الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعتصام...وفقدان الحياة... مذكرات معتصم من الكورونا...

غسان صابور

2020 / 4 / 4
سيرة ذاتية


الاعتصام... وفقدان الحياة...
مذكرات معتصم من الكورونا...
من ثلاثة أسابيع.. وأنا معتصم ببيتي... مع سكايب.. مع النت.. والتلفون الأرضي.. والتلفون المحمول.. زائد تلفون زوجتي المحمول.. والذي لا يهدأ.. مع الأصدقاء.. طيلة ستة عشر ساعة باليوم.. وخاصة مع أولادنا.. وأحفاد أولادنا.. وأهمهما Samuel.. أربعة سنوات وبضعة أشهر.. والثاني Joseph.. سنتان وتسعة أشهر... ولدا كبرى حفيداتنا ريــم... واللذان يوقظاننا كل صباح.. حيث يعيشان ببيت أهلهما.. بعيدا بمنطقة جبلية على الحدود السويسرية.. حيث كان يعمل والدهما بمدينة جنيف... واليوم معتصم ببيته.. كغالب سكان فرنسا وسويسرا.. وأوروبا والعالم... رأيناهما شخصيا من ستة أسابيع.. لآخر مرة... وهما مثل جميع أفراد عائلتي.. بحالة اعتصام وانعزال كـامـل... حسب تعليمات وزارة الصحة والحكومة الفرنسية..
رغم قناعتي التامة.. بضرورة الاعتصام.. ورغم جميع وسائل التواصل الاجتماعي.. وجميع مستحدثات النت... يبقى Samuel و joseph الأوكسيجين الذي ينقصني.. لأنهما كانا معنا كل عطلة نهايات الأسبوع غالبا.. باجتماعاتنا لكل العائلة كاملة.. إما ببيتي.. أو ببيت أولادي أو أحفادي الذين يعيشون في مدينة ليون LYON.. وكنا سوف نجتمع بعيد الفصح القادم.. لدى ابنتي وزوجها اللذين يعملان في مدينة ستراسبورغStrasbourg ... حيث كنا سوف نجتمع في بيتهم الكبير الصيفي.. بقرية تبعد ثمانين كيلومتر بمنطقة الـ Vosges الغاباتية المعروفة.. ولكن كل شيء.. التغى.. الأعياد.. أعياد الميلاد.. الأعراس.. الدعوات... كل شـيء.. جمدت الحياة.. فقدت الأوكسجين العائلي.. لأن النت والتلفون.. رغم الكتابة والقراءة اليومية.. لا تكفيني... العائلة.. الأولاد.. الصديقات والأصدقاء... وخاصة نوع من الفراغ الحياتي العادي... يشبه الموت.. بين صمت الهاتف أحيانا.. أو سكايب.. ببعض فراغات زمنية.. بين هاتفين...
هذا الاعتصام.. هذا الانعزال.. نوع من تبشيرات الموت.. تقلقني.. وخاصة عندما أسمع أن الكورونا أو الكوفيد.. خطفت صديقة أو صديقا... وحتى جيران كنا نلتقي بهم بالشارع أو بأحد الأسواق.. نحييهم أدبا بابتسامة أو بهزة رأس.. ولم نعد نراهم.. أو نسمع من جار قريب.. غيابهم الأبدي.. وهم بأعمار مختلفة.. لأنه خلافا للبيانات الإحصائية.. لا يوجد أي لوغاريتم Logarithme ثابت لأعمار معينة ثابتة.. يخطفها هذا الوباء.. والذي شغل خواطرنا كليا.. جعلنا ننسى الأحداث السياسية.. والحروب.. والقوانين.. وصعوبات الحياة الروتينية اليومية... ولم نعد نتابع سوى تطورات Coronavirus وتؤامها القاتل Covid-19.. ولم نعد نتابع السياسات العالمية.. أو حروب الشرق الأوسط.. والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جيرانها... لأن هذه الأخيرة وجيرانها كلهم... ـ على ما أعتقد ـ منشغلون ببلاوي وأموات هذا الوباء وذيوله من حياة وموت.. لكل شيء... الموت الغاضب المجهول السريع.. والذي يحصد آلاف وآلاف الأرواح بالعالم.. دون تمييز أواستثناء... حصادة ميكانيكية روبوتية.. تحصد الأرواح.. وتساويهم بالخوف.. وتجبرهم على الاعتصام والاعتزال.. حتى أقرب ممن يعشقون أو يحبون...
إنني أكره هذا الخوف.. أكرهه.. لأنه يقتل بلا سبب.. ولأنه مجهول السبب.. ومجهول العلاج.. حتى هذه الساعة.. رغم مساعي آلاف العلماء المختصين بالأوبئة التاريخية الجماعية... ورغم آلاف مليارات الدولارات والأورويات.. ومساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. بعد عنترياته وتصريحاته.. بالشهر الماضي.. ظانا أنه كعاداته العنترية.. سوف يقهر الكورونا.. جمع جهابذة المخابر العالمية.. محاولا شراء سرعة اكتشاف اللقاح والدواء ضد الكورونا وتؤامها كوفيد.. فانطفأت عنترياته وعنجهياته وفراغ مخه.. إذ جاءه الجواب.. أن العلم والمخابر.. حاليا عاجزة عن تحديد وامتلاك الزمن الضروري.. لمحاربة الوباء... رغم محاولة ترامب فرض الأفضلية لأمريكا.. بعمليات قرصنة دولية.. للمنتجات الصينية كالكمامات وأدوات الإنعاش والأدوية الضرورية للمستشفيات الأوروبية.. وتحويلها باتجاه بلده... بعدما اشترتها قبله هذه الدول... والتي تخاذلت تجاهه بأنانية وانبطاح وغباء.. رغم احتياجات شعوبها اليوم.. أكثر وأكثر.. حيث يتفجر فيها عدد الأموات.. بأرقام مرعبة.. مخيفة.. مريرة حزينة... دون أي اعتراض واضح صريح قاسم فــعــال من الاتحاد الأوروبي... والذي أصبح بخذالاته وانبطاحاته... بهذه الكارثة الوبائية... يشبه جامعة الدول العربية... مع مزيد حزني واسفي...
مع كل اعتذاري من القارئات والقراء.. لأن كلماتي دوما لا تنتهي بأي تفاؤل (غير معقول).. وأن صراحتي تجلب لهم بعض حزن وفقدان أمل... لأن غالب البلدان الأوروبية.. وأعتقد غالب بلدان العالم... كل حكوماتها... تجاه هذه الكوارث الوبائية... أصبحت كباخرة ضائعة.. تجتاز عواصف رهيبة جبارة مجهولة... بلا قبطان... لم يبق فيها لإنقاذ ركابها... سوى الأطباء والممرضات والممرضين ومساعدات الممرضات والممرضين.. والعاملين بالوقاية ونقل الموتى ونساء ورجال الإسعاف.. ونساء ورجال الأمن الذين يعدلون الاعتصام الضروري... هن وهم بطلات وأبطال هذه الأزمة.. هذه الكارثة... وليس أفراد الحكومات.. كل الحكومات التي لم تراقب ولم ترتقب.. ولم تتحضر.. بكل طاقاتها الاقتصادية والبشرية والعلمية.. للوقوف والاعتصام مع شعوبها.. ضد هذا الوباء.. وهذه الكارثة المرتقبة.. من سنوات!!!...
لن أكتب لكم عن مشاعري الجماعية.. والاجتماعية... إنها بلا حدود... ولكن يا صديقاتي.. ويا أصدقائي.. اعتصموا.. اعتصموا ببيوتكم... بشكل حكيم.. واع.. كــامــل... لأن الاعتصام آخر حاجز معقول لصد هذا الوبــاء...
نقطة على السطر... انتهى...
غـسـان صـــابـــور ــ لـيـون فـــرنـــســـا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا