الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيمة الادارة والاقتصاد

حسن عزيز الياسري

2020 / 4 / 5
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


     صعدت على الطريق مستأجرا صاحب تكتك وهو شاب في مقتبل العمر ، والظاهر انه يعمل على طريق دائرتي التي تقبع غير بعيد عن ساحة الطيران وسط بغداد ، فسألته عن وجهته ومكان عمله فقال بأنه يعمل على طريق شارع النضال المؤدي الى ساحتي الطيران والتحرير ونظر لي عبر المرآة وقال اطمئن فانت على طريق عملي ، فتبسمت بوجهه ، ولعله كان منتظرا مني السؤال  عن الاجرة .
شعرت وقد اطربت مسامعي ودغدغت مشاعري بشيء من الفرح والحزن في آن واحد اغنية وطنية عبر جهاز التسجيل الخاص به ، كنا قد سمعناها قبل اعوام قليلة تصرمت وهي خطاب مقاتل لوالدته من ارض احد معاركنا التي لا تنتهي ، حيث يقول مخاطبا اياها  :

بخاصرتي خنجر لو سيف بركبتي ..
لو حشمت يا خوي ما اعوفن اختي ..

لو بالعلم ملفوف لو بيدي ارفعة ..
كاتب عهد عالروح وبدمي اوقعة .. يا يمة ،

فبدأت اصابعي وجزء من ذراعي بحركة راقصة من حيث لا اشعر منسجما مع الحان تلك الاغنية الوطنية الحماسية التي تغنت بحب الموصل الحدباء اثناء تحريرها من رجس التطرف ، مستذكرا تلك الايام التي لا زال ثراها رطبا في الذاكرة ، رجال وأشباه ، موت وحياة ، وجوه ومواقف ، قلوب ودماء ، وداعٌ وامنيات راحلات ، فقطع سفري القصير صاحب التكتك قائلا : (( عمو ابدل الاغنية ، شو انت تركَص وتبجي )) .
لعله لا يعلم بأن الطير يرقص مذبوحا من الالم .

تحية حب وعرفان وسلام لتلك الوجوه الطيبة والقلوب التي نزفت على ارض الموصل وصلاح الدين والانبار وساحات التظاهر والاعتصام وكل جزء من ثرى عراقنا المتسلح بدماء ابناءه البررة ، ولكل من صدح لسانه ودمه ضجيجا عراقيا خالصا بالولاء ونزف فؤاده قبل جسده دما وطنيا خالص الانتماء .

وصلت الى وجهتي واعطيته اجرته وزيادة لانه يحمل عبئا اخر غير اعباء نفسه وعائلته ، هو عبئ بعض من زملاء دربه ورفاق مسيرة علمه من اخوته المتظاهرين في خيمة الادارة والاقتصاد ،  مقابل المطعم التركي او جبل اُحد كما لا زال يحلو للبعض تسميته .
لعل التضحية ونكران الذات وتفضيل الاخرين على النفس وسط هذا الواقع البائس المرير والمستقبل المجهول ، هي بحق ميزة لا يتخلق بها سوى الكبار واصحاب الرسائل الانسانية الكبرى ، فلولاهم لاستحالت ارض الكوكب الى بلقع او عدم .

لا زالت وقفا في احدى زوايا ذاكرتي منذ الطفولة تلك المحادثة الشيقة التي قرأتها في كتاب العبرات للشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي مع احد الاشخاص الذين كتبوا له ، حيث يسأل الشيخ مستغربا : لماذا لا تكتب عن السياسة والسياسيين وشؤونهم ، كشأنك في الكتابة عن الاخلاق والاجتماع ؟؟
فأجاب الشيخ : بأنه لا يكتب عن السياسة واهلها كونه من اشد الناس بغضا بهم كبغضه للغدر والخيانة والسرقة ، وانه لا يحب ان يكون سياسيا لانه لا يريد ان يكون جلادا  !!!
فلا فرق (( برأيه )) بين السياسي والجلاد ، الا ان هذا يجلد فردا واولئك يجلدون امة .
فلا يستطيع المتصدي للسياسة ان يكون سياسيا الا اذا كذب في اقواله وافعاله وكان منافقا وخائنا للامانة بأمتياز .

ونحن نعيش ازمة جائحة كورونا ، بكل الارتباك والتوتر والهلع والاذعان لواقع صحي تعسٌ ومرير ، تذكرت ما فعلته وزيرة الصحة السابقة بتوقيعها لعقد شراء ما يجعلني اترفع عن ذكره هنا احتراما بالذين ذكرناهم ولعيون القراء كذلك ، ولننعش ذاكرتنا بالسؤال عما فعلته هذه الوزيرة في زمن بائس يحكمنا فيه الأراذل والجوعى ، بأسم السياسة والسلطة ومفاهيم كاذبة اخرى طيلة اكثر من ١٦ عاما ، وكيف تمت مسرحية استجوابها الهزلية في مجلس النواب المعفر بالنزاهة والشفافية ، فصل مكرر لفصول رواية الفساد المتعاقبة .

رحمك الله يا شيخ ، ما ادركنا سر ما جادت به قريحتك الا بعد ان رأينا بأم اعيننا وعشنا بكامل وعي حواسنا تجارب هؤلاء المشوهين القادمين عبر الحدود ، كوارث ومآسي وخطايا طالت شعبنا الطيب المغلوب على امره ، موتا وذلا وتهجيرا ومرضا وحاجة ، فكانوا خونة الامانة بأمتياز .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم