الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية والقيود الطوعية

ازهر عبدالله طوالبه

2020 / 4 / 6
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


لَقَد أساء البعض منّا في فهم معنى الحَجر الذي نعيشهُ اليوم، وعلى المدى البَعيد، اتّهم مَن فرضه عليّنا بأنّهُ يهدُف إلى تقيدِ معظم الحُريات الخاصّة بنا، لكن، في حقيقةِ الأمرِ لَم يكُن فرض هذا الحجر كما اعتقدَ هؤلاء، فالحجر فرضَ عليّنا حِرصاً على صحّتنا، ولَم يُفرَض عليّنا لسوء صحّتنا - وهُنا فرقٌ كبير، ويَجِب علينا أن نعي هذا الفَرق جيّداً -، لنكون من خلال هذا الحرصِ، قَد استطعّنا الحفاظ على ديّمومةِ الحياة .

ومِن جانبٍ آخر، وهو الجَانب الأهم، والذي كانَ سبباً في كتابتي لهذا الكلام، أنّ هناكَ كثيرٌ منّا لَم تُسّعِفَهُم ظروفهم النّفسيّة -التي لَم يعتادوا عليها- على إستغلالٍ الحجر بما يعودُ عليّهم بالمنّفعة، والمنّفعة هُنا مُتعدِّدة وكثيرة، وأهمّها المنّفعة التي تُمكّنكَ من فهمِ ذاتكَ الحقيقيّة التي لا تختبئ وراء ستار الوَهم، ولا ترّتدي قُبعة المثالية، والتي تسّعى إلى أن تجعلكَ مُتصالحاً مع الكثير من قراراتك، وتُمكّنكَ مِن معرفة ما تُحبه وما تكّرَهه، وما تقّبلهُ وما ترّفضهُ، وأعتَقِد بأنَّ مَن يسخّر لهذه المعرفة جُلّ هذه الفتّرة الطويلة " فترة الحجر"، مُحاولا إمتلاك هذه المعرِفة ؛ يكون بذلكَ قَد استطاع الوصول إلى التّصالح النّفسي، الذي يمكّنهُ من العيشِ بأمنٍ وسلامٍ واسّتقرار ذاتي ..

ربّما، الأوقات الماضية التي قضاها هؤلاء بعيدين عَن أنفُسهم، لَم تُمكّنهم مِن معرفةِ المقّصدِ الحقيقي للحَجر، وتجاهلوا -أيضا- بأنَّ خروجهم بفوائدٍ كثيرة من هذا الحَجر الذي فُرِضَ عليّهم ؛ لا يكون إلا بالتّركيزِ على الكثير من التغيّرات التي طرأت وما زالَت تطرأ عليهم .

يقول ألبير كامو:
" الحرية هي فرصة لنكون أفضل "

ومن خلال هذا القَول، نستَطيع أن نقول، بأنَّكَ إن أردتَ أن تهدمَ أحلام، وتُبعثرَ آمال، وتلّغي إنجازات لأي إنسان ؛ فما عليكَ إلا تُقوِّضَ حُرّيته ..
والسّؤال الذي لا بُدَّ مِن طرحهِ هُنا هو ..
هَل الحجَر - كما ذكَرت في المقدمة- يُقوِّض حُرياتنا، ويهدِم أحلامنا ؟!
وهَل الحِرص على صحّتنا لا يُعتبَر حُرّية ؟!
وبوجّهةِ نظري المُتواضعة، لا أعتَقِد ذلك ؛ لأنّ العاقلَ يعي بأنَّ هذا الحَجر، هو تقويضٌ طوّعيٌّ ذاتي، وإن قُمنا بمُقارنتهِ مع غيّره مقارنة بسيطة، لوجدّنا بأنَّ الفارق كبير جداً بيّنهما، ولوجدّنا بأن ما نحنُ به اليَوم، ليس حجراً ؛ إذ أنّنا نتمكّن من الحصولِ على كُلّ ما نُريد بطرُقٍ بسيطة ويسيرة، وتوفّر الأجواء المُناسبة للإبتعاد أكثر عن الضّوضاء المُجتمعيّة، والتي يجِب علينا أن نستغلّها بأفضلِ الطُرق .

أمّا فيما يتعلَّق بالإجابةِ على السؤال الثاني، فإنّني أقول :
لا، الحِرص على الصّحة هو أساس الحُريّة ؛ لأنّ الصّحة أهمّ من الحُريّة وكما قال عزّت بيجوفيتش : " عندما تكون في السّجن، تكون لكَ أُمنية واحدة هي الحُرية، وعندما تمرَض في السجن لا تُفكِر بالحُرية، وإنّما بالصّحة "..

أعلَم بأنَّ الكثير منّا يُعاني مِن شتاتِ التّركيز، وأنَّ صخبَ الحياة قَد طوّقنا بحواحزٍ كثيرة ؛ حتى ظنَّ بعضنا بأنّ هذا لَم يتجاوز حدود تقويض الحُريات، ولكن يجِب علينا ألا نقفَ أمام هذه الحواحز عاجزين، مكّتوفي الأيدي، ويجِب علينا أن نحول أنفسنا، نحو تلك الطاقات المُخبّئة في داخلنا، وأن نزيل كُل العراقيل من أمامها..

ومِن هُنا، أودُّ أن أقولَ لكُم : " استغلّوا الحَجر بما هو أنفع لكُم، الأمر ما زالَ بيدكم، حتى لو سيّطرَت عليّكم الضغوطات، وامتدت الساعات والأيام والشهور !
نحنُ الآن من نقود دفّة الوضع إمّا للغرق دون مبرر وإمّا للنجاة العقلانية !
الوقت أثمن من أن نُضيّعهُ في إثارة الهلع، ودبِّ الرّعب في قلوبِ البشَر في هذه المجرّة الصغيرة..
الوقتُ أثّمَن مِن أن نُضيّعهُ في مُلاحقةِ الإشاعات وتصديقها، والتربّعِ أمام هواتفنا، لمتابعةِ مواقعِ التواصلِ الإجتماعي، للإنتقاد هنا والحسرة هناك.
الوقتُ أثّمَن مِن أن نقضيه على فراشنا، متأبّطينَ وسائدنا، غارقينَ في بحرٍ من الأوهام.. "

الحجر مِن أجلِك، الحَجر فُرصةٌ لكلِّ واحدٍ منّا ليُعيدَ بناء نفسه، علاقاته، أفكاره، مفاهيمه، آرائه، تصوّراته،
منّعكَ من الخروج ؛ لا يُقوّض حُرّيتك..
هذه فُرصة جديدة لتقرأ عَن الحُريّة..
فُرصة جيّدة لتُلمّلم ما فاتكَ وما غفلتَ عنهُ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا