الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم في ميزان كورونا

علي بوراس
(Ali Bouras)

2020 / 4 / 5
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


لقد صار المجتمع الدولي بكل فئاته على علم بالمستجدات التي أحدثها وباء كورونا في العالم، وأضحى على اطلاع بالتغيرات التي ألحقها هذا الوباء بكل مظاهر الحياة العامة والخاصة. لقد ألحق هذا الكورونا بالبشرية مجموعة من التغيرات التي لم تألفها منذ زمن بعيد، ومن أبرزها أنه حول دول العالم بمدنها وعواصمها إلى أطلال خاوية على عروشها إلا من عدد محدود جدا من الأفراد، وحوّل الشوارع أزقة مقفرة موحشة في عز النهار. وقلب عددا من النّظم والأنماط الاجتماعية التي كانت سائدة قبل ظهوره. وهذا القلب هو ما أثار انتباهنا ودفعنا لتحرير هذه المقالة.
لقد حجر وباء كورونا على الأطفال والرجال والنساء في المنازل رغما عن أنفسهم، وعزل فئات عريضة من الناس عن وظائفهم إلى أجل غير مسمى، وغيّر الكثير من عادات الناس في حركاتهم وسكناتهم... لقد حقق لتلك الزوجة حلمها وهو؛ أن يظل زوجها بجانبها في البيت دون أن يتركها قاصدا المقهى والأصدقاء، لقد صار الآن يقبع بجانبها وفق بلاغ وزاري أرغم الكورونا كل حكومات العالم على إصداره، تحت عنوان "الحجر الصحي"، وتحت شعار "الزم بيتك واحم نفسك وعائلتك".
لقد أخذ كورونا بالمجتمع الدولي إلى إعادة النظر في مجموعة من التصورات والانطباعات والتقييمات. ومن بين ذلك أنه أظهر قيمة بعض الفئات الاجتماعية التي لم يكن المجتمع يعرف قدرها حق المعرفة، وأعاد لها الاعتبار والمكانة التي تستحقها، ومن بينها الطبيب والممرض، والأستاذ، وقوات الأمن، وعامل النظافة، وصاحب الدكان. وسنركز في هذه المقالة على قيمة هؤلاء في المجتمع، بعد أن كشف عنها الكورونا بشكل ملموس.
يصح القول؛ إن الكورونا لقننا درسا لن يُنسى أبدا، لقد أخبرنا أننا لم نكن على جادة الصواب في تقديراتنا للأمور وفي تقييمنا للأولويات المتعلقة بالحياة العامة والكرامة الاجتماعية والإنسانية. فمن قبل لم نكن نعلم (باستثناء فئة قليلة منا)، من هو الأحق بالتقديم في النهوض بالحياة الاجتماعية الاقتصادية وتخليقهما. ولم نكن نعلم من هو الأحق بالرعاية والدعم والاهتمام. وفي مقابل ذلك أصبحنا نعلم أن هناك فئات من المجتمع، أفرادا ومؤسسات، حقها التأخير وذيل الترتيب في أولويات التفكير الهادف في ازدهار الإنسانية علما وعملا.
فخلال زمن الكورونا أصبح المجتمع يعلق آمالا كبيرة على الطبيب والممرض لإخراجه من هذه الجائحة، بأقل ما يمكن من الخسائر البشرية والمادية، ووضعت دول العالم كل الإمكانيات المتاحة - بما فيها جهاز الأمن بكل فئاته- في يد الطبيب ووزارة الصحة عموما، لتفعيل القرارات المتخذة بصدد الاجراءات الاحترازية للحد من انتشار وباء كورونا المستجد "كوفيد 19". وبهذا نَقَلَ الكورونا الأطباء والممرضين ووزارة الصحة إلى مركز الصدارة في ترتيب أولويات المجتمعات.
فخلال زمن الكورونا صار الآباء والتلاميذ والطلبة يعلقون الكثير من الأمل على الأساتذة والأستاذات لضمان السيرورة التعليمية للمتعلمين وإنقاذهم من شبح "سنة بيضاء". لقد لازم كل من رجال التعليم والأطقم الإدارية والتربوية مكاتبهم وحواسبهم، حرصا على إمداد التلاميذ والطلبة بالدروس والمحاضرات النظرية والتطبيقية، تفعيلا لقرار التدريس عن بعد الذي اتخذته وزارة التعليم بعدد من الدول، كإجراء احترازي لحماية مرتفقي العملية التعليمية التعلمية، وللحد من انتشار الوباء بينهم.
وبهذا؛ كان الكورونا سببا في تقييم الدور الذي يضطلع به رجال التعليم في تربية التلاميذ وتعليمهم، ومن الآباء من عرف بذلك حق المعرفة بعد أن اضطلع على الأمر بنفسه حين أُرغم على مواكبة تعليم أبنائه وتتبع سيرورة تعلمهم عن بعد، فاستشعر حجم معاناة الأستاذ في ضبط الأطفال وتحمل ضجيجهم ودفعهم لتحصيل مكتسباتهم المعرفية.
إلى جانب رجل التعليم وأطقم إدارته، لازال رجل الأمن يزاول مهامه، وفي ظروف تجعله دائما في عرضة للإصابة بالوباء لاحتكاكه مع المواطنين بشكل مباشر. لقد تجندت قوات الأمن العمومي، بشتى عناصرها، في كل دول العالم لتفعيل إجراءات الحجر الصحي لحماية الموطنين من انتقال الفيروس إليهم، وتحسيسهم بخطورة هذا الوباء. مما زاد من متاعبهم المهنية وضاعف من ساعات عملهم. وقد أشاد المواطنون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالدور الذي تضطلع به هذه الفئة لحماية المواطنين والسهر على أمنهم الصحي والاجتماعي عموما.
غير بعيد عن هذا؛ لقد أصدرت حكومات دول العالم قراراتها لإيقاف كل الأشغال التي يمكن أن تشكل فرصة لانتشار الفيروس بين المواطنين، وبقي عامل النظافة مستثنيا من تلك القرارات، ولازال يزاول عمله في النهار كما في الليل، مما يدل على أنه عنصر من العناصر الاجتماعية –إلى جانب الطبيب والأستاذ ورجل الأمن- التي لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة الاجتماعية مهما كانت الظروف أو مهما استجدت واستفحل الوضع. بهذا الصدد شكلت جائحة الكورونا فرصة لإعادة النظر في وضع عمال النظافة وتحسين ظروف عملهم وتكريمهم على ما يبذلونه من جهود لنعيش في وسط نقي وصحي.
فخلال زمن الكورونا صار يُعوَّل كثيرا على البقال، ولم تترك إجراءات الحجر الصحي للناس غير محله لاقتناء حاجاتهم الأساسية المتعلقة بالتغذية. فبعد الإعلان عن إغلاق المحلات التجارية الكبرى والمقاهي والمطاعم صار الدكان الوِجهة الوحيدة للمواطنين للتزود بالحاجيات الحياتية الضرورية. لقد أصبح صاحب الدكان عاملا أساسيا تفسح له السلطات الطريق للولوج إلى مقر عمله، وتُرفع له القبعة إذا عُرِف بالتزمه بما يلزم وظل رحيما بالناس بالحفاظ على سعر المنتجات دون استغلال هذه الوضعية الحرجة.
يمكن القول إن هذا الاعتبار الذي أعاده الكورونا لصاحب الدكان خير دليل على أن تلك الفتاة كانت حكيمة حين رفضت المهندس والطيار ومن هو أكثر منهما عزا ونفرا وعلما وخلقا ومالا، وتزوجت بجارها البقال. لقد صار بعْلها اليوم، في زمن الكورونا، العامل الأكثر أهمية في العالم. يصح القول؛ إنها قد كانت على اطلاع بمجريات الأحداث. ولا شك أيضا أننا سنسمع قريبا عددا من الفتيات يقلن – بصيغة من الكبر والغنجهية بادية للعيان- "لقد تقدم لخطبتي بقال حيِّنا المعروف بمحله الكبير... ولكنني رفضت، سأتزوج من أحب ولو كان طيارا أو مهندسا".
إن هذا الذي قلناه – بأسلوب لا يخلو من الدعابة - يعد مظهرا من مظاهر القلب القيمي التي أحدثها الكورونا بموازين العالم، قيّما وعُرفا واعتبارا. ونرجو أن يكون العالم، والعالم العربي على وجد التحديد، قد تعلم هذا الدرس، كما نرجو كذلك أن يحافظ على هذه الموازين الكورونية الحقيقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء الاسرائيلي يستبق رد حماس على مقترح الهدنة | الأ


.. فرنسا : أي علاقة بين الأطفال والشاشات • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد مقتل -أم فهد-.. جدل حول مصير البلوغرز في العراق | #منصات


.. كيف تصف علاقتك بـمأكولات -الديلفري- وتطبيقات طلبات الطعام؟




.. الصين والولايات المتحدة.. مقارنة بين الجيشين| #التاسعة