الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شوقٌ في زمن ( الكورونا )....قصة قصيرة

جمال حكمت عبيد

2020 / 4 / 5
الادب والفن


لا أحد كان يتوقع، أن يجد غالبية محلات مدينته ومقاهيها قد أغلقت أبوابها، وأرصفة شوارعها خلت من المارة، أو من أي عابر سبيل كان يتحف الناس بصوته او بمعزوفته، طيور المدينة أصبحت تأخذ ساحتها الكبيرة طولاً وعرضاً دون أن تجد من يدلّلها بفتات الخبز، والأصعب من هذا أن يجد الفرد نفسه فجأة حبيساً بين حيطان البيت، يدير عمله منه، وإن كان بلا عمل فالكارثة أكبر، كل هذا وأكثر جاء بسبب فايروس (كورونا) اللعين الذي حلّ على البشرية ضيفاً ثقيلاً غير مرغوب به... قصة ظهوره في الكون اختلف المنظرون عليها، منهم من قال: إن الطبيعة توازن نفسها، ومنهم من قال: بسبب الإهمال، أو أكل طعام غير معتاد ، ومنهم من اكتفى بنظرية المؤامرة.

لم يكن مهتماً بطريقة ظهوره وأسبابها، بقدر ما كان مشتاقاً لرؤية وجه من أحبها، بعد أن فرضت السلطات حظر التجوال، ونصح الأطباء الناس بالبقاء في بيوتهم، وهذا أسلم الحلول في نظرهم؛ لكي لا تحدث الملامسة، وتنتقل العدوى بينهم، فينتشر هذا الوباء . حقاً إنه زمن الموت الذي لم يكن بالحسبان، في الحرب أحياناً تعرف عدوك وتستطيع أن تنقذ نفسك بغالب الأحيان، أما هذا الوباء فعدواه سريعة الانتقال بين البشر، ويميت من يصيبه بعد أيام، حزينة أيامنا هذه دون لقاء .

لم يستطع إخفاء اشتياقه لها، كان يتوسل أن يصل إليها، يتحايل لرؤيتها، وهذا أكثر الأخطار عليه، وعليها، إن خرج من البيت، والتقاها.

أخذت الحياة تضيق به ذرعا، بات يبحث عن شيء يفرحه ويجلب لحظات السعادة إليه، إذ لم تفارقه صورتها، ضحكتها البريئة، وابتسامتها التي كان يجد فيها ربيع أيامه؛ وسرُّ محبته لها أنها كانت كلما ابتسمت أو ضحكت له، يضمّها في الحال إلى صدره، لا يتركها إلا وقد أودعَ قبلة على خدها، لم تطلب منه شيئا يضنيه، ولم تقل له شيئاً ذا كدر، جعلت أيامه أملاً بعد خريف مملّ، وأصبحت سلوته عند شتاء بارد، وأميرة أيامه وربيعها الدائم.

- لا... لا... بصوت عالٍ صاح، وأردف: الوضع لا يطاق ما الذي أبعدك عنّا، ما أصعب الاشتياق؟، حمل هاتفه دون تردد أو مواراة...

- ألو: - أهلا: كيف حالكم؟ - الحمد لله.. هل هي صاحية؟

- نعم - أرجوك اذهب إليها، وافتح الكاميرا معها الآن، فقد ضاق صدري ولم أعد أحتمل عدم رؤيتها.

- لحظة:

وإذا بوجهها يملا شاشة الهاتف... تنظر إليهما بعين حائرة، كأنها لا تعرفهما، تريد أن تتذكر من يكونا.

لقد فرحا فرحاً عظيماً برؤيتها، وأخذا يلوحان لها بيديهما، يناديان عليها : هلو (نينيا) أنا جدو... وأنا جدتك...

تسمرت في مكانها، وأخذت تجول بعينيها نحوهما.. كادت أن تبكي من فراقهما، أو من استغرابها لوجهيهما، فهي حبيسة البيت أيضاً، ولما عرفَتهما، أخذت تهزّ جسدها فرحا، وتطلق أصوات سعادتها، وحين ابتسمت عادت البسمة والفرحة لهما، يحدثانها وهي ترقص على نغمات صوتيهما، وبينما هي تضحك، بان سنها اللبني الوحيد، كأنه حبة قمح في فمها، وغدا مفاجأة لهما، لقد كبرت حفيدتنا بعد شهر من غيابنا عنها.

لَعَنا (كورونا) بما فعلته من فراق جبري، سارقةً أجمل لحظات العمر مع الأحفاد. هكذا تعلمنا الأيام... قد يأتي الربيع ويذهب دون أن نشعر بجمال أزهاره . صبرا جميلاً، عسى أن تزول هذه المحنة، وتعود إشراقة الأيام .

حمى الله البشرية جمعاء من قادم الأيام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل