الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوفيد التاسع عشر...سيميولوجية الغزو

عمر عودى

2020 / 4 / 4
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


...قد تكون أسرع غزوة في تاريخ الأمم. ففي ظرف زمني قياسي، تداعت الأحداث في بقاع العالم. وانفرط وسط العقد بين المجتمعات، فتعطلت قوة الدفع فيها وقد تباطأت حركية الاقتصاد، وانكفأ كل قطر على ذاته في مواجهة الوباء الذي أبى إلا أن يتحالف مع واقع انكشفت علله وتبدت اختلالاته. علل طالما توارت خلف غيبة العقل، وتزييف الوعي، والانصراف عن الجاد والنافع من العمل. فكان أن ضعفت قيم الانتماء، وتقوت قيم الولاء لمبادئ الذاتية والفردانية، واندثرت روح التنافس والسبق على مضمار العالمية لدى كثير من الأمم. فكان لزاما ـ والحال هذه ـ أن يضطر الغازي المستجد، كوفيد التاسع عشر، الأمم الخاملة إلى استجداء غيرها للإفادة من الأدوات الدفاعية أملا في محاصرته أو التخفيف من حدته وتداعياته.
وأمام هول الصدمة، وضبابية الأفق ومحدودية الإمكانات، انبرت أصوات خافتة تؤصل الفاجعة، بين قائل بعمل دبر بليل، ومؤمن بعقاب السماء، وغير آبه أو مرتاب هارب إلى الأمام. فتبددت الجهود بين مكبر ومهلل في جنح الظلام، ومردد لترنيمة قداس، وباحث ببلاغة عن حجة المؤامرة ، بينما يستمر كوفيد في خنق الأنفاس.
كوفيد التاسع عشر، رغم سطوته، ليس غازيا تقليديا ولا مستعمرا، بمفهومه الامبريالي، لأنه التحف رداء العدالة في فتوحاته. فقد أغلق أبواب مآوي البسيطة عنوة، وأفرغ المساجد والكنائس والمعابد. وأوصد الحانات ومواخير الدعارة وفتح أبواب السجون. فلم يميز بعدله بين ضعيف الأمم وقويها، ولا بين غنيها وفقيرها، ولا بين قاصيها ودانيها. تسلل غير مكترث إلى أعتى مدمرات العالم في أعالي المحيط، واخترق بتاجه أشد أنظمة الحراسة حول القصور، وأسقم من هب من أبيض الجيوش يتصدى له. وأمام جبروته تهاوت كل التعاقدات الاجتماعية وتداعت الأعراف والتقاليد حتى في المآثم.
بيد أن عدالته في الحقيقة عمياء. ينكشف زيفها أمام قوافل الضحايا. فأغلبهم عليل تكالبت عليه الأسقام وأثقل كاهله تراكم السنين، فجافاه الساسة والأطباء والعشيرة فأُفرِد إفراد البعير الأجرب.
لكن، من رحمته أنه صدم وجدان المجتمعات الإنسانية برمتها، وضعضع التحالفات ونسف الفهم التقليدي لمعنى القوة. وكافح ليحول عالم ما قبل 2020 ـ في ما تبقى له من حياته ـ إلى أنقاض ستجعل المجتمعات تتسابق إلى الانبعاث من حطامها، وفق نموذج لا ينبغي إطلاقا أن يكون عنقائيا، بل وفق كيان ستقتضيه، لا محالة، العقود اللاحقة ضمانا للبقاء. لأن هذه النسخة المستجدة من كوفيد، ليست سوى جندي استطلاع لكتائب الغزاة الجدد، الذين أعلنوا عن غزوهم منذ سنين خلت، عقيدتهم الإصرار وتجديد آليات الردع.
ومن رحمته كذلك أنه أزاح قناع المتنكرين وأماط اللثام عن أشباه العلماء والمثقفين وعوام الساسة والمطبلين، وكأن لسان حاله يقول (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) لعلهم يتنبهون. فأشفق لحال معاهد العلم ومدرجات الجامعات ومختبرات البحث العلمي، مطرقا لحال المثقفين والعلماء. فخفف من فرط قوته إذ أدرك أن العدة واهية، زاد من وهنها طفح المجتمعات بالمغاني والمراقص والتافه من النماذج، وجهل الساسة وتهافتهم على مركز القرار.
كوفيد التاسع عشر يسير حثيثا، بعقيدة الجندي، ليبلغ مبلغا محددا من قبل، وسيتوارى كسابقيه. والنبيه من مجتمعات البشر من سيترقب ابنه أو حفيده في غزوة، من يدري، قد تكون أشد فتكا، وقد تأتي على المتقاعسين الذين أبوا أن يعيدوا المراتب إلى نصابها، وأن ينظموا الأولويات في سلمية ترقبية تعزز المناعة وتغني آليات الدفاع، وأن يعيدوا الاعتبار لمن زحفت عليه جحافل المتملقين والوصوليين وعامة العوام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا