الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غباء بكل الأحوال

سليم البيك

2006 / 6 / 12
الصحافة والاعلام


ذات صباح صيفي, نزل غسان من بيته إلى سيارته, يدير المحرك, فتنفجر عبوة مزروعة في سيارة سمير فور تدوير المحرك في صباح صيفي آخر. كان كلاً من غسان و سمير ذاهباً إلى صحيفته ليكتب مقالاً عن الحرية و ينتقد النظام الاجتماعي و الثقافي و السياسي القائم, أو ليتم صفحات من كتاب يُتم قبل الأوان.
كان كل منهما يمشي ممتشقاً حلمه بيد و قلمه باليد الأخرى, يحلم بحرية من كل أشكال السيطرة, و العسكرية خاصة, على المجتمعات, أكان العسكر من الخارج أم الداخل.
حلمهم هذا أرق خفافيش المجتمعات و منعهم ليس من الحلم بل من النوم أصلاً, و أكثر من ذلك, عراهم, و هم من تعود العيش في الظلام, و كشفهم على شمس حرقتهم أو كادت, لو لا أنهم تداركوا فاغتالوا الحلم و القلم. اغتالوا بجبن, و خلّدوا المشروع و الفكرة بغباء.
كانوا, و ما زالوا طبعاً, قصار النظر بحصرهم لفكرة غسان و سمير في أشخاصهم, ظنوا بأن قطع الحبر عن القلم, بل اغتيال القلم ذاته يودي بالفكرة. و لكن تجربة 34 سنة من اغتيال غسان كنفاني, أثبتت غباءهم, كما ستستمر في إثبات ذلك و كما سيثبت اغتيال سمير قصير ذلك.
تعجز المخابرات بأنواعها و فصائلها- البرية و المدجنة- لا أقول عن الانتصار على القلم الحر, بل حتى عن المواجهة, فإما أن يُترك القلم ليتنقل بحرية على الورقة البيضاء و ينتقد بشكل سلمي ديمقراطي فيُفضحوا, و إما أن تُكسر ريشته باغتيال صاحب القلم فيُفضحوا, و إما ما بينهما من كر و فر و اعتقال و تحقيق و محاكم عسكرية أو أمن قومية و غيرها فيُفضحوا, و في كل الحالات تكون الغلبة للقلم الحر و الغباء يُترك لهم.
فإن تذاكت أو تغابت المخابرات الإسرائيلية, في حالة غسان, و مهما كانت, في حالة سمير, فهي في النهاية غبية, لمجرة محاولة مواجهة القلم بالسيف و الكلمة بعبوة.
اغتيل غسان و سمير و هم في بداية عطائهم الاستثنائي, و هذا ما جعل الحبر يغص في قلمي إلى أن بكى, خسرنا و خسر المشروع الوطني الديمقراطي و خسر الأدب و الفكر و الصحافة العربية بخسارتهما باكراً جداً.
لكني, و أنا أذرف هذه الكلمات, أصر على أن اغتيالهم كان تصرفاً غبياً, و مهما كانوا فاعلين في قمع غسان و سمير, فهم أغبياء.
و التباين يكون فقط في نسبة الغباء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا