الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا بد من ثورة تقدمية

سعد كموني
كاتب وباحث

(Saad Kammouni)

2020 / 4 / 5
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


ليس من الضروريّ أن يكون الإنسان فاشلاً في الحفاظ على حضارته، عندما يفشل أو ‏يرتبك في مواجهة جائحةٍ فايروسية؛ فمنجزات الإنسان باتت عظيمةً وعظيمة جداً في مجال ‏سيادة العقل على الظواهر الطبيعيّة، ولكن الحضارةَ ستبقى مع هذه السيادة يعتورها النقصان، ‏مما يودي بها وبمنجزاتها عاجلاً أم آجلاً، ذلك أنّ التقدّم الحضاريّ يقوم بالهيمنة المعرفية على ‏الطبيعة، إضافة إلى الهيمنة على مجمل النوازع النفسية، ولا يمكن أن يحصل التقدّم الحضاريّ ما ‏لم يكن التعاضدُ بين طرفي هذه الثنائيّة.‏
إذا كانت الهيمنة على الظواهر الطبيعيّةِ مبررةً بالحاجةِ الإنسانية التي تقتضيها العلاقة بين ‏الاجتماع البشريّ والطبيعة في كنف الزمان، فإنّ الهيمنةَ على النوازع النفسيّة أيضاً يجب أن تكون ‏مبررة بالحرص على سلامة الاجتماع البشريّ في علاقته مع الطبيعة. وهنا تنشأ الاجتهادات ‏والرؤى المختلفة التي تقدِّر حجم التدخل في الحياة الفرديّة أو الجمعيّة، بموجب القوانين الوضعيّة ‏أو المرجعيّات الإيمانية الروحية، في تحديد طبيعة الهيمنة على هذه النوازع والحدّ من أخطارها ‏المتوقّعة على الأفراد ومجتمعاتهم. وهنا أيضاً تتأسس الاختلافات التي تتطور إلى خلافات حول ‏الخصوصيّة والعمومية. إذْ لا يوجد ما هو خاص لا علاقة له بما هو عام، ولكن بعض ‏الخصوصيات قد يكون خطرها محدوداً أو غير بادٍ فلا يحق لأحد أن يتدخّلَ بها، سوى القانون ‏الذي يحميها ويحمي الأفراد وجماعاتهم من إمكان تماديها. أمّا النوازع التي تهدّدُ الاجتماع البشريّ ‏واستقراره فهي التي ينبغي أن تعقدَ لأجلها الاتفاقيات، وتحدَّد كل العلاقات الإنسانية بما لا ‏يتناقض معها.‏
صحيحٌ أنّ الحاجات تختلف من بيئة إلى أخرى، ومن ثقافةٍ إلى أخرى، إلا أنّ الصحيح ‏أيضاً أن استمرار السلامة الإنسانية على ظهر الكوكب، يقتضي ترشيداً للحاجات، وتشكيل ‏قناعات مشتركة بأنّ الطبيعة للجميع، وظواهرها تعني الجميع، ومعرفتها ينبغي أن تكون متاحةً ‏للجميع، وأن يكون السعي دؤوباً ليكون الجميع خاضعاً بشكل أو بآخر لما تقتضيه المعرفة. وتسيّدُ ‏العقل ممكنٌ بمقدار ما يبدع في هذا المجال أو ذاك، لا بمقدار ما يستهلك من آثار الإبداعات.‏
إذا كان التصدّي لبعض الظواهر الطبيعية يقتضي أن يبنى على ما يعلم؛ فلا يجوز أن ‏تُحتكر المعلومة ارتهاناً لنوازع الأرباح، أو لأيّ سبب آخر. فالمعلومةُ للجميع، طالما أن الظاهرةَ ‏تتحدّى الجميع. وهنا تجدرُ الإشارة إلى أن تسيّدَ العقل على الظواهر قد لا يكون سوى وهمٍ على ‏الأقلّ ببعض جزئياته، إماّ لأنّ العقل بات مطمئنّاً لآلياته العريقة، وإما لأنّ الظواهر قد أدمنت هذه ‏الآليات فبات أداؤها متطوراً ومختلفا، وفي نظر العقلاء كما لو أنها لم تتغير. الأمر الذي ‏يستدعي إعادةَ النشاط وبعث العقل من جديد بغية تمكينه من السيادة مرّةً أخرى، وشماتةُ ‏المعترضين على المؤمنين بالعقل تاريخياً،لا تجدي وليس لها أيّ معنىً؛ فهم بالنهاية سيعالجون ‏مرضاهم بما يمليه الطبيب.‏
طبعاً أنا لا أعترض على الجانب الروحيّ الذي يشكلُ مرجعيةً ثقافيةً يحدّ بها الإنسان من ‏إلحاح نوازع النفس؛ بل أراها ضرورةً لا بدّ منها في كبح الغرور والاعتداد، كي يتسنّى للإنسان أن ‏يموضع نفسه بإزاء الطبيعة وظواهرها، الموضع الواجب ، بل ينبغي أن يكون هذا الجانب هو ‏الضامن بمثابة النفس اللوامة، أو الضمير الحيّ، أمام الكشوف العلمية وما تتيحه من إمكانات ‏القهر والاستعباد والإذلال.‏
كما أني لا أعترض على أعمال العقل الذي يشكّلُ مرجعيّة علميّة يحدّ بها الإنسان من ‏إلحاح الظواهر الطبيعيّة على حياته؛ بل أراها ضرورةً لا بدّ منها في تعزيز الرهان على إنسانية ‏الإنسان، ومسؤولياته تجاه حياته والكون، بل هو ضرورة ليمضي الإنسان في هذا الكوكب على ‏هدىً من أمره وسلطانٍ مبين. ‏
إذن، لا بدّ من ثورةٍ تقدّميّة في ترشيد المسار الحضاري، موقفٍ جذريّ شمولي علمي، ‏يجعل الإنسان سيّداً على الطبيعة، وعلى نوازع النفس البشريّة، وهذا يقتضي أخلاق الاجتهاد ‏والبحث العلمي، كما يقتضي سيادة القانون فوق المصالح الآنيّة لأي متنفذٍ معنويّ أو شخصيّ، ‏فالإنسان فوق كل قيمة، وما من ضامن لهذا سوى عقلنة القوانين الوضعية وغير الوضعية، ‏وسيادتها في كل المجالات والأمداء. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة