الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائحة كورونا و الأسئلة الغبيّة

طيب الفحلي

2020 / 4 / 10
كتابات ساخرة


فجأةً، أتى كورونا الذي صنّفته منظّمة الصحة باعتباره جائحة عالمية، بدأت تعصف بالبشر، فدب الذعر في عروق الجميع، الكلّ يرتعد، والأسئلة "الغبيّة" تُطرح حد الاختناق: هل هذا جند من جنود الله؟ وإنّ كان كذلك، فهل نزل لتعذيب "الكفار" أم لاختبار "المؤمنين"؟


عندما ضربت جائحة كورونا الصين، صاح أصحاب"اللّحى الطويلة" قائلين: "إنّ فيروس كورونا جند من جنود الله أرسله لينتقم من الصين، بلد "الكفار" التي تعذب المسلمين"، وصبّ عليهم الإله غضبه لأنّهم لايكتفون بالدعاء مثلنا، بل هم وقحون، وأيّ وقاحة أكبر من أنّ يشتغلوا يومياً في المختبرات، أليس هذا تحدٍ لنا نحن الذين نكتفي بالدعاء منتظرين إجابة من السماء..

لماذا لا يقتصرون -مثلنا- على الدعاء؟ فالدعاء شفاء وعلاج في الصباح، وفي المساء دواء!.

لكن سُرعان ما انتشر هذا الوباء في بلاد "المسلمين" وبدأ يفتك بهم واحداً تلوَ الآخر، فقالوا: "إنّ هذا ابتلاء من الله ليختبر المؤمنين من عباده الصالحين". أي أولئك الذين يُصرّون على توجيه أنظارهم نحو السراب تاركيّن الأرض تتحول إلى خراب.

لكن هل هناك خراب أخطر من خراب العقول؟

في الجانب الآخر من العالم، تشتغل المختبرات ليلاً ونهاراً لإيجاد لقاح لهذا الوباء الذي سيعصف بالجميع إذا لم تُنتج تلك الدول الدواء..

دعونا نتساءل قليلاً: أين أصحاب الرقية الشرعيّة؟ و الحبة السّوداء شفاء من كلّ داء؟ و بول البعير و خبز الشعير و القرفة والزنجبيل والفلفل والثوم والبخور فوق "القزدير"..

لكورونا إيجابيات لا تُعد ولا تُحصى.. فقد بيّن للرعاع و جمهور الأغبياء و المغفلين أنّه لا يصحّ إلاّ الصحيح، فقد اختفى المغني التافه والممثل السخيف وحمقى المسلسلات و كلّ أصحاب الأذواق الرديئة...

على الأقل، هؤلاء الحمقى انسحبوا من الساحة تاركينها لجنود الله الحقيقيين وهم الأطباء في المستشفيات و العلماء في المختبرات و الجنود يحرسون والأساتذة يدرسون ويكتبون.. أي أولئك الذين لا تظهر أهميتهم القصوى إلاّ في الأزمات.

لكن الذي يأبى الإنسحاب من الساحة، مع العلم أنّه أقل أهمية من المغني والممثل والراقصة .. هو رجل الدين، هذا الأخير يريد فرض نفسه بالقوة، ويساعده على ذلك المجتمع الذي ينتمي إليه، مجتمع العواطف.

وما يساعد على انتشار خطابات هؤلاء، كونهم يد العصابات المتحكمة في العالم، تستخدمها متى تُريد، لأن المستبد -كما يقول الكواكبي- لا يخاف من العلوم الدينية المتعلقة بالمعاد المختصة مابين الإنسان وربه، لاعتقاده أنها لا ترفع غباوة ولا تزيل غشاوة، وإنما يتلهى بها المتهوسون للعلم حتى إذا ضاع فيها عمرهم، وامتلأتها أدمغتم، وأخذ منهم الغرور ما أخذ، فصاروا لا يرون علماً غير علمهم، فحينئذ يأمن المستبد منهم كما يؤمن شر السكران إذا خمر. على أنه إذا نبغ منهم البعض ونالوا حرمة بين العوام لا يعدم المستبد وسيلة لاستخدامه في تأييد أمره ومجاراة هواه في مقابلة أنه يضحك عليهم بشيء من التعظيم ويسد أفواههم بلقيمات من فتات مائدة الاستبداد".[1]

أفراد مثل هذه المجتمعات عاجزون عن الانصات للفلاسفة والمفكرين والعلماء.. لأنّ عملية الانصات هذه شاقة ومتعبة، أما الاستماع للمشايخ فهو أمر في غاية البساطة، فهم سطحيّون وتفكيرهم محدود ويتكلّمون بعواطفهم وهذا يجعل خطابهم ينتشر كالنار في الهشيم، لكن ماذا نفعل، فكما قال هيراقليطس: "إنّ الحمير تفضل القش على الذهب".



[1]- الكواكبي (عبد الرحمان)، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، دار التقوى للطبع والنشر والتوزيع، صص: 52-53.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا