الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كومبارس الكتابة و الثورة المؤجلة

نائل الطوخي

2006 / 6 / 12
الادب والفن


في حلقة من حلقات المسلسل السوري "بقعة ضوء يقوم الكومبارسات بتصوير أحد المشاهد التاريخية مع نجم كبير في الصحراء. لسبب ما تثور مشكلة بين أحدهم و بين نجم المسلسل الكبير مما يقرر علي إثره جميع الكومبارسات الإضراب عن العمل و يتطور الأمر إلي إعلانهم الحرب علي نجوم المسلسل المعزولين في الصحراء. هذه الحرب تبدأ مع فكرة أساسية: إدراك الجميع أن الكومبارس هو أساس العمل، ليتم اتخاذ قرار بكتابة أسماءهم علي تترات العمل. سيناريو قريب من هذه الحلقة ، التي كان عنوانها ثورة الكومبارس، حدث في مدينة الإنتاج الإعلامي قريبا، حيث ثار الكومبارسات علي النجم هاني رمزي الذي تسبب بتأخره في تعطيل التصوير يوما كاملا مما فتح جميع الجراح القديمة و بدأت تظهر شكاوي ليس لها علاقة ظاهريا بموضع النزاع عن تدني أجور الكومبارس و الاستغلال الذي يتعرضون له. كانت النتيجة وفاة إحدي الكومبارسات علي إثر التدافع، و لكن الأهم هو ذلك الوعي بأن الكتلة الجماهيرية، كتلة الظل غير المعترف بها، يمكنها أن تتحرك.
كل هذا دفعنا للبحث عن كومبارسات آخرون، يعملون في مجال قريب من الأدب. عن عالم كتاب السيناريوهات من الباطن لأجل سيناريستات مشهورين، كيف ظهر العالم و كيف نما و تضخم و إن كان مازال مختفيا خلف مصطلحات براقة مثل ورش الكتابة، "فرق الباحثين و اختبارات كتابة السيناريو، و مدي احتمالات ثورة هؤلاء الكومبارس للمطالبة بشرعية وجودهم.
تخفي مصطلحات كتلك وراءها أحيانا عالما باطنيا يتحرك في منطقة الظل، غير أنه، و علي خلاف كومبارس التمثيل، فهو لا يعلن عن نفسه، فلا أحد من كومبارسات الكتابة يعترف بأنه يكتب السيناريو من الباطن، و الجميع يدينون الفكرة. و حتي إذا تحول كاتب سيناريو من الباطن إلي كاتب شهير فإن السوق الذي يحتاج إلي علاقات عامة في البداية و النهاية يرفض الفضيحة علي الملأ. كل هذا يجعل من تحرك كومبارسات الكتابة محدودا بمنطقة الظل التي ينتمون إليها، و لا يصبح هناك أمل في الخروج إلي العلن، أو حتي أمل في الحديث عن المهنة بشكل مريح، حيث يتحدث بعضهم مراقبا جميع كلماته حتي لا يفقد شبكة علاقاته الصغيرة التي يحاول تأسيسها و هو لا يزال في أول طريقه.
بدأت القصة كلها من صحفي يمارس الزيس، و هو، بلغة أهل المهنة، الصحفي الذي يروج لعمل فني و تصبح مهمته مع نجم ما محدودة بالترويج له. هذا الصحفي قد يأخذ السيناريو من سيناريست شهير ليقرأه له، و يقوم بالتعديل له إذا لزم الأمر علي بعض الجمل الحوارية لتتناسب مع النجم الذي يروج له و مع مؤسسة المنتج ­ الموزع، ثم، و مع تطور الموضوع، يبدأ الصحفي في الكتابة بنفسه تحت اسم السيناريست. هذا كله دفع بفكرة الكتابة من الباطن إلي الظهور، خصوصا مع ازدياد ساعات عرض المسلسل مثلا من خمسة عشر حلقة إلي ثلاثين حلقة لتتوافق مع شهر رمضان. و بدأت ورش كتابة تعمل مع كتاب كبار في التكون و أصبحت المهنة متداولة نسبيا و إن كان ذلك لم يقلل من سريتها.
يتصل السيناريست الشهير بآخر شاب و يقول له أنه يريد سيناريو عن كذا، فيتصل الشاب بآخرين و يشرعون في الكتابة. يعد السيناريست الكبير الكاتب الشاب بمبلغ ما يصل إلي عدة آلاف من الجنيهات عن السيناريو الواحد، هذا في حالة إذا لم يحدث تعديل علي الدرافت أو مسودة السيناريو. و لكن في حالة إذا ما تم التعديل ينخفض المبلغ لأقل من النصف، و هو ما يحدث غالبا لسببين: أولهما توفير النفقات و ثانيهما لوضع بصمة الكاتب الشهير علي السيناريو حتي لا يبدو نشازا في سلسلة أعماله. أما إذا قدم الكاتب الشاب فكرة العمل فحسب فالسعر يكون أكثر انخفاضا، و كذلك للعنوان سعر آخر، مثلا اشترت منتجة مؤخرا عنوان فيلم فحسب من شاب مغمور بمبلغ خمسة ألاف جنيه. أهم شيء في العملية كلها هو التراضي بين كاتب السيناريو المشهور و الكاتب الشاب الذي يبدأ أولي خطواته بلا علاقات و لا أي ضمان اجتماعي يحميه و لا أحلام سوي الحصول علي لقمة عيشه و أمل في مستقبل قد يتحول فيه من كاتب من الباطن إلي كاتب معروف يظهر اسمه علي تترات العمل. هذا حدث مؤخرا في فيلم لنجمة شهيرة حيث كتب السيناريو شاب لا يزال يدرس في معهد السينما، و تنازل عنه لصالح كاتب كبير. كذلك إثيرت أهاويل عن تعرض كاتب سيناريو فيلم لم يعرض بعد لنجمة أخري للتخيير بين أن يوضع بجانبه اسم ناقد كبير كمشارك أو كمشرف علي السيناريو.
أقنعة
توجد عدة أقنعة شرعية لهذه المهنة منها تكوين فريق باحثين لإمداد كاتب السيناريو بالمعلومات المطلوبة لعمل ما، و فكرة مصححي السيناريو أو الدراماتور الذي يعالج الشخصية الأدبية دراميا لتتوافق مع العمل المراد عرضه (هناك حكايات تتردد عن كاتب متوفي قام بكتابة شخصية درامية من الألف إلي الياء في مسلسل مصري شهير لسيناريست أكثر شهرة) و كذلك شكل بعض ورش الكتابة، و هي ورش قد تأخذ طابعا جديا، و الجدية هنا تعني تنفيذ الاتفاق الشفوي بين السيناريست و من يعملون معه، و أحيانا ما تأخذ طابع نصب تحت ستار الاختبارات حيث تعلن بعض الجماعات الفنية عن اختبارات في كيفية كتابة السيناريو ليتم سرقة الأفكار من شباب يتقدمون بأفكارهم مقابل الانضمام إلي الورشة التي يحلمون أن تكون هي بداية طريق نجوميتهم! قال لي أحدهم مبررا: ليس هناك في مصر مهنة مساعد سكريبت كما يحدث بالخارج، حتي لو كان هذا المساعد هو الذي قام بكتابة العمل أو أغلبه، تحت ستار كهذا تتخفي المهنة احيانا.
هناك سيناريست شاب مثلا لمع نجمه بقوة في السنوات الأخيرة يفتح الباب لتقديم السيناريوهات إليه، و يبيعها باسمه هو، هذا قد يتم بشكل مفهوم من قبل العاملين في الحقل، فالسيناريست المشهور يستطيع تسويق الفيلم باسمه و لا يستطيع تسويقه لو تم وضع اسم آخر عليه، ما عدا في حالات قليلة حيث يرضي بوضع اسم آخر بجانبه، حتي لو كان الاسم الذي بجانبه هو المشارك الأصلي للسيناريو، كما هو حادث في فيلم لم يعرض بعد.
لا يحمي أحد هذه المهنة، ليس هناك إلا "الهيدرايتر، و هو السيناريست الشهير و اتفاق شفوي مع الكاتب المجهول. حيث لا تهتم الشركات الكبري مثل جودنيوز و غيرها التي تتعاقد مع سيناريست شهير بمعرفة هل قام هذا السيناريست بالكتابة فعلا أم لا، هذا مع عدم إمكانية مقابلة السيناريست الشاب للمنتج بشكل مباشر، إذ تتم الإطاحة به عندها تلقائيا و يتم النظر إليه باعتباره "بتاع مشاكل، و هو ما يهدد مستقبله في المهنة فوريا. لكل هذا يبدو تحرك هؤلاء الكومبارسات مستحيلا، حيث المهنة محروسة بسريتها، و ليست مثل كومبارس التمثيل المعتد بنفسه و القادر علي الثورة. كذلك يصعب كثيرا تغيير وضع الكاتب من الباطن ليصبح كاتبا معتمدا، فالأمر يتطلب حرفية عالية منه و علاقات استطاع أن يكونها في عالمه الظلالي هذا، و بل و سماح صاحب الورشة له بالعمل في النور. هذا ما عدا في حالات نادرة بالطبع، هناك مثلا سيناريست يقدم الآن أفلاما تتسم بطابعها الكوميدي الخفيف يعترف في جلساته الخاصة بأنه كان يكتب من الباطن في بداية حياته.
في حديثي مع البعض أكد لي الكثيرون ممن يدينون فكرة الكتابة من الباطن إن السوق علامة، حيث يتم التعامل معك بحسب قدرتك علي التنازل، و من أول مرة تتعامل فيها مع السوق ستحدد بعملك كيفية معاملتك، غير أن هذا يفسر كذلك غموض هذا العالم حتي الآن و عدم اعتراف أحد به إلا في أقل القليل، ففي هذا السوق يتم شطب اسمك إذا نطقت بأي كلمة عن هذا العالم، مما يضيف فوق سرية عدم الظهور علي التتر سرية أخري، تتصل بعدم اعتراف الكاتب الأصلي بنفسه أصلا، ليصبح تنصله من ذاته و احترامه المطلق لشروط العالم الذي يهمشه هو الأساس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب