الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرأسمالية بكافة أشكالها: نظام موبوء

علي مقدّم

2020 / 4 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


قال لي صديقي: هذا الكوكب المعولم أصبح موبوأً. أجبته: الوباء ضرب الكوكب منذ عقود، إلا أنه الأن بات أوضح، هذا كل ما في الأمر.
أزمة كورونا عرَّت النظام الرأسمالي وخاصةً بنسخته الغربية، والتي عرفت تحولات جذرية منذ سبعينات القرن الماضي أدت إلى إعتماده أكثر وأكثر على الرأسمالية المالية، كتطور موضوعي لديناميكية نظام يعتمد بالدرجة الأولى على معيار الربح الأقصى. هذه الديناميكية أدت إلى عملية إنتقال قطاعات كبيرة من الإنتاج من الغرب إلى الشرق لإنخفاض كلفة الأيدي العاملة فيه.
حافظت بعض الدول على صناعات إستراتيجية كقطاع الأسلحة مثلاً لأهميته في اللعبة الجيوسياسية، بالإضافة إلى هامش الربح الكبير الذي يؤمنه. قطاع إنتاج الأسلحة، يعرف الأن عصراً ذهبياً حيث إرتفعت النفقات العسكرية للدول بنسبة 33.7% في الفترة الممتدة بين 2008 و 2017 حسب معهد إستكهولم الدولي لأبحاث السلام. تتصدر الولايات المتحدة في لائحة نفقات التسلح العالمية بنسبة الثلث تقريباً ( 649 مليار دولار ) والتي وصلت بمجملها إلى 1780 مليار دولار في العام 2008. في الوقت الذي تعاني عشرات الولايات فيها من عدم قدرة مستشفياتها على تأمين المستلزمات الأساسية لفرقها الطبية لكي يقوموا بعملهم لمجابهة الجائحة. تحتل فرنسا المرتبة الثالثة في هذه اللائحة، بعد الصين، في ميزانية تبلغ ٦---٥--- مليار دولار تقريباً. هذا وإرتفعت في فرنسا ميزانية تصدير الأسلحة بنسبة 43%، في السنوات الأربع الأخيرة، في الوقت الذي تم شطب 64 ألف سرير في مستشفياتها بين 2003 و 2006 . فرنسا تعاني أيضاً فرقها الطبية من نقص حاد بالمستلزمات، لعدم قدرة مصانعها المحلية من تأمين الإنتاجية اللازمة. طبعاً، فالأولوية هي لإنتاج الأسلحة وليس لإنتاج الكمامات والمعدات الطبية اللازمة

إدارة الأزمة في الصين وفي الأوهام حول طبيعة نظامها

في المقابل كثرت في الفترة الأخيرة، موجة الترويج للنظام الصيني الذي أثبت مبدئياً، قدرته على إدارة وإحتواء الأزمة. الحق يقال، وليس بهدف الدفاع عن النظام الصيني، الذي يُعتبر جزء من المنظومة الرأسمالية والإمبريالية أيضاً (سأعود لهذه النقطة لاحقاً)، إلا أن لا يمكن عدم التوقف أمام رمزية المشهد عندما نرى الطائرات الصينية محملة بالمعدات الطبية وهي تحط في مطارات مراكز الرأسمالية في الغرب.
حَرَصَ النظام الصيني على إبلاغ العالم أجمع على خطورة هذا الفايروس، في الوقت التي كانت الأنظمة في الغرب ملتهية بسذاجة بلعبتها الديمقراطية، مطلقة العنان بوقاحتها المعتادة، لحملات السخرية من ديكتاتورية النظام الصيني وكيفية إدارته للأزمة قبل أن تصل إلى عقر دارها. كل هذا لن يلغي موضوعياً، طبيعة النظام الصيني، كنظام رأسمالي، إعتمد شكل رأسمالية الدولة، وأصبح لاعباً أساسياً في صراع الأنظمة الإمبريالية على تقاسم موارد العالم وأسواقها خدمة لشركاتها المحلية.

تمتلك الصين أكبر طبقة عاملة من حيث العدد، عرف إقتصادها نمواً مذهلاً في السنوات الأخيرة. الصين لديها كل خصائص الأنظمة الإمبريالية: شركات إحتكارية عملاقة في جميع المجالات الإقتصادية والتي تعتمد على دعم الدولة، قطاع صناعة الزجاج مثلاً حيث تصنع الصين 38٪--- من الزجاج في العالم، قطاع صناعة السيارات في نمو سريع جداً مع التركيز على تكنولوجيا السيارات الكهربائية، قطاع إنتاج البضائع الإستهلاكية حيث تُغرق ببضائعها أسواق الكوكب بأكمله، مستفيدة من إستثمار جزء من أرباح صادراتها في بناء بنى تحتية في الصين وتصدير خبراتها لبلاد أخرى (وهنا نرى إستفادة النظام الصيني من أخطاء الرأسمالية الغربية).
حركة تصدير الخبرات في بناء البنى التحتية لنقل البضائع، يشكل جوهر مشروع طريق الحرير الجديد والذي يهدف إلى ربط الصين بأوروبا الغربية وأفريقيا وروسيا والشرق الأوسط (سكك حديد، موانيء، شق طرق، أنابيب غاز، ...) وطبعاً مع حماية هذا الطريق بالوسائل العسكرية المناسبة. في العام 2017، تم إنشاء أول قاعدة عسكرية للجيش الصيني خارج الصين، في دجيبوتي، مع هدف واضح هو حماية مرافئ نقل البضائع وحماية مصالح الشركات الصينية.
هذا بالإضافة إلى الشركات الإحتكارية الصينية التي بدأت بنقل جزء من إنتاجها إلى الخارج وخاصة أفريقيا، لإنخفاض تكلفة الأيدي العاملة فيها وعلى ما تشكله من أسواق واعدة لتصريف البضائع في المستقبل (هذا حال 300 شركة صينية لإنتاج الأنسجة في أثيوبيا على سبيل المثال). عدا عن سياسة شراء الأراضي الزراعية في أفريقيا (مدغشقر)، أميركا اللاتينية، أستراليا روسيا وحتى الولايات المتحدة.
حسناً، ليس الهدف هنا هو بناء دراسة عن طبيعة النظام الصيني وإنما محاولة لوضع الأمور في نصابها.

خلاصة

ما نشهده عالمياً هو عملية إنتقال للمركز الرأسمالي، وليس ما نشهده هو إنتصار لنظام شيوعي على الرأسمالية وما إلى هنالك من تحليلات إرادوية حالمة. عملية إنتقال المركز لن تغير من جوهر النظام الرأسمالي وطبيعته وإنما ستغير في موازين القوى وفي التحالفات الجيوستراتيجية. من جهة أخرى، ستؤمن، عملية الإنتقال هذه، الظروف الموضوعية لإنطلاق أو تعزيز جبهات تحرر وطني، إذا ما توفرت الظروف الذاتية المؤاتية لذلك.
أزمة كورونا ستمر على أوروبا وأميركا، وسترمي بظلها الثقيل جداً على رسم سياساتها المستقبلية. لكن مخطئ من يتوهم أن أزمة هذا النظام ستُحَل بمجرد إعادة بناء الإنتاج المحلي والذي عادة ما يترافق مع حركات سياسية قومية وعنصرية. يمكن للإنتاج المحلي أن يعالج بعض المشاكل التقنية، لكنه لن يُلغي تناقضات النظام الرأسمالي الإمبريالي (ألمانيا وهيمنتها على سياسة الإتحاد الأوروبي مثالاً)، ولن يُلغي الحروب الشرسة الذي سترافق حتماً عملية إنتقال المركز الرأسمالي.

نعم، إننا نشهد ولادة عالم جديد، لكنه لن يكون "أجمل" من سابقه أو أكثر إنسانية، إلا إذا تم تشكيل جبهات تحرر وطني في المراكز كما في الأطراف، وهذا لن يتم من خلال إستبدال مهيمن "غربي" بمهيمن "شرقي" وإنما ضمن إستراتيجية تعمل على إلغاء ظروف الهيمنة من جذورها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر