جميعهم من السنة، حيث عارض رئيس الأركان العلوي، العماد علي حبيب، استخدام الجيش ضد المتظاهرين. في هذه الأثناء، كان المتشددون، مثل شقيق الرئيس، ماهر الأسد ، معظمهم من العلويين، مما يدل على بعض الاستقطاب الطائفي داخل النخبة البعثية العليا.
قد يكون لدى الرئيس شرعية شعبية كافية لبدء عملية انتقال ديمقراطي (Lesch 2018؛ Wieland 2012)، لكنه اختار الانضمام إلى المتشددين وعمل على تهميش المعتدلين، وهو الاختيار الذي شكل التطور اللاحق للثورة السورية. ومازال هناك إمكانية للنقاش في مسألة ما إذا كان لدى بشار الأسد في الواقع أي خيار آخر مفتوح أمامه قابل للتطبيق غير الخيار الذي اختاره فعلاً، حيث أن الانتقال إلى الديمقراطية كان يمثل تهديداً كبيراً للنظام؛ بعد التضحية بقاعدته العابرة للطوائف، فقد واجه أن قيام أي انتخابات حرة محتملة قد تعزز استقطاباً طائفياً-طبقياً ضده حيث سيجتمع السنة وضحايا الرأسمالية المحسوبية ضد الرأسمالية المحسوبية المتمركزة طائفياً حول العلويين.
اختار النظام بدلاً من ذلك استغلال الطائفية الأداتية، وتصوير المتظاهرين على أنهم جهاديون وتصوير نفسه كمدافع عن النظام والعلمانية والأقليات من أجل حشد أقليته وقاعدته البرجوازية، التي أصبحت أكثر تبرماً من راديكالية الثورة. في الواقع، اتخذت المعارضة، مدفوعة بالمظالم الاجتماعية والاقتصادية، بُعداً طائفياً متمرداً باستخدام الوحدات العسكرية والميليشيات التي تم تجنيدها من العلويين لقمع الاحتجاجات التي تتركز في المناطق ذات الأغلبية السنية (Balanche 2018؛ ICG 2012a). أصبحت صلاة الجمعة المناسبة الرئيسية للتعبئة و الاستقطاب، حيث لعب دوراً في ذلك كل من الأئمة المناهضين للنظام والسلفيين الممولين من السعودية والعناصر المرتبطة بالإخوان المسلمين.
انتصرت الانتفاضة في المناطق المختلطة السنية العلوية، مثل حمص، وفي المعاقل التقليدية للسنة المناهضة للنظام، مثل حماة ودير الزور، في حين ظلت المناطق التي يسيطر عليها الأقليات هادئة (Balanche 2018 ؛ Bartolomei 2018 ؛ Hinnebusch 2012 ).
وبالنظر إلى نفس التداخل بين المظالم الطبقية (السفلية) والطائفية (السنية) واستمرار نطاق الاحتجاجات الجماهيرية التي اكتظت بشوارع المدن خارج دمشق وحلب، فبمجرد فشل إمكانات التحول الديمقراطي المتفق عليه، كان لا يزال من الممكن أن تنتصر الثورة السلمية نسبياً من الأسفل, أو، بمجرد أن تصبح الانتفاضة عسكرية، فإن تلك الثورة العنيفة ستقلب النظام بالكامل. في الواقع، بحلول العام 2012 اعتقد العديد من الأجانب اعتقاداً راسخاً أن النظام كان يترنح.
لكن, لماذا كانوا على خطأ؟
تتطلب الثورة السلمية انقساماً في النظام (والجيش)، إلى جانب حزمة عريضة من أنشطة الشرائح العديدة في المجتمع ضده، كما حدث في تونس ومصر. غير أن أنظمة التوريث الجديدة مثل سوريا (التي تلتف فيها النخبة مع العلاقات الطائفية (وكذلك المصالح المادية) حول زعيم وريث) أقل عرضة لانشقاق النخبة (Said 2018 Schmidt 2018). بالإضافة إلى ذلك، ولأن الجيش ظل مخلصاً إلى حد كبير، احتفظ النظام بقدراته القمعية والاستباقية لاحتواء الاستقطاب المعادي له, وتتطلب تعبئة طيف واسع من الأنشطة ضد النظام عبر( الطبقة لوسطى و الدنيا) ائتلاف من أبناء الطبقة الدنيا تمحور حول المظالم المكثفة المشتركة على نطاق واسع. لقيت هذه السياسات في سوريا، حيث تعرض الكثير من الضرر من سياسات بشار الأسد، ترحيباً من الآخرين الذين حققوا مكاسب لهم بفضلها (Lawson 2018). والأهم من ذلك، أن الاستقطاب المعادي للنظام على أساس طبقي تم قطعه لحصول تصدع مجتمعي (طائفي وإثني), فانقسمت الطبقات المحرومة على أسس طائفية, في حين انقسمت أغلبية المجتمع السني على أسس طبقية (Balanche 2018: 8-30)
حققت استراتيجية النظام المتمثلة في تشويه سمعة المعارضة كجهاديين (Bartolomei 2018) من أجل الحفاظ على تحالف الأقليات والطبقة المتوسطة العلمانية والبرجوازيين السنة بعض النجاح. وأظهر استبيان لـ 2000 لاجئ سوري في لبنان أن شخصاً واحداً من الأقلية الطائفية دعم المعارضة بينما كانت النسبة ضعفي ذلك في صفوف السنة. ومع ذلك، احتفظ النظام بأغلبية سنية مؤيد له، ينتمي معظمهم لأكثر الفئات تعليما وثراءً و علمانية (Corstange 2016). لذلك، قد يجبر الاحتجاج الجماهيري إلى المضي نحو الديمقراطية السلمية في مجتمعات أكثر تجانساً حيث يمكن أن يتسبب ضغط الشعب المتحد في شق النظام، ولكن من غير المحتمل أن يكون كذلك إذا كان النظام موحداً، جزئياً من خلال العصبية الطائفية، وحيث ينقسم الناس حسب الطائفية, وكذلك لاعتبارات أخرى.
لم يؤد ترسيخ عسكرة الصراع إلى الثورة، بل إلى ما أسماه كريستوفر فيليبس (2015) " الحرب الأهلية شبه الطائفية " لأن القتال كان يستند جزئياً إلى أسس طائفية. أثار عنف النظام المتزايد الانشقاقات في صفوف الجيش. ولأن هذا لم يشمل انشقاق وحدات كاملة، فلم يهدد جوهر النظام، رغم أنه كان هناك ما يكفي من الانشقاقات الفردية، علاوة على توفير خارجي لملاذات آمنة (في تركيا) وتسليح لتمكين بناء " الجيش السوري الحر " المعارض.
في حين ظل العديد من كبار الضباط ومتوسطي الرتب العسكرية السنة موالين للنظام، فإن الغالبية العظمى من المنشقين الذين انضموا إلى الجيش السوري الحر كانوا من السنة، مما أعطى الصراع بعداً طائفياً أكبر. ونظراً للاعتماد المفرط للنظام على الأقليات في بنيته العسكرية فقد أدى انشقاق العاصر السنية إلى الاستنزاف التدريجي لقوته العسكرية, مما أدى إلى إضعاف قدرتها على تأمين الأراضي. وعندما فقد النظام احتكاره للعنف، انسحب تدريجياً من شرق البلاد، تاركًا الكثير من مناطق زراعة الحبوب والموارد النفطية لفصائل المعارضة، ومعظمهم من الجهاديين مثل الدولة الإسلامية (داعش)، و الأكراد أيضاً الذين كانوا يعارضون النظام لكن من موقع آخر مختلف كلياً.
مع تزايد عسكرة الصراع، تم تهميش المتظاهرين من الطبقة الوسطى المتعلمين الذين روجوا لهوية مدنية بين عنف النظام واستقطاب الشباب الريفيين غير المتعلمين والعاطلين عن العمل الذين تعرضوا بشدة لرسالة طائفية سلفية بسيطة (Eido 2018). أدى العنف إلى الاستيلاء الجهادي على المعارضة مترافقاً مع تحرك المقاتلين غير السوريين عبر سوريا من خلال الجماعات الجهادية مثل جبهة النصرة وأحرار الشام، التي أجبرت براعتهم القتالية النظام للانكفاء لصالح موقف دفاعي. وهكذا، أدت الحرب الأهلية إلى تحول في الهوية نحو طائفية محاربة (أي جهادية) بين العديد من النشطاء والهاربين من الجيش الذين تحولوا إلى مقاتلين إسلاميي, مما أدى إلى تحول مركز الثقل داخل المعارضة تجاه المتشددين، الذين عززوا عبر العنف و خطابهم الطائفي دعم النظام بين الأقليات وموظفي الدولة والرأسماليين المحسوبيين (Bartolomei 2018 ؛ Goldsmith 2018 ؛ Kastrinou 2018 ؛ Rifai ، 2018).تضخيم التمثيل الطائفي للصراع الذي تم تبنيه على نطاق واسع بين عامة السكان (Lynch 2015 ؛ Phillips 2016 ؛ Pierret 2013) بسبب الحطاب الطائفي في وسائل الإعلام و بسبب تدخل القوى السنية في الصراع إلى جانب المعارضة السنية، والميليشيات الإيرانية والشيعية إلى جانب النظام - صراع بالوكالة ينظم على أسس إثنية- طائفية على حد تعبير هيدمان (2013).
أخيراً، مع الانزلاق نحو حرب أهلية، اندلعت المعضلة الأمنية، مما دفع الجميع إلى طلب الحماية عبر ميليشيات الدفاع المحلية وعبر التطهير الطائفي في بعض الأحياء (Phillips 2015). ومن جانب المعارضة، تشكلت وحدات الجيش السوري الحر - التي غالباً ما تكونت من منشقين عن الجيش النظامي - لحماية المتظاهرين من عنف النظام ثم للدفاع عن مناطقهم من تعميم انعدام الأمن. في هذه الأثناء، شجع النظام، بينما كان الجيش يستنزف بشرياً، على تشكيل ميليشيات محلية من قبل أنصاره. وكانت النتيجة ما أسماه سامر عبود (2016:85–86) " تمدين الصراع" [ بمعنى انخراط المدنيين في الصراع]، حيث أصبح التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين غير واضح، مما زاد من نطاق العنف وبالتالي الخوف من الآخر - الطائفي بشكل متزايد -(Abboud 2016:97–108, 162–87 Ali 2015 Balanche 2018:3, 9 Leenders 2015:252–55 Rifai 2018). وقد أدى ذلك إلى الانهيار المتسارع للاقتصاد العادي في العديد من المناطق .وسعى الكثير من الناس على اتماد سلوك نهب و سلب الأعداء الطائفيين للعيش، أو انضموا إلى عصابات مسلحة يقودها أمراء حرب طائفيون محليون تنافسوا في فرض ضرائب على التدفقات الاقتصادية وأخذوا نصيبهم من الموارد الخارجية القادمة إلى البلاد (Abboud 2014 Turkmani 2015 Yazigi 2014).
وأصبح "الآخر" الطائفي هدف أولئك " الشبيحة"؛ وهكذا، بتنا نرى في أسواق المناطق العلوية المواد المنهوبة من الأحياء السنية (الرفاعي 2018). اتبع كلا الطرفين : استراتيجية التجرد من الإنسانية", بسبب من نظرتهم للحرب كصراع وجودي, فصاروا يصورون أعدائهم على أنهم كفرة؛ وهي الصورة التي انتشرت بشكل منهجي بين السوريين (Zelin and Smyth 2014).
وهكذا، سواء كانت مقصودة أم لا، نشرت الأدوات الطائفية المخاوف والخطابات والسلوك على مستوى القاعدة الشعبية حيث فرضت منطقاً مستداماً. وعندما كانت الدولة متشعبة، كانت خارطة المعركة بين النظام والمعارضة تتوافق إلى حد ما مع الانقسامات الطائفية.
استهدف النظام معاقل المعارضة ذات الأغلبية سنية بهدف تفريغها من سكانها؛ في حين ظلت المناطق التي يسيطر عليها النظام متعددة الطوائف حيث فرت إليها كل من الأقليات هرباً من الجهاديين والسنة الفارين من مناطقهم التي تحولت ساحات قتال (Balanche 2018: 3 ؛ Heydemann 2013). وقد حدّت هذه البنية الجديدة بشدة من إمكانيات تشكيل تبعية بالوكالة غير طائفية.
نظام الحكم في ظل اندفاع الطائفية وفشل الدولة: بناء النظام الحصري التنافسي
مع تقسيم البلاد إلى مناطق يسيطر عليها النظام والمعارضة، ظهرت ديناميكية يمكن تسميتها "تشكيل نظام تنافسي", حيث يحاول كل جانب تأكيد حقه في الحكم. كانت الأنظمة المتنافسة الرئيسية في التكوين أكثر قسرية وأقل شمولية من النظام السابق للانتفاضة وكان صراعها بطرق عديدة صراعاً طائفياً مؤسساتياً ضمن في الفضاء السوري. تكيف نظام الأسد مع الحرب الأهلية من خلال تبني شكلاً أكثر عنفاً وحصرياً وغير مركزي من منظومة الوصاية و التوريث الجديد. يمثل مركز النظام الذي أعيد تشكيله - عائلة الأسد ، والأجهزة الأمنية، ووحدات الجيش النخبوي- انكماشًا من النخبة العليا إلى قلبها القسري (والطائفي). و طُرد من النخبة جميع أولئك الذين دافعوا عن حل وسط أو تقاسم السلطة مع المعارضة، ومعظمهم من السنة، مثل نائب الرئيس السابق [ فاروق] الشرع.
استند قلب النظام هذا على عدة ركائز. تم استيعاب الطائفة العلوية بشكل جماعي في الجيش والأجهزة الأمنية والدولة، حيث يعيش حوالي 500،000 في الضواحي العلوية المحيطة بدمشق. وهم في معظمهم متورطون في جرائم النظام، ويعانون من خسائر [بشرية] كبيرة، وسوف يواجهون تهديداً وجودياً إذا ما انهار النظام، وشكلت هذه القاعدة [ العلوية] الجهات الموالية الرئيسية، والتي من المحتمل أن تتأثر فقط عندما يفشل النظام في حمايتهم بشكل فعال من التهديد الجهادي. يتداخل معهم فئة الرأسماليين المحسوبيين المرتبطين بالنظام والذين استغل الكثير منهم الحرب, دون أن ننسى تداخل العديد من الرموز السنية أيضاً.
تم تقليص الجيش النظامي بسبب نقص القوى العاملة و أصبح أقلية, على الرغم من أنه لايزال يدمج في صفوفه العناصر السنية الذين كانوا يتمتعون بحركة تصاعدية من خلال وظائفهم العسكرية وتماهيهم مع الجيش حيث عاشوا في مجتمعاتهم العسكرية الخاصة(Khaddour 2015a Said 2018), كما بذل النظام جهوداً حثيثة للحفاظ على بيروقراطية " الدولة" ( الرواتب و الخدمات), حيث قدم موارد شحيحة مثل الخبز و الوقود للسكان. غير أنه مع تقلص عائدات الدولة تضاءلت وظيفة التوزيع و تم حجز وظائف الدولة و تمويل إعادة الإعمار للموالين ولاسيما الأقليات(Khaddour 2015b)
أدى تراجع الجيش والبيروقراطية إلى لامركزية السلطة. عندما وصلت تعاقدات الجيش و التجنيد إلى السقف، فقامت المليشيات المحلية بسد الفجوة، مما سمح للمجتمعات الموالية للنظام بتحمل عبء الدفاع عن النفس.
وشكلت شبكات العملاء غير الرسيمة التي يرأسها رجال الأعمال أو جماعات طائفية ميليشيات ممولة ذاتياً من خلال مضارب الحماية و الابتزاز و النهب. وكانت كانت المناطق التي يسيطر عليها النظام تتفتت- إلى حد ما- إلى إقطاعيات مستقلة و طائفية في الغالب. أصبحت علاقات المركز- الأطراف الناتجة أكثر من مسألة ولاءات ومساومة شخصية من القيادة البيروقراطية, و التعاقد مع قوة البنية التحتية للنظام(Carter Center 2013).
حاول النظام التصدي لتفتيت الجماعات المسلحة من خلال دمجها في قوات الدفاع الوطني, لكن هذه الميليشيات لاتزال في كثير من الأحيان محصنة ضد القيادة من الأعلى, فعلى سبيل المثال, استطاعت الميليشيات العلوية عرقلة العديد من محاولات المصالحة مع البلدات المعارضة) السنيّة). و زاد التشابك الحميم بين الميليشيات العلوية مع حزب الله و القوات الإيرانية و الميليشيات الشيعية العراقية من تخيف سيطرة مركز النظام و التكوين الطائفي المعزز لنظام ما بعد البعث(ICG 2013 Lund 2015 Samaha 2017).
الجهاديين و الإسلاميين المعادين للدولة: كانت الحركات الإسلامية السنية المسلحة من أكثر الفعاليات المعارضة للنظام, وقد اعتمدت هذه الحركات إيديولوجية جهادية و خطاباً طائفياً متطرفاً, كما تمتعت بقدرات بيروقراطية معتبرة. وفي حين أن داعش و جبهة النصرة كانتا الأكثر راديكالية-وفعالية- من بين هذه الحركات, فإن أي اختلافات في العقيدة و الممارسات بينهم و بين أحرار الشام مثلاً هي مسألة نسبية ببساطة. كانت مجموعة التجنيد الخاصة بهم تتمثل في الطبقة السنية الضخمة التي تعرضت لعنف النظام ورأت نفسها وجهاً لوجه ضد النظام تقاتل من أجل البقاء, أو لم يكن لديها بديل اقتصادي سوى العمل كمقاتلين وبالتالي استقطابهم على أسس طائفية. تهربت هذه الحركات تماماً, مثلها مثل نظام الأسد, من التسوية السياسية, وتشابهه سلوكهما في بناء السلطة إلى حد كبير فاعتمدت الحركات الإسلامية على دعم خارجي و قيادة اقتصاد الحرب من خلال آبار النفط , و الأهم وجود قيادة استبدادية كاريزمية كسلوك فعال في استقطاب أتباع نشطاء مع استبعاد جميع أولئك الذي يرفضون قبول رؤيتهم للإسلام (Abboud 2016:171–78 al-Shishani 2012 ICG 2012b Lund 2013).
المتغيرات التعددية؟ كان للخطاب الطائفي و العنف دور فعال في إقصاء الجهات الفاعلة غير الطائفية في المجتمع المدني. فتم تهميش لجان التنسيق المحلية التي نظمت الاحتجاجات الأولية المناهضة للنظام التي اعتمدت خطاب هوية مدنية سوية يقوم على أساس المواطنة المشتركة, ومغادرة الأعداد الغفيرة من العلمانيين للبلاد بسبب العنف الطائفي. نجا بعض هؤلاء في فواصل محلية بين النظام و الجهاديين, عادة في اشكال هجينة, حيث تقاسمت عناصر من المليشيات الإسلامية و المحاكم الشرعية السلطة مع المجالس المنتخبة المكوّنة من نشطاء أكثر علمانيّةً(الذين, أحيلوا إلى الخطابات الإسلامية في نهاية المطاف), و الوجهاء التقليديين مثل رجال الدين " العلماء" و زعماء القبال(Favier 2016 Khalaf 2015). و على عكس الأطراف المتحاربة الرئيسية, فشلت المعارضة غير الجهادية- المجزأة و المحرومة من الموارد- في تشكيل بنى و هياكل حكم يمكن أن تكون نظاماً بديلاً, فهي إما تأسلمت [ قسراً ] أو تعرضت لعنف النظام ( البراميل المتفجرة و حصار الجوع). وفي موازاة ذلك, انحدرت ذراعها القسرية الطبيعية, وهي وحدات مجزأة من الجيش الحر إلى أمراء حرب تحولوا إلى جهاديين أو تم تجنيدهم كمرتزقة من قبل دول أجنبية (Abboud 2016:87–97), وهكذا, أدى تطييف الصراع إلى استقطاب المجتمع و إغراق الخطاب المدني الذي تم من خلاله الترويج للانتفاضة في البداية. مما أدى إلى أشكال حكم أكثر طائفية, والتي عززت بدروها النزعة الطائفية.
استنتاج
يختلف تأثير الطائفية على مسارات النظام والعكس بالعكس في سياقات مختلفة كما حاول التحليل السابق أن يظهر, هنا , يتم تلخيص الحجة الرئيسية, سواء بالإشارة إلى الحالة السورية أوفي سياق المناقشات الكلاسيكية حول سياسات الهوية.
لاتعد الهويات الطائفية اختراعاً اعتباطية, لأنه كما يقول دعاة المنهج " الأولي primordialists " لدى هذه الهويات جذور تاريخية عميقة و هي ذات توزيع جغرافي ثابت عبر التاريخ السوري, ولو أضفنا لهذا الجانب الهوياتي الظهور المبكر للتصدعات الطبقية الشاملة و العروبة القوية فوق الدولة, فسوف يظهر لدينا ثوابت نمط الهوية السورية منذ الاستقلال. ومع ذلك اختلفت دورة وحدّة الطائفية صعوداً و هبوطاً اختلافاً كبيراً في ظل سيناريوهات أنظمة الحكم المختلفة, من الطائفية العادية غير المسيسة نسبياً إلى استخدامها في التنافس على السلطة و الاستقطاب العسكري العنيف, وهذا الاختلاف بدوره أثّر بشكل كبير على الشكل السائد للحكم. ووفقاً للأداتيين يمكن فهم هذه الاختلافات ببساطة على أنها تعبير عن كيفية استخدام الهويات في صراعات السلطة من قبل المتنافسين و كيف أثر ذلك بدوره على تصميم مؤسسات الدولة. غير أن أنماط الهوية الحالية على المستوي الدمعي هو ما سيحدد إذا ما كانت مثل هذه الأدوات ستنجح وكيف سيكون تأثيرها على مسارات الحكم.
لتوضيح ذلك, نرى أنه في الوقت الذي كانت تسعى فيه الغالبية العظمى و العديد من الأقليات الصغير للاندماج في هوية عبية علمانية مشتركة مع انقساماتها الأفقية و العمودية المتداخلة, كانت البنية الاجتماعية في الحقبة الليبرالية بعد الاستقلال على درجة من الأهمية فيما يتصل بالتكوين الطائفي وحفاظها على الطائفية العادية والتقليل المتزايد من احتمالات الاستقطاب الطائفي, لقد تم تمكين صعود الهويات الأوسع مثل القومية العربية عبر التحديث- لاسيما انتشار التعليم العلماني في المناطق الريفية-مما أتاح استقطاب حركات المعارضة من خلال القومية العربية بدلاً من الطائفية. توافق السياق مع عملية التحول الديمقراطي للأغلبية و الانقلاب الثوري الذي نتج فعلياً آنذاك. كان الأمر الحاسم بين هذه الاحتمالات هو استقطاب الهويات الطبقية-وظيفة التحديث الاجتماعي, كما ستتوقع مقاربات الحداثيين للهوية. وهكذا, بقيت الطائفية, ضمن هذا السيناريو, منخفضة الأهمية حيث امتنع المقاولون السياسيون عن استغلالها. ومع ذلك, ولأن مؤسسات الدولة لم تكن شاملة بما فيه الكفاية على أساس الطبقة (و ليس الطائفة), فقد اتخذ الاستقطاب المعادي للنظام شكلاً ثورياً طبقياً و ليس طائفياً مما أدى إلى انهيار ديمقراطي.
حفزت الصراعات على السلطة التي أطلقها الانقلاب البعثي على استغلال الطائفية في كل الصراعات داخل النظام و المعارضة, و يظهر الاندماج الناجح للسلطوية البعثية فائدة التلاعب بالعلاقات الطائفية في صراعات السلطة, لكن درجة شمولية النزعة الطائفية أو تضعيفها سوف يحده مشاركة مؤسسات الدولة في هذه المهمة.
احتوت الاستبدادية الشعبوية لحافظ الأسد على النزعة الطائفية من خلال مؤسسات شاملة جزئياً وعقد اجتماعي لإعادة التوزيع تضمن تحالفاً عابراً للطوائف و الطبقات حافظ على النهوض الطائفي عند مستوى منخفض ( عادة ما يكون منخفضاً لكن مع حلقات دورية بارزة). أنتجت النيوليبرالية ما بعد الشعبوية التي تأسست على يد ابنه نظاماً أكثر استبعاداً مع تراجع القدرة المؤسساتية التي أعادت إحياء الهويات الطائفية و المظالم الطبقية أيضاً. وهكذا في ظل الحكم الاستبدادي البعثي, بدأت الطائفية برؤية متوسطة بسب استغلالها من قبل النظام البعثي لتوطيد السلطة و معارضي النظام, لكنها أخفقت من قبل مؤسسات الدولة الشاملة نسبياً, وبمجرد تراجع هذه الشمولية تصاعدت المظالم الطائفية و الطبقية و بما أنها عززت بعضها البعض بين أولئك المستبعدين, فقد وصل الاستنهاض الطائفي من متوسط إلى مستويات عالية بحلول العام 2010.
و بمجرد إضعاف المؤسسات, سوف يصبح استغلال الهويات التي سيختارها المتنافسون على درجة من الأهمية, ولكن مرة أخرى, ستتأثر النتائج الفعلية بنمط الهوية و البنى الاجتماعية. وهكذا, بينما استخدم نشطاء الانتفاضة السورية خطاب القومية المدنية لتعبئة تحالف عابر للطوائف- الطبقات لتحقيق الديمقراطية التي سعى لها الكثيرون, ارتصفت البنية الاجتماعية للانقسامات و التصدعات الشاملة خلف حزمة من الأنشطة الواسعة الضرورية لإحداث مثل هذا التغيير في النظام. ومن ثم بينما كان المجتمع يميل للانقسام على طول الخطوط الطائفية و الطبقية, فقد ساعدت "العصبية" الطائفية للنظام على بقاء نواته متماسكة.
مع استمرار الانتفاضة, أثار استغلال النظام للطائفية النزعة المضادة للطائفية بين أوساط المعارضة, الأمر الذي دفع بالبلاد بعد ذلك إلى الحرب الأهلية و العسكرة و انعدام الأمن, مما تسبب في استقطاب الهوية الشعبية. وأدى استغلال الطائفية من قبل النظام و المعارضة على حد سواء وما تلاه من فشل جزئي للدولة إلى ظهور مستوى عالٍ من النهوض الطائفي الذي أدى يدوره إلى تراجع الشمولية المؤسساتية للنظام و الحكومة المعارضة له مما زاد من تحفيز الطائفية المحاربة المسلحة.
لذلك, تشير الحالة السورية- وهذا قد يكون له صلات أوسع- بأن البنية الاجتماعية و أنماط الهوية- أي توزع الجماعات الطائفية, والانقسامات المتقاطعة و الهويات المتنافسة- قد تجعل, في وقت تشكيل النظام, بعض المسارات المؤسساتية أكثر رجحاناً من غيرها. وبالنظر إلى أن هذه العوامل لم تتغير بصورة مفاجئة- بل تدريجياً- خلال الفترة التي شملها الاستطلاع, فإن التغيير في النزعة الطائفية في سوريا من حدّة منخفضة إلى حدّة عالية يبدو أنه يعود بشكل رئيسي إلى العوامل السياسية-التابع بالوكالة و التصميم المؤسساتي- حتى لو أثرت ثوابت البنية الاجتماعية على الاستراتيجيات المحتملة أو الفعّالة بالنسبة للعوامل المتنافسة عند منعطفات محددة.
................
الملاحظات
العنوان الأصلي:Sectarianism and Governance in Syria
Studies in Ethnicity and Nationalism: Vol. 19, No. 1, 2019- Association for the Study of Ethnicity and Nationalism
المؤلف: ريمون هينبوش : أستاذ العلاقات الدولية و سياسات الشرق الأوسط بجامع سانت أندروز , تشمل اهتماماته علم الاجتماع التاريخي لتشكيل الدولة و العلاقات الدولية في الشرق الأوسط, تشمل كتبه : سورية: الثورة من فوق (2002). السياسة الدولية نحو الشرق الأوسط(2003)
المترجم: محمود الصباغ
...............
الهوامش:
1) تشير الطائفية, في السياق السوري, إلى الاختلافات بين المسلمين( العلويين, الشيعة, السنّة... إلخ.) و الاختلافات الإسلامية- المسيحية.
2) على الرغم من عدم استنادها إلى بحث تجريبي, تعتمد الورقة بشكل مكثف على المعرفة الموجودة عن سوريا, بما في ذلك مصادر باللغة العربية, بالإضافة إلى أحدث الدراسات حول الطائفية منذ انتفاضة العام 2011(Abboud 2016 Balanche 2018 Hinnebusch and Imady,2018 Kerr and Larkin 2015).
3) قارن, على سبيل المثال, Van Dusen (1975) and Van Dam (1981).
4) تشير الهويات الطائفية عادةً إلى هويات الدول الفرعية, وتحديداً الجماعات الإثنية و الطائفية.
5) على الرغم من أن الأنظمة الملكية في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا هي أنظمة وراثية جديدة مثلما تحمل الديمقراطيات ميزات التوريث الجديد, إلّا أنّ تركيز هذه الورقة سينصب على الجمهوريات الاستبدادية في المنطقة.
.................
المراجع
Ababsa, Myriam. 2015. ‘The End of a World: Drought and Agrarian Transformation in Northeast Syria 2007–2010. In Syria from Reform to Revolt. Volume 1: Political Economy and International Relations, Raymond Hinnebusch and Tina Zintl. Syracuse, NY: Syracuse University Press.
Abboud, Samer. 2014. ‘Syria’s War Economy’. Carnegie Middle East Center, 9 January. Available at: http://carnegieendowment.org/syriaincrisis/?fa=54131 (accessed 10 October 2016).
Abboud, Samer. 2016. Syria. Cambridge: Polity.
Al-Jundi, Sami. 1969. Al-Ba’th.. Beirut: Dar al-Nahar.
Ali, Ali Abdul Ka-dir-. 2015. ‘The Security Gap in Syria: Individual and Collective Security in “Rebel-held Territories” ’. Stability: International Journal of Security & Development 4 (1): 1–20.
Allush, Naji. 1962. Al-Thawra wal-Jamahir [The Revolution and the Masses]. Beirut: Dar al-Talia.
Al-Shishani, Murad Batal. 2012. ‘Jihad in Syria: A Profile of Jabhat al-Nusra’. Terrorism Monitor 10 (22) (November): 4–6. Available at: http://www.jamestown.org/uploads/media/TM_010_Issue22_01.pdf (accessed 10 October 2016).
Balanche, Fabrice. 2018. Sectarianism in Syria’s Civil War. Washington, DC: Washington Institute for Near East Policy.
Bartolomei, Enrico. 2018. ‘Sectarianism and the Battle of Narratives in the Context of the Syrian Uprising’. In The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory, ed. Raymond Hinnebusch and Omar Imady. London and New York: Routledge, pp. 223–241.
Brubaker, Rogers. 2015. ‘Religious Dimensions of Conflict and Violence’. Sociological Theory 33 (1): 1–19.
Byman, Daniel. 2014. ‘Sectarianism Afflicts the New Middle East’. Survival 56 (1): 79–100.
Carter Center. 2013. ‘Syria: Pro-Government Paramilitary Forces’, November 5. Available at: https://www.cartercenter.org/resources/pdfs/peace/conflict_resolution/syria-conflict/pro-governmentparamilitaryforces.pdf (accessed 10 October 2016).
Corstange, David. 2016. ‘What Syrians Want. New Survey Data Show Which Side Refugees Support’. Foreign Affairs, 14 September. Available at: http://eng.majalla.com/2016/11/article55252456/what-syrians-want-new-survey-data-show-which-side-refugeessupport (accessed 4 February 2019).
Deutsch, Karl. 1961. ‘Social Mobilization and Political Development’. American Political Science Review 55 (3): 493–514.
Dodge, Toby. 2014. ‘Seeking to Explain the Rise of Sectarianism in the Middle East: The Case Study of Iraq’. Project on Middle East Political Science (POMEPS Studies No. 25). Available at: http://pomeps.org/2014/03/19/seeking-to-explain-the-rise-of-sectarianism-in-the-middle-east-the-case-study-of-iraq/ (accessed 11 October 2016).
Donati, Caroline. 2013. ‘The Economics of Authoritarian Upgrading in Syria’. In Middle East Authoritarianisms, ed. Steven Heydemann and Reinoud Leenders. Stanford, CA: Stanford University Press, pp. 35–60.
Eido, Isam. 2018. ‘The Rise of Sunni Salafism’. In The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory, ed. Raymond Hinnebusch and Omar Imady. London and New York: Routledge, pp. 260–270.
Farouk-Alli, Aslam. 2014. ‘Sectarianism in Alawi Syria: Exploring the Paradoxes of Politics and Religion’. Journal of Muslim Minority Affairs 34 (3): 207–226.
Favier, Agnes. 2016. ‘Local Governance Dynamics in Opposition Controlled Areas in Syria’. In Inside Wars: Local Dynamics in Syria and Libya, Luige Narbone, Agnes Favier and Virginie Collombier. Florence: European University Institute, pp. 6–15.
Fearon, James D. 2006. ‘Ethnic Mobilization and Ethnic Violence’. In The Oxford
Handbook of Political Economy, ed. Barry R. Weingast and Donald A. Wittman. Oxford: Oxford University Press, 852–868.
Freer, Courtney. 2019. ‘The Symbiosis of Sectarianism, Authoritarianism, and Rentierism in the Saudi State’. Studies in Ethnicity and Nationalism 19 (1): 88–108.
Gause, F. Gregory III. 2014. ‘Beyond Sectarianism: The New Middle East Cold War’. Brookings Doha Center Analysis Paper, July. Available at: https://www.brookings.edu/research/beyond-sectarianism-the-new-middle-east-cold-war/ (accessed 12 October 2016).
Gerring, John, Dominic Zarecki and Michael Hoffman. 2016. ‘The Diverse Effects of Diversity on Democracy’. British Journal of Political Science 48 (2): 283–314.
Goldsmith, Leon. 2018. ‘Syria’s Alawis: Structure, Perception and Agency in the Syrian Uprising’. In The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory, ed.Raymond Hinnebusch and Omar Imady. London and New York: Routledge, pp. 41–58.
Grove, D. John. 1987. ‘A Cross-national Examination of Cross-cutting and Reinforcing Cultural Cleavages’. International Journal of Comparative Sociology 28: 3–4.
Gubler, Joshua R. and Joel Sawat Selway. 2012. ‘Horizontal Inequality, Crosscutting Cleavages and Civil War’. Journal of Conflict Resolution. 56 (2): 206–232.
Haddad, Fanar. 2011. Sectarianism in Iraq: Antagonistic Visions of Unity. London: Hurst & Company, pp. 1–29.
Hashemi, Nader. 2015. ‘Toward a Political Theory of Sectarianism in the Middle East: The Salience of Authoritarianism over Theology’. Middle East Institute, 27 October. Available at: http://www.mei.edu/content/map/toward-political-theory-sectarianism-middleeast-salience-authoritarianism-over-theology (accessed 15 October 2016).
Heydemann, Steven. 1999. Authoritarianism in Syria: Institutions and Social Conflict, 1946–1970. Ithaca, NY: Cornell University Press.
Heydemann, Steven. 2013. ‘Syria and the Future of Authoritarianism’. Journal of Democracy 24 (4): 59–73.
Higashijima, Masaaki. 2012. ‘Multiethnic Autocracy under Economic Globalization: Theory and Evidence from Developing Countries’. Paper presented at the 2012 APSA 2012 Annual Conference, 27 August. Available at: https://ssrn.com/abstract=2110184 (accessed 15 October 2016).
Hinnebusch, Raymond. 1990. Authoritarian Power and State Formation in Ba’thist Syria: Army, Party and Peasant. Boulder, CO: Westview Press.
Hinnebusch, Raymond. 2010. ‘Toward a Historical Sociology of State Formation in the Middle East’. Middle East Critique 19 (3): 201–216.
Hinnebusch, Raymond. 2011a. ‘The Ba’th Party in Post-Ba’thist Syria: President, Party and the Struggle for “Reform” ’. Middle East Critique 20 (2): 109–125.
Hinnebusch, Raymond. 2011b. Suriya: thawra min fauq [Syria: Revolution from Above]. Beirut: Riad al-Rayyes Books.
Hinnebusch, Raymond. 2012. ‘Syria: from Authoritarian Upgrading to Revolution?’ International Affairs 88 (1): 95–113.
Hinnebusch, Raymond and Omar Imady. 2018. The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory. London and New York: Routledge.
Hinnebusch, Raymond and Ola Rifai. 2017. ‘Syria: Identity, State Formation and Citizenship’.
In The Crisis of Citizenship in the Arab World, ed. Roel Meijer and Nils Butenschøn. Leiden: Brill, pp. 105–128.
Hinnebusch, Raymond and Tina Zintl. 2015. ‘The Syrian Uprising and Bashar al-Asad’s First Decade in Power’. In Syria: From Reform to Revolt. Volume 1: Politics and International Relations, ed. Raymond Hinnebusch and Tina Zintl. Syracuse, NY: Syracuse University Press, pp. 285–310.
Huntington, Samuel. 1968. Political Order in Changing Societies. New Haven, CT: Yale University Press.
ICG (International Crisis Group). 2012a. ‘Syria’s Mutating Conflict’. Middle East Report No. 128, 1 August. Available at: https://www.crisisgroup.org/middle-eastnorth-africa/eastern-mediterranean/syria/syria-s-mutating-conflict (accessed 8 February 2019).
ICG (International Crisis Group). 2012b. ‘Tentative Jihad, Syria’s Fundamentalist Opposition’. Middle East Report No. 121, 12 October. Available at: https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/syria/tentative-jihad-syrias-fundamentalist-opposition (accessed 8 February 2019).
ICG (International Crisis Group). 2013. ‘Syria’s Metastasising Conflicts’, Middle East Report No. 143, 27 June. Available at: https://www.crisisgroup.org/middle-east-northafrica/eastern-mediterranean/syria/syria-s-metastasising-conflicts (accessed 8 February 2019).
Jabbour, George. 1978. Al-Fikra al-Siyasi al-mu’asir fi Suriya [Contemporary Political Thought in Syria]. Beirut: Riad al-Rayyes Books.
Kaldor, Mary. 2005. ‘Old Wars, Cold Wars, New Wars and the War on Terror’. International Politics 42: 491–508.
Kaldor, Mary. 2013. ‘How to End Syria’s “New War” ’. Al-Jazeera, 13 November. Available at: http://america.aljazeera.com/opinions/2013/11/how-to-end-syriaasnewwar.html (accessed 15 October 2016).
Kastrinou, Maria. 2018. ‘Imperial Sectarianism and the Impact of War on a Druze Neighbourhood in Syria’. In The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory, ed. Raymond Hinnebusch and Omar Imady. London and New York: Routledge, pp. 271–289.
Kerr, Michael and Craig Larkin. 2015. The Alawis of Syria: War, Faith and Politics in the Levant. London: Hurst.
Khaddour, Kheder. 2015a. ‘Assad’s Officer Ghetto: Why the Syrian Army Remains Loyal’. Carnegie Middle East Center, 4 November. Available at: http://carnegie-mec.org/2015/11/04/assad-s-officer-ghetto-why-syrian-army-remains-loyal-pub-61449 (accessed 8 February 2019).
Khaddour, Kheder. 2015b. ‘The Assad Regime’s Hold on the Syrian State’. Carnegie Middle East Center, 8 July. Available at: http://carnegieendowment.org/files/syrian_state1.pdf (accessed 8 February 2019).
Khalaf, Rana. 2015. ‘Governance without Government in Syria: Civil Society and State Building during Conflict. Syria Studies 7 (3): 37–72. Available at:
https://ojs.st-andrews.ac.uk/index.php/syria/article/view/1176/911 (accessed 16 October 2016).
Khatib, Line. 2018. ‘Tutelary Authoritarianism and the Shifts between Secularism and Islam in Syria’. In The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory, ed.Raymond Hinnebusch and Omar Imady. London and New York: Routledge, pp. 92–105.
Lawson, Fred. 2018. ‘Re-visiting the Political Economy of the Syrian Uprising’. In The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory, ed. Raymond Hinnebusch and Omar Imady. London and New York: Routledge, pp. 77–91.
Leenders, Reinoud. 2015. ‘Repression is Not a “Stupid Thing”: Regime Responses to the Syrian Uprising and Insurgency’. In The Alawis of Syria: War, Faith and Politics in the Levant, ed. Michael Kerr and Craig Larkin. London: Hurst, 245–273.
Lesch, David. 2018. ‘Bashar’s Fateful Decision’. In The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory, ed. Raymond Hinnebusch and Omar Imady. London and New York: Routledge, pp. 128–140.
Lund, Aron. 2013. ‘The Non-State Militant Landscape in Syria’. Combating Terrorism Center at West Point, 27 August. Available at:https://ctc.usma.edu/posts/the-non-statemilitant-landscape-in-syria (accessed 16 October 2016).
Lund, Aron. 2015. ‘Who are the pro-Asad Militias?’ Carnegie Middle East Center, 2 March. Available at: http://carnegie-mec.org/diwan/59215?lang=en (accessed 16 October 2016).
Lynch, Marc. 2015. ‘The Rise and Fall of the New Arab Public Sphere’. Current History, December. Available at:
https://carnegieendowment.org/2015/12/01/rise-and-fall-ofnew-arab-public-sphere-pub-62141 (accessed 4 February 2019).
Malmvig, Helle. 2015. ’Coming in from the Cold: How We May Take Sectarian Identity Politics Seriously in the Middle East Without Playing to the Tunes of Regional Power
Elites’. In POMEPS Studies 16: International Relations Theory and a Changing Middle East. Washington, DC: POMEPS, pp. 32–35.
Matar, Linda. 2016. The Political Economy of Investment in Syria. Houndmills, Basingstoke: Palgrave Macmillan, pp. 13–35.
Merkel, Wolfgang and Brigitte Wieffen. 2012. ‘Does Heterogeneity Hinder Democracy?’ Comparative Sociology 11: 387–421.
Nasser, Rabie, Zaki Mehchy and Khalid Abu Ismail. 2013. ‘Socioeconomic Roots and the Impact of the Syrian Crisis’. Syrian Center for Policy Research, January. Available at:
http://www.fao.org/docs/eims/upload/310686/SyrianCentrePolicyResearch%20SocioEconomicRootsAndImpactOfSyrianCrisisJan2013.pdf (accessed 8 February 2019).
Phillips, Christopher. 2015. ’Sectarianism and Conflict in Syria’. Third World Quarterly 36 (2): 357–376.
Phillips, Christopher. 2016. The Battle for Syria: International Rivalry in the New Middle East. New Haven, CT: Yale University Press.
Pierret, Thomas. 2013. ‘The Reluctant Sectarianism of Foreign States in the Syrian Conflict’.
Peace brief 162. Washington, DC: US Institute of Peace.
Posen, Barry. 1993. ‘The Security Dilemma and Ethnic Conflict’. Survival 35 (1) (Spring):27–47.
Razzaz, Munif. 1967. Al-Tajriba al-Murra [The Bitter Experience]. Beirut: Dar al-Ghandur.
Rifai, Ola. 2018. ‘Sunni/Alawi Identity Clashes in the Syrian Uprising: A Continuous Reproduction?’ In The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory, ed.Raymond Hinnebusch and Omar Imady. London and New York: Routledge, pp. 242–259.
Ruiz de Elvira, Laura and Tina Zintl. 2014. ‘The End of the Ba’thist Social Contract in Bashar al-Asad’s Syria’. International Journal of Middle East Studies. 46 (2): 329–349.
Rørbæk, Lasse Lykke 2019. ‘Religion, Political Power, and the “Sectarian Surge”: Middle Eastern Identity Politics in Comparative Perspective’. Studies in Ethnicity and Nationalism 19 (1): 23–40.
Rustow, Dankwart. 1970. ‘Transitions to Democracy: Toward a Dynamic Model’. Comparative Politics 2 (3): 337–363.
Said, Salem. 2018. The Uprising and the Economic Interests of the Syrian Military-Mercantile Complex’. In The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory, ed.Raymond Hinnebusch and Omar Imady. London and New York: Routledge, pp. 56–76.
Salamah, Ibrahim. 1969. Al-Ba’th min al-Madaris ila al-thakanat [The Ba’th from the School to the Barracks]. Beirut.
Samaha, Nour. 2017. ‘Survival is Syria’s Strategy’. Report Syria: The Century Foundation, 8 February. Available at: https://tcf.org/content/report/survival-syrias-strategy/ (accessed 12 November 2017).
Scarritt, James R. 2005. ‘Ethnopolitics and Nationalism’. In Politics in the Developing World, ed. Peter Burnell and Vicki Randall. Oxford: Oxford University Press.
Schmidt, Soren. 2018. ‘The Power of Sultanism: Why Syria’s Non-violent Protests did not Lead to a Democratic Transition’ In The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory, ed. Raymond Hinnebusch and Omar Imady. London and New York: Routledge, pp. 30–43.
Seymour, Martin. 1970. ‘The Dynamics of Power in Syria since the Break with Egypt’. Middle Eastern Studies 6 (1): 35–47.
Sluglett, Peter. 2016. ‘Deadly Implications: the Rise of Sectarianism in Syria’. In The Levant in Turmoil. The Modern Muslim World, ed. Martin Beck, Dietrich Jung and Peter Seeberg. New York: Palgrave Macmillan.
Soyer, Mehmet and Paul Gilbert. 2012. ‘Debating the Origins of Sociology: Ibn Khaldun as a Founding Father of Sociology’. International Journal of Sociological Research 5 (1/2):13–30.
Toft, Monica Duffy. 2007. ‘Getting Religion? The Puzzling Case of Islam and Civil War’. International Security 31 (4): 97–131.
Turkmani, Rim. 2015. ‘ISIL, JAN and the War Economy in Syria’. London School of Economics,30 July. Available at:
http://www.securityintransition.org/wp-content/uploads/2015/08/ISIL-JAN-and-the-war-economy-in-Syria1.pdf (accessed 16 October 2016).
Van Dam, Nikolaos. 1981. The Struggle for Power in Syria: Sectarianism, Regionalism and Tribalism in Politics, 1961–1980. London: Croom-Helm.
Van Dusen, Michael. 1975. ‘Downfall of a Traditional Elite’. In Political Elite and Political Development in the Middle East, ed. Frank Tachau. Cambridge, MA: Schenkman/Wiley, pp. 115–155.
Varshney, Ashutosh. 2009. ‘Ethnicity and Ethnic Conflict’. In The Oxford Handbook of Comparative Politics, ed. Carles Boix and Susan C. Stokes. Oxford: Oxford University Press, pp. 275–294.
White, Benjamin. 2007. ‘The Nation-State Form and the Emergence of “Minorities” in Syria’. Studies in Ethnicity and Nationalism 7 (1): 64–85.
Wieland, Carsten. 2012. Syria: A Decade of Lost Chances: Repression and Revolution from Damascus Spring to Arab Spring. Seattle, WA: Cune Press.
Yazigi, Jihad. 2014. ‘Syria’s War Economy’. European Council on Foreign Relations (ECFR), 7 April. Available at: https://www.ecfr.eu/publications/summary/syrias_war_economy (accessed 4 February 2019).
Zartman, I. William, ed. 1995. Collapsed States: The Disintegration and Reconstruction of Legitimate Authority. Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers.
Zelin, Aaron Y. and Phillip Smyth. 2014. ‘The Vocabulary of Sectarianism’. Foreign Policy January 29. Available at: https://foreignpolicy.com/2014/01/29/the-vocabularyof-sectarianism/(accessed 4 February 2019).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات