الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا الموتُ

دلور ميقري

2020 / 4 / 9
الادب والفن


طوالَ أيام فتك الوباءُ بالبلدة، فأهلك معظمَ سكانها. أخبارُ النواحي الأخرى، أينَ سارت أسرة النبيل إلى إحداها قبل استفحال الجائحة، لم تعُد تصله إن كانت خيراً أو شراً. لقد التزمَ منذ رحيل أسرته حجرةَ المكتبة، يُطالع فيها مجلداتِ التاريخ بعدة لغات. من خلالها، كان يأمل بمعرفة كيفية مواجهة البشر للطاعون وما لو كان ثمة حلٌ سحريّ، أو إلهيّ، للإفلات من شباكه المهلكة. وهوَ ذا يرسمُ ابتسامةَ ظفرٍ على شفتيه الرقيقتين، المحمرتين من أثر العض عليهما: في مخطوطٍ عائد للقرون الوسطى، من تأليف راهب مجهول الاسم، ورد ذكرُ حكاية تخلّص أحد الأمراء من الطاعون بعدما أهلك كل سكان إمارته بمن فيهم امرأته الجميلة، المعبودة.
على الأثر، خرجَ من القصر ليركبَ حصانه مولياً وجهه شطرَ الدير. كان الوقتُ مساءً، المشاعل النادرة في البيوت تدل على كمية الناجين، الذين ربما ينتظرون بدَورهم ملاك الموت. جثثٌ كثيرة، كوّمت على أطراف الطرقات، تنتظر من يُوقد فيها النيران. برغم ذلك، وصلَ الدير وكانت معنوياته عالية. رئيس الدير، وكان صديقاً مقرباً، سرعان ما استقبله ومن ثم أدخله إلى حجرةٍ في القبو، يلوح أنه لاذ بها مذ هجوم الطاعون على الإقليم.
" مع أنني لم أحط علماً بالحكاية، لا بوساطة القراءة ولا بالسماع، لكن الذخائر المعنية موجودة وفي وسعك استعارتها لحين إيابك بالسلامة عقبَ انزياح الجائحة "، علّقَ الرئيسُ على ما سمعه من صديقه. ثم ما لبثَ أن استأذن كي يجلب تلك الذخائر. تبيّنَ أنها رداءٌ أسود اللون، مما يكتسي به الرهبان، وكان له قبعة عالية، فضلاً عن صليبٍ خشبيّ بحجم الكف، مربوط بسلسلة معدنية. شكرَ النبيلُ رئيسَ الدير، ثم غادر المكان وعليه العدّة المقدسة.
تركَ في الحال البلدة المنكوبة، موجّهاً هذه المرة حصانه على طريقٍ سبقَ لأسرته أن اجتازته في سبيلها إلى إقليم آخر. بقيَ الليل بطوله على ظهر الخيل، يسير به خبباً في غالب الأحيان حتى لا يفقد حيويته. فجراً، توقفَ في بقعة كأنها قطعة من الفردوس السماويّ. فربط حصانه إلى شجرة، وما عتمَ أن استلقى لينام بعض الوقت. لكنه أفاقَ على صوت صهيل الحصان، وكانت الشمسُ صارت في الضحى. رؤيته الدابة ترعى الحشائشَ، جعله يشعر بالجوع. فأخرجَ القليل من الزاد من الخرج مع زجاجة نبيذ. غبَّ فراغه من الأكل، صعد إلى صخرة كبيرة كي يُشرف على مشهد المكان. وإذا به يلاحظ وجودَ رجلٍ وسط حقل قمح، وكان يعملُ بالسنابل منجلَهُ ذا العصا الطويلة. انحدرَ من الصخرة، مقرراً التكلم مع الحصّاد.
" أراكَ تعملُ لوحدك، فأين هم بقية القرويين؟ "، سألَ الرجلَ بنبرة السادة المتعالية. رفع هذا رأسه، لتُفصح ملامحه من تحت البرنس عن عُمر يصعب تقديره. رد بعد وهلة تفكير: " لقد أهلكهم الوباءُ جميعاً "
" وأنتَ، كيفَ تمكنت من النجاة؟ "
" أنا الموتُ..! "، قالها وهوَ يُطيح بمنجله رأسَ النبيل الشامخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR