الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 3

دلور ميقري

2020 / 4 / 10
الادب والفن


لم تشأ عيشو الإنصاتَ لنصيحة والدتها، بعدم العودة إلى حوران. لكنها أسعدتها، بقرار تمديد إقامتها في الشام لأشهرٍ. عولت على الإياب لمزرعتها في نهاية الشتاء، حين يبدأ تسميد الأرض وبذرها. على عكس ما توقعته قبيلَ حضورها، وجدت الدارَ ضاجّة بالحياة. ذلك كانَ، بالدرجة الأولى، نتيجة تواجد الأبناء والأحفاد: ابنة عيشو الكبيرة، كَولي، كانت ثمة بطبعها المرح. لكن بسبب حالة الحِداد، لم تعُد تقضي ساعات من الوقت بسماع الأغاني من جهاز فونغراف، كانت خالتها رابعة قد أحضرته معها من عمّان. هذه الأخيرة، اعتادت أيضاً على قضاء جل النهار وجانباً من السهرة في الدار بصحبة طفليها. كذلك الأمر مع ابنيّ موسي الأصغر من امرأته الأولى، اللذين علمنا أنهما حظيا برعاية الجدّة على أثر انتقال الأب للعيش في الريف مع أسرته الأخرى. شقيقتهما الكبيرة، أمّو، كانت بدَورها تلجأ للدار عندما تستفحل مشاكلها مع آل زوجها. لكن هؤلاء لم يدَعوها في سلام حتى هنا، في دار جدتها؛ بتلبيتهم دعوات الولائم من لدُن هَدي ورجلها، فضلاً عن حضورهم شبه الدائم في السهرة. في المقابل، لم يجرؤ سلو مرةً على استضافة والدته في إحدى ولائمه، بله أخوته وأولادهم!
كان على الابنة المتغيبة عن المنزل مذ وفاة أبيها، قبل عامين، أن تتعرّف على عضو جديد في الأسرة؛ " زهرو "، زوجة حسينو. دُهشت لحُسن هذه الفتاة ذات الشعر الأحمر، ومن خلال الحديث معها وجدت أنها أيضاً مهذبة ولطيفة. قبلاً، كان نمَّ لعلم عيشو أن امرأة شقيقها تنتمي لعائلة من محتد كريم، معروفة في منطقة جسر النحّاس بالحي. كونها وحيدةَ والديها، سترثُ أيضاً في المستقبل أملاكاً كبيرة. مصدر المعلومة، كانت رابعة، وهيَ أصلاً مَن دبّرت العروس لحسينو. إذ تعرّفت على الفتاة في منزل خالتها بعمّان، وكانت هناك في زيارة مع الأسرة. الخالة، قدّمت لهم الضيفة بوصفها ابنة زعيم الحي الكرديّ بدمشق. مع الأيام، وثقت رابعة صداقتها مع الفتاة ومن ثم كلمتها عن حسينو، زاعمةً أنه يعمل وكيل أعمال آل شمدين. بيد أنّ زهرو، في حقيقة الحال، انبهرت بشخصيته الجميلة ـ كما جسّدتها صورة فوتوغرافية أرتها إياها شقيقته، المتقمّصة صفة الدلّالة.

***

" مباشرةً عقبَ حفل الزفاف، الذي فوتّه أنتِ لوجودك في حوران، اكتشفت العروسُ أنها خُدعت بصاحب الصورة إن كان لناحية عمله الحقيقيّ أو طبعه الغريب غير المحتمل "، كذلك اعترفت رابعة لشقيقتها ضاحكةً. ثم أردفت تحت تأثير ملامح الأخرى، المقطّبة: " لكن ما خففَ عن العروس، كان عطفُ والدتنا وأيضاً محبة جميع أفراد عائلتنا لها "
" حرام عليك توريط إنسانة بريئة بالزواج من رجل، تعرفين أنتِ أكثر من الجميع أنه لا يصلح لمعاشرة البشر "، علّقت عيشو على كلام شقيقتها. لم تكن هذه المرة الأولى، تتناولان فيه ملابسات ذلك الموضوع. إذ سبقَ لرابعة أن وضعتها في الصورة خلال حلولها في حوران، غبَّ انتقالها مع الأسرة من إمارة شرقي الأردن. لكنها آنذاك كانت تدّعي أنّ اقتران شقيقهما بفتاة راقية مثل زهرو، سيساعده إن كان لناحية تغيير طريقة حياته الانطوائية أو التخفيف من صعوبة طبعه.
في الأثناء، كان زواج رابعة نفسه على كف عفريت بالنظر لتفاقم مشاكلها مع رجلها. في بادئ الأمر، ساندت عيشو شقيقتها وكانت تضعُ اللومَ على الزوج. فيما بعد، راقبت بقلق حالة برو العصبية، ومن ثم أعربت عن مخاوفها لزوجته بأنه ربما على وشك الدخول في نفق مظلم لا بصيص نور فيه. هذا الحَدَس، تبينّ أنه مصيبٌ: برو المسكين، ما لبثَ بعد مضيّ عامٍ على استقراره في الشام أن تم تسريحه من الدرك، بناءً على وضعه الصحيّ، مع منحه معاش التقاعد. قعوده في الدار بلا عمل، ومع امرأة قاسية لا تطيق معاشرته، عجّل في تدهور وضعه بحيث تم إيداعه في مستشفى الأمراض العقلية، وذلك عقبَ وصول عيشو إلى الشام بأقل من شهر. في مستهل ربيع العام التالي، قبيل رجوعها إلى حوران، كانت في المنزل لما جاء مستخدمٌ من المستشفى كي يبلّغ الأسرة بوفاة برو. طوال الشتاء، كان الرجلُ الراحل قد عانى من مشاكل في الرئتين، بسبب إفراطه في التدخين، علاوة على نقص التدفئة في ذلك المكان المرعب غير الإنسانيّ.
من ألعاب القدَر، أنّ مَن ورّطت رابعة بالاقتران من برو عن طريق الإكراه تقريباً، لاقت نفس مصيره وذلك بعد نحو نصف قرن تقريباً: إنها هَدي، التي عانت أولاً من الخَرَف، وكانت تقترب حثيثاً من سنّ الثمانين. كانت تُطرد من كل مكان تلجأ إليه، بما في ذلك منزل حَني؛ شقيقتها الوحيدة. حتى الابنة، لم تستطع تحمل الأم، فأرسلتها إلى ابنها حسينو. فما لبثَ هذا أن أودعَ والدته في مستشفى الأمراض العقلية، لتفارق الحياة بعد أشهرٍ ثلاثة من الإقامة فيه. زوجة بَدو الثالثة، وكانت جارة المرأة الراحلة، علّقت على نهايتها بالقول: " إنها أضحت عبرةً لكل مَن يقضي حياته، متسلياً بالنميمة والتلفيق والمكائد، غير آبهٍ بما يجلبه ذلك من خراب على البشر ومن تدمير للعائلات ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR