الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدرس العظيم لفيروس كورونا

رشيد إيهُومْ

2020 / 4 / 4
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


لا حديث اليوم في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا عن فيروس يهدد الصحة العالمية للبشر. حالة من العلع والخوف انتابت سكان الكثير من الدول، بعد أن قررت مختلف الحكومات والدول، اتخاذ إجراءات احترازية لمنع انتشار هذا الوباء الذي صنفته منظمة الصحة العالمية " جائحة عالمية". ما اقتضى اتخاذ هذه الاجراءات الاحترازية وهو ما كان له الأثر البالغ في سير الحياة الاجتماعية العادية، وأنا بدوري تأثرت بهذه الأحداث وحاولت ما أمكن أن أستنتج من وراء التفاصيل الصغيرة، الدروس الكبرى والعظيمة ورؤية الحدث من زاوية نظر أعمق وأشمل.
لذلك فالدرس العظيم الذي تقدمه لنا هذه الأزمة هو أن البشر وصلوا إلى مرحلة في التاريخ جعلتهم بالفعل يعيشون في قرية صغيرة، ففيروس كورونا ظهر في مدينة في أقاصي آسيا، وها هو اليوم يكتسح الكرة الأرضية كلها، وبعد أن كنا نسمع بالأمس بعض الأصوات الشامتة من الصين، بات هؤلاء في مرمى حجر من التهديد نفسه. لذلك لابد من أخذ العبرة، والاعتراف بأننا كلنا كبشر مصيرنا واحد في هذا العالم الذي بات أكثر ترابطا بشكل رهيب، وفي نفس الوقت مليئا بالتهديدات التي تهددنا جميعا، بغض النظر عن هوياتنا الثقافية وأدياننا وأعراقنا ولغاتنا وانتماءاتنا الجغرافية، إن كل حدث ولو كان صغيرا يمكن أن يؤثر في كامل الجسم العالمي.
فيروس ديموقراطي
نائب وزير الصحة الإيراني بعد إصابته بفيروس كورونا صرح بأن هذا الفيروس ديموقراطي لأنه لا يفرق بين الغني والفقير ولا الكبير ولا الصغير.
وبالفعل فهو لا يميز بين البشر فقط يضرب كل جسم حي، ومن هنا قناعاته الديموقراطية الراسخة، كما أنه لا يميز بين الأنظمة السياسية، فقد بدأ في دولة ذات حكومة الحزب الواحد، بعدها انتقل إلى حكومات " أكثر ديموقراطية"، ولم يستثني الحكومات الأكثر استبدادا في الشرق الأوسط. أصاب في البداية أفراد من الطبقات الدنيا من المجتمع في سوق في ووهان، بعدها انتقل إلى مسؤولين كبار في الدول.
إن ما يقع اليوم في العالم لا بد أن يوقظنا من السبات والغفلة التي مازالت تكتسح الكثير من العقول، فنحن كبشر باتت المخاطر والتهديدات التي تتربص بنا عديدة، ففي السنوات السابقة كنا نخاف من الحروب القاتلة، واستعمال الأسلحة النووية، وها نحن اليوم مهددون بكائنات مجهرية تصغرنا خمس ملاييين مرة لكنها كافية لإبادتنا جميعا، والتأثير في بنياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
كورونا وروح التاريخ
تتفق الكثير من الدراسات الاستراتيجية على أن العالم الذي نعيش فيه مليء بالتناقضات التي تجعل الأزمات قابلة للانفجار في أي وقت، سواء السياسية أو العسكرية أو الاجتماعية، لذلك فنحن في مرحلة تاريخية جد حساسة يجب على قادة الدول والمجتمعات على حد سواء التنبه لها، ومحاولة استباقها قبل أن يقول التاريخ كلمته لأنه هو الذي يقرر في نهاية المطاف وما نحن كبشر إلا وسائل في طاعة روح العصر كما يقول هيجل. خاصة في ظل الأزمة المزمنة التي تشهدها الرأسمالية، وكذلك الأزمات السياسية التي تمر منها الديموقراطيات الليبرالية في الغرب من صعود للحركات الشعبوية التي تهدد السلم الاجتماعي في تلك الدول، ولا ننسى ما لنظام العولمة من تأثير على الأزمات إذ تتحول الأزمة من قطر في العالم وتؤثر على أقطار أخرى فمشكلة اللاجئين في أوروبا مثلا، كانت نتيجة الحروب التي شهدها الشرق الأوسط فتحركت الحشود الكثيفة نحو الضفة الأخرى بحثا عن حياة أفضل. لكن كان لذلك تأثير بالغ على تلك المجتمعات خاصة في ظل تصريف أزماتها عبر جعل المهاجرين أكباش فداء، ولا ننسى الصراعات الاستراتيجية على الهيمنة على العالم، ومنافسة الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما جعل بعض الآراء تتجه في البداية إلى أن فيروس كورونا ليس إلا مؤامرة استراتيجية قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية لتركيع التنين الصيني الجموح.
لذلك فهذا الوضع التاريخي العالمي الذي نمر منه قد يكون لتأثير حدث كبير بحجم انتشار هذا الفيروس، فرصة مواتية لظهور الأزمات المتوارية ، أو فرصة لتسريع تلك الأزمات كما ذهب إلى ذلك مثلا رجل الأعمال طلال أبوغزالة في إحدى مقابلاته. وهو ما يتخوف منه الكثير من الملاحظين في ظل النزيف والانكماش في الأسواق العالمية بسبب الاجراءات المؤلمة التي قامت بها الحكومات، فمثلا الصين قامت بضخ 26 ترليون يوان لدعم عملتها وحماية أسواقها، وهو ضعف موازنتها العامة.
كورونا والدرس العظيم
إن أعظم ما يمكن أن نستفيد منه في ظل هذه الأزمة هن أن نعترف بالفعل أننا في عالم موحد ومعولم، وكل أزمة هي أزمة تمس كافة البشر باختلاف انتماءاتهم، لذلك لا حاجة للانغلاق والبحث عن الخلاص الحضاري الفردي، كما يجب على الحكومات العالمية أن تتوحد من أجل ايجاد الحلول الناجعة لنقاط الخلاف فيما بينها، وعدم السقوط في مكر التاريخ، أي اللجوء إلى الخيارات العسكرية المتطرفة التي لا تأتي إلا بالمصائب والأزمات، ولابد من الاعتراف كذلك بأن يجمعنا ويوحدنا فوق هذا الكوكب ليس انتماءاتنا الدينية أو العرقية أو الثقافية أو غيرها وهي التي أصبحت اليوم الاختبار الأعظم أمام الإنسانية، بل إن أعظم ما يجمعنا هو الحياة، فانظر مثلا إلى المجتمعات كيف بدأ الناس مع انتشار الفيروس يتضامنون فيما بينهم و يساعد بعضهم بعضا، وينسون كل خلافاتهم السابقة، لأن تلك الخلافات أصبحت تافهة وصغيرة أمام التحدي الأكبر وهو حفظ حياتهم وحياة أحبائهم وهو أعظم غاية يمكن لأي نفس ببشرية أن تسمو إليها.
كاتب من المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع اليابانية رفضا لشراء طائرات مسيرة م


.. عادل شديد: مسألة رون أراد تثير حساسية مفرطة لدى المجتمع الإس




.. دول غربية تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لضرب أهداف داخل رو


.. ما دلالات رفض نصف ضباط الجيش الإسرائيلي الاستمرار بالخدمة بع




.. أهالي جباليا يحاولون استصلاح ما يمكن من المباني ليسكنوها