الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الحكم في العراق

وصفي أحمد

2020 / 4 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


إن الأوضاع المأساوية التي يعيشها المجتمع العراقي في عراق ما بعد 2003 لا يمكن فصلها عن تاريخه على مر العصور . فالعراق , كان قد عاش أوضاعاً سيئة لقرون خلت , خصوصاً في ظل حكم الدولة العثمانية , من فيضانات وأوبئة وتقطع الطرق بالشكل الذي أدى أن يكون سكان العراق عبارة عن تجمعات بشرية وليس مجتمعاً واحدا .
ثم كانت الهجرات السكانية الكثيفة من أكبر منبع للبداوة في المنطقة , الجزيرة العربية , وبالتالي فإن هؤلاء المهاجرين لابد وأن يحملوا معهم مفاهيمهم الاجتماعية وأهمها النفور من كل شكل من أشكال النظام , وتجلى ذلك واضحاً في الصراعات القبلية وفي تمرد القبائل على الولاة الذي لا هم لهم سوى تحصيل الضرائب وسوق أبناءهم إلى سوح القتال .
بعد الحرب العالمية الأولى , وبعد وقوع العراق تحت الاحتلال البريطاني , وما لاقاه هذا الاحتلال من مواجهة كبرى تمثلت في ثورة العشرين والتي أجبرته على تشكيل نظام حكم وطني وإن كان تحت وصايتهم .
وقد وقع الاختيار على الأمير فيصل بن الحسين ليتولى عرش العراق الذي عمل على تطوير الهوية العراقية , التي بدأت نواتها بعد الاحتلال البريطاني بفعل التقارب الطائفي الذي شهده العراق في تلك الحقبة , ولكن القدر لم يمهله , فقد وافته المنية في وقت مبكر قبل أن يصل قطار البناء السلمي للهوية الوطنية إلى محطته الأخيرة .
ولما تولى الملك الشاب غازي دفة الحكم وجد نفسه أمام ساسة يحملون خلفيات عثمانية , كون معظمهم من خريجي المدارس العسكرية العثمانية , وبالتالي فقد كانوا غير ميالين لنشر ديمقراطية حقيقية .
وبعد استلام الثنائي نوري السعيد وعبد الاله الحكم , أدت سياساتهم إلى زيادة النقمة الشعبية بسبب قدرتهم على امتصاص زخم الطبقة الوسطى التي اتسعت وأخذت تطالب بأخذ دورها في قيادة الدولة العراقية .
وأدى الانسداد السياسي , وعجز الأحزاب السياسية في إحداث التغيير , أدى إلى قيام ثلة من الضباط إلى تنظيم انفسهم ومن ثم إسقاط النظام الملكي في طريقة أشبه بعملية جراحية بدون بنج وبدون تحضير المضادات الحيوية التي تمنع حدوث التهاب في الجرح , والذي تمثل في موجة العنف التي اجتاحت الشارع العراقي وهي عبارة عن صراعات مؤجلة .
وكانت النتيجة أن دخل العراق في موجة من الانقلابات العسكرية التي انتهت بوصول حزب البعث للحكم للمرة الثانية , الذي أدى إلى وصول صدام حسين إلى الموقع الأول في الدولة العراقية , وما قام به من تصفية للأحزاب الوطنية , ولم يسلم من سياساته القمعية حتى قيادات حزب البعث التي عارضت صعوده إلى مركز القرار , وكان أن تحول حزب البعث ومنظماته المهنية إلى أجهزة قمعية لحماية النظام .
كان من الطبيعي أن تؤدي هذه السياسة إلى إحداث شرخ مجتمعي كبير تعمق أكثر وأكثر بفعل فشل النظام في حل المسألة الكردية حلاً سلمياً , وهنا لابد من الإشارة إلى أن قيادات الحركة القومية الكردية تتحمل قسطها الوافر من هذا الفشل , والذي تمثل في موقفها المتشدد تجاه حل لهذه الأزمة .
أمام هذا الواقع , أصبح من الطبيعي أن تتسيد قوى الإسلام السياسي الشيعي المشهد المعارض للنظام , خصوصاً بعد نجاح نظيراتها في سرقة ثورة الشعب الإيراني .
ولما جاء الاحتلال الأمريكي , عملت القوتان الأساسيتان في المعارضة العراقية والمتمثلة بالإسلام السياسي الشيعي المعبأ بعقد تاريخية لم يستطع الافلات منها , والحركة القومية الكردية التي لم يشغلها شاغل سوى استغلال حالة الا دولة للحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات والمكاسب .
في حين وقف المجتمع العربي السني ضد عملية التغيير , كونه اعتقد أن عملية التغيير كانت قد جرت على حسابه , وبالتالي عمل على مقاطعة الواقع السياسي الجديد إلى درجة حمل السلاح ضد القوات المحتلة من قبل قطاعات واسعة من شرائحه الاجتماعية .
ولإعطاء الشرعية للنظام الذي سعت قوات الاحتلال تأسيسه , كان لابد وجود شخصيات تمثل المجتمع السني , وكان من الطبيعي أن يعمل الحزب الإسلامي العراقي إلى لعب هذا الدور مع بعض الشخصيات المحسوبة على التيار القومي بهذا الشكل أو ذاك .
لكن الاسلام السياسي الشيعي لم يكن على استعداد لإيجاد شراكة حقيقية من مع من رأى فيهم السبب الأساسي في مظلوميتهم , مما أدى إلى ادخال العراق في دوامة من الصراعات فتحت الأبواب أمام التدخلات الخارجية .
كل هذا الواقع المرير , أدى إلى زيادة نشاط الفئات الطفيلية المتحالفة مع الكومبرادور والتي عملت على مد الجسور مع الطبقة البيروقراطية في تحالف عمل على استنزاف موارد الدولة بعد أن تم تحويلها إلى اقطاعيات ذات واجهات حزبية مصطنعة .
وبعد أن ألقى هذا الواقع بضلاله الثقيلة على الطبقات الاجتماعية المسحوقة , وخصوصاً في مدن الوسط والجنوب , إلى الدرجة التي دفعتها إلى الخروج إلى الشوارع محتجة على من ظنت فيهم خلاصها من واقعها المرير .
ورغم كل التضحيات من شهداء وجرى ومعوقين , لكن قادة الكتل أبعد ما يكونون عن المشهد , إذ أن المكاسب التي حصلوا عليها قد أعمت بصائرهم , كما أنهم يظنون أن مليشياتهم ستحميهم من اليوم الموعود .
ليرفعوا أياديهم إلى السماء أن جلبت لهم وباء كوفيد 19 الذي اضطر المحتجين إلى الانسحاب من ساحة المعركة , سينتهي الوباء وسيعود المنتفضون إلى سوح الوغى وسيرى الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع