الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإداراتين الكردستانيتين في مواجهة كورونا

محمود عباس

2020 / 4 / 8
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


الإدارتين الكردستانيتين حديثتي العهد، خبراتهما في تسيير شؤون الشعب، وإدارة المؤسسات الحكومية وقطاع الخدمات الاقتصادية والاجتماعية قليلة، مقارنة بالتي تتصدر العالم أو حتى الإقليمية، وبالتالي فأي انتقاد لهما أو عرض لنواقصهما من وجهات النظر المختلفة، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، كجدلية ذات حدين؛ بقدر ما ستطعن قد تحتوي على الإيجابيات، وعليهما أن يدرسان ما يعرض عليهما من إشكاليات، من واقع عمرها الزمني وقلة الخبرة والتجارب، كما وعليهما الاستفادة من تجارب الأخرين، فكما نعلم أن الحكيم هو الذي يستفيد من أخطاء غيره، وليس فقط من أخطاءه.
ربما ستفتح الكارثة العالمية الحالية أعين إدارتينا الكردستانيتين على ثغرات ما في أساليب إدارتيهما وتعاملها مع المجتمع، بل وعلى علاقاتها السياسية الداخلية. وهي المتوقعة من الدول العالمية بعد مرور خطر الوباء، فقد برزت نواقص نادرا ما كانت تلاحظ أو يعير لها الانتباه قبل هذه الصدمة ومهاجمة الفيروس للبشرية، وهي ذاتها المتوقعة من معظم الأنظمة العالمية وحتى من المنظمات الدولية، فتبين أننا وهم ضعفاء بدون تكاتف كل الأطراف السياسية والثقافية والاجتماعية، ولا بد ومن على هذا البعد الوطني أو الإنساني إعادة النظر في قضايا التعامل الداخلي، وهذه موجهة بشكل خاص لإدارتينا الكردستانيتين السياسية، والأسباب عديدة لسنا بصددهم الآن.
خلال فترة زمنية قصيرة، لا تتعدى الشهور، تصدرت كارثة كورونا جميع القضايا المصيرية في العالم، رغم اختلاف بصماتها ما بين منطقة وأخرى، وعالم وأخر، ورغم أن وباء العوز والفقر في المجتمعات المتخلفة، إلى جانب الحروب في العديد من المناطق الساخنة وخاصة بين الشعوب المعانية، وقبلها الحربين العالميتين، والصراعات الاقتصادية بين الدول الكبرى، دمرت الكثير من الشعوب والدول، وأغلقت العديد من أبواب التعامل الإنساني، إلا أنها لم تؤثر على البشرية نفسيا واقتصاديا واجتماعيا، مثلما فعلتها هذه الكارثة الطبيعية البيولوجية (هنا لسنا في صدد من المسبب وكيف ظهر وانتشر وما هي الأسباب).
فالرعب المرافق للوباء دفعت بدول العالم الثالث إلى حالة من الفوضى، وقد تدفع بها إلى شبه دمار، بشري بعد الاقتصادي، ولإنقاذ ذاتها وهي في حالة الارتباك الذي تعيشه وضعف الإمكانيات تحاول تقليد أساليب الدول المتطورة والتي تملك كل الإمكانيات حتى الآن، فتعرض مصير شعوبها إلى تفاقم أوضاعها الإنسانية-الاقتصادية المنهارة أصلا، وبالتالي إلى خطر الموت البطيء على الموت السريع من وباء كورونا؛ بفرض الحصار على الشعب والحجر الصحي، وإغلاق مراكز العمل، والمؤدية إلى زيادة الفقر والعوز وبالتالي إلى تفاقم قلة التغذية وليس فقد سوئها، وبالتالي سهولة انتشار الإمراض النابعة من الجوع وضعف الرعاية الصحية. وجل هذه الدول النامية ومن بينهم الإدارتين الكردستانيتين، لا يبحثان أو لربما لا يعالجان الأزمة من واقع ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والصحية، فعليهم أن يدركوا أنه ليست كل الأساليب المتبعة في الدول المتطورة تتلاءم وأوضاعهم. ولا شك أن العالم وخاصة الدول المتطورة كانت ستعاني الدمار الأكثر فيما لو لم تقم على فرض الحجر الصحي ومنع التجول.
معظمنا أصبح يعلم، وخاصة الاختصاصيين، ومن بينهم الإدارات الصحية، أن جميع الدراسات الطبية تؤكد على أن نسبة الوفيات بوباء كورونا لا تتعدى 5% في أبشع مراحلها، وأن نسبة تصل إلى 70% من المرضى يصحون حتى دون المعالجة، والكثيرون الذين ينقلون إلى المستشفيات في الدول المتطورة؛ لا تتم معالجتهم بقدر ما يوضعون تحت المراقبة، لأن أدوات المعالجة لا تزال شبه معدومة تقريبا، خاصة الأدوية، كما وأن أجهزة التنفس ليست بتلك المنفعة، فما بالنا بالمجتمعات التي لا تملك أو تنعدم عندها المستشفيات المختصة والأجهزة والكوادر الطبية، وإمكانيات العزل هزيلة، وغيرها من الإشكاليات، وبالتالي فإن الملايين من البشر الذين يعانون من قلة المناعة بسبب الفقر حتى في زمن الأبواب المفتوحة للعمل، سيتعرضون في حالة فرض الحصار ومنع العمل وإغلاق أبوابها، إلى كوارث لن تكون بأقل من كارثة الوباء الحالي، بل وستساهم في تفاقمها.
فبالأساليب التي تتبعها الدول النامية والمقلدة للدول المتطورة، أو كما طبقتها الصين والدول الأوربية، ستفاقم من سوء الحالة الصحية للمجتمع، وستضعف مناعة الأفراد وخاصة الأطفال والشيوخ، وهذه ستساعد على سهولة انتشار الوباء حتى في حالة الحجر الصحي، والذي لا يمكن أن تطبق مثلما تتم في الدول المتطورة على الخلفتين الاجتماعية والاقتصادية؛ وبالتالي ستصبح هذه الشعوب أمام كارثة صعود نسبة المرضى والوفيات بالأمراض الأخرى، أي أننا بالإمكان القول أن احتماليات الموت من قلة التغذية ونقص المناعة في الجسم ستتضاعف في واقع الحصار المفروض في الدول المعانية اقتصاديا وخاصة تلك التي شعوبها على حافة المجاعات وتعيش على مساعدات الدول الكبرى والمنظمات الإنسانية.
فالدول التي لم تكن قادرة على دعم شعوبها قبل الوباء، أو حتى التي كانت تقدم بعض الخدمات، وبالإمكان إدراج الإدارتين الكردستانيتين في جنوب وجنوب غرب كردستان ضمنهما بشكل أو أخر، تعيش حالة صراع بين الحجر الصحي وتأمين متطلبات الحياة للمجتمع، وكأنها حيرة بين الموت والموت، وهذه ستعقد مع أسلوب الحصار التقليدي للدول الكبرى، ظروف معاناة شعوبها، فقد تحجم انتشار الفيروس، وتقلل من خطر تفاقم نسبة الوفيات، لكنها ستخرج بشعب متهالك يعاني ويلات الضعف الصحي والأمراض الناتجة من قلة التغذية وقد تؤثر هذه على الأجيال القادمة.
ففي هذه المرحلة، نادرا ما نرى دول تتحدث عن تقديم المساعدات للمجتمعات المعانية، جلها ملتهية بذاتها، بل تبينت أن هذه الدول أضعف مما كانت تظهره سابقا في حالة الرخاء وزمن الحروب العلنية، إلى درجة ظهرت في إداراتهم وقطاعاتهم الاقتصادية العديد من جوانب الضعف بحيث لا تتمكن من تأمين متطلبات مستشفياتها حتى الآن، كما وظهرت سلبيات خدماتها الصحية، وعدم تلاءم صناعاتها مع الكوارث، وبالتالي كشفت قدراتهم الحقيقية، فأصبح أعلام معظمهم ينتقدون الإدارات السياسية، رغم محاولات الابتعاد عن إثارة الخلافات في هذه المرحلة الكارثية، فقد أصبح الجميع ضمن موجة المعاناة، وبالتالي فالكل يشعر أنهم بحاجة إلى مساعدة بعضهم البعض، ونادرا ما يتم الحديث عن تقديم المساعدات للدول الفقيرة والمجتمعات المعانية من الحروب الإقليمية والأهلية، أو التي تتربص بها الإعداء كالشعب الكردي، وتحاول استغلال هذه الفرصة للانقضاض على مكتسباتنا. مع ذلك ليس هناك للدول والمجتمعات المعانية إلا القليل من الرعاية الصحية وشيء من الحجر الصحي، وانتظار الدول المتطورة ومراكز بحوثهم، على أمل الحصول على عقار لإنقاذ البشرية.
فأمريكا جلبت مساعدات من الصين وروسيا، ومثلها إسبانيا وإيطاليا، والأخيرة كانت تعاتب ألمانيا في البداية على عدم مساعدتها، فالدول المتحضرة وصاحبة الرخاء الاقتصادي سخرت كل إمكانياتها لشعوبها، تتقبل الانهيار الاقتصادي كمرحلة مؤقتة أمله بنهوض سريع بعد التخلص من الوباء، كثيرا ما يقول دونالد ترمب أن اقتصاد أمريكا ستنهض بقوة لا مثيل لها في السابق بعد الخروج من الكارثة. ولكن معظم المراقبين يقولون إن استمرت الحالة فستحصل ما لا يمكن توقعه للبشرية، وانهيارها الاقتصادي تعني انهيار العالم، مع ذلك تخلت عن معظم مشاريعها الإنمائية والتعميرية، وأغلقت أبواب التجارة باستثناء المتصلة بالمساعدات الطبية، كما أوقفت جميع تحركات جيوشها لتسخرها لمساندة شعوبها.
فماذا تستطيع الإدارة الذاتية في جنوب غرب كردستان وحكومة الإقليم في جنوب كردستان أن تعمل وتقدم، في مرحلة الانهيار الحاد لأسعار النفط، والأخطار المحدقة بهما من الأنظمة المحاطة والمعادية، للحفاظ على معيشة العائلات التي كانت تؤمن لقمة خبزها يوما بيوم، وخاصة في المدن وحيث التموين الذي كان يأتي به رب العمل يومياً، وكيف ستسد حاجة البيوت الخالية الآن من المال والمواد التموينية، وبالمقابل احتمالات شح المواد لاعتمادهما على الاستيراد، ونحن لا نتحدث عن زيادة الأسعار ودور تجار الحروب، وما أكثرهم في أسواق الجغرافيتين الكردستانيتين.
لا بد من البحث عن سبل مناسبة تتلاءم وشعبنا وظروفه المعيشية والاجتماعية والصحية، والإمكانيات المادية للشعب والإدارة معاُ، قبل قطع منابع الارتزاق وأغلاق معظم المحلات، والمتاجر وتفاقم الأسعار، رغم ما تقوم بها الإدارتين من خدمات صحية، ونأمل أن يتصاعد الحد من تحكم تجار الحروب بالسوق، وغيرها من الإشكاليات التي تنخر مجتمعنا؟ ولا شك نحن هنا نتحدث عن إداراتنا الكردستانية والتي هي أمثلة عن معظم شعوب وحكومات العالم الثالث.
فعلى الأرجح الحلول وخاصة أساليب الحصر التي تنتهجها الدول المتقدمة غير مناسبة لمجتمعاتنا بدون تعديلات، رغم أن الوقاية من ضرورات الصراع لمنع انتشار الوباء، فعلى إداراتنا الكردية، ومن واقع ظروفها، البحث عن حلول تتلاءم وواقع الشعب، مع الأخذ بعين الاعتبار عدمية الاقتصاد، والفقر الذي يلم بشريحة واسعة من المجتمع، وقلة المواد وشحة بعضها، بل عدمها وخاصة التي كانت تستورد من الخارج، مع إغلاق الحدود الدولية، وارتفاع الأسعار وخاصة المرتبطة بسعر الدولار.

الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
7/4/2020م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل