الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة حاجة بيولوجية للأجيال

علاء موفق رشيدي

2020 / 4 / 12
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


العلاقة بين الأجيال :

تشغل فكرة الأجيال والعلاقات فيما بينها، الحجر الأساس في الفكر الذي يستعرضه لنا ( خوسيه غاسيت ) في كتابه ( موضوع زماننا) ، فيعرف كل " جيل " بأنه حساسية حيوية ناشئة في التاريخ، ويبين دور الأجيال في بناء الشعوب، فيكتب (خوسيه غاسيت) : ( إذا أخذنا ارتفاع شعب من الشعوب بجملته، فإن كل جيل من أجياله يمثل لنا لحظة من حيويته، وكنبض من قدرته التاريخية. وكل نبضة لها سماتها المميزة الفريدة، إنها خفقة ثابتة في سلسلة النبض، كما هي كل نغمة في تدفق لحن )

ويوضح (خوسيه غاسيت ) أن كل جيل ينشأ يجد نفسه ثقافياً أمام وضعين : أولاً حتمية التعامل مع أفكار الجيل الماضي، وثانياً ضرورة تطوير أفكاره الذاتية : ( ذلك أن الأجيال تنشأ من بعضها البعض، بشكل يجد الجيل الجديد نفسه مع الأشكال التي أطلقها الجيل السابق إلى الوجود. فالحياة إذاً، بالنسبة إلى جيل من الأجيال مهمة ذات بعدين، إحداها تكمن في تلقي ما عاشه الجيل السابق من أفكار وقيم ومؤسسات، والمهمة الأخرى في جعل خيارها الخاص يتدفق )

وبما أن لكل جيل ناشئ حيوية خاصة كما يقول (خوسيه غاسيت )، فإن على كل جيل الإطلاع في دور تاريخي هو النشاط والفاعلية لأجل دعواته الخاصة، ويخيم على الأجيال الواجب الآمر القاسي في تطوير براعمها الداخلية، وتشكيل الوجود فيما حولها حسب رؤيتها. لكن هل هذه هي الحال التي تتم حقاً ؟

كلا، هي إجابة المؤلف على هذا السؤال، وهو يوضح أن هناك أجيال مثل الأفراد، تنكص وتتقاعص عن دورها التاريخي، وتستسلم لما هو مقدم لها من إنجازات الجيل السابق، ويحذر الفيلسوف (غاسيت ) من الخطر المحدق بالجيل المتقاعص، فيكتب : ( في الواقع، هناك أجيال غير وفية لذاتها تبطل القصد التاريخي المودع فيها. فبدلاً من أن تتصدى للمهمة التي حددت لها مسبقاً فإنها تفضل ، وقد أصمت آذانها عن أندية دعوتها الملحة، أن تستكين متقوقعة في أفكار ومؤسسات وملذات خلقتها أجيال سابقة وتخلو من التشبه بطبعها. إن هذا النكوص من موقعها التاريخي لا يتم من غير عقاب. فالجيل الجاني على نفسه يتمرغ في الوجود في خلاف دائم مع نفسه ذاتها، وهو مخفق حيوياً )

بالعلوم يمكن النبؤ بالمستقبل :

للإجابة على هذا التساؤل يروي لنا المؤلف ( خوسيه غاسيت ) عن كيفية رؤية الإنسان القديم للأحداث التاريخية : ( إن تفسير الإنسان القديم للحياة التي كان يعيشها، هو في الحقيقة، إلغاء التاريخ. فالوجود في نظره كان يكمن في أن أشياء تحدث له. والحوادث التاريخية كانت أخطالاً تنهال تباعاً. فإنتاج عمل عبقري والأزمات المالية والتغيرات السياسية والحروب كانت ظاهرات من نمط واحد يمكننا أن نرمز إليه بقرميدة تسحق عابر سبيل. وعلى هذا الشكل تكون العملية التاريخية سلسلة من المصائب لا قانون لها ولا معنى )، إذاً، هكذا يعتقد الإنسان القديم أن المعارف والأحداث التاريخية هي معطى غير خاضع للتحليل السببي، ولكن ماذا عن زمننا المعاصر ؟

يدرك الإنسان المعاصر أن الحياة سلسلة من الوقائع التي تخضع لقانون، ويؤيد (خوسيه غاسيت ) هذه الرؤية المعاصرة لتفسير الوقائع والأحداث التاريخية: ( إن الحياة هي سلسلة من الوقائع يدبرها قانون. ففي كل مرحلة من مراحل التطور، نجد المرحلة التالية قد تشكلت مسبقاً. إن الحياة البشرية هي عملية داخلية لا تقع فيها الأحداث من الخارج على الذات، أكان فرداً أم شعباً، وإنما هي كما تطلع من البذرة ثمرة وزهر )

إذاً، إن التنبؤ بالمستقبل ممكن برأي ( خوسيه غاسيت ) حين الإتكاء على معطيات العلم : ( بكل اختصار إن العلم الذي ينتج الآن هو الوعاء السحري حيث يجب أن ننظر للحصول على لمعة من ملامح المستقبل. العلم ما هو إلا مثال أعلى، فعلم اليوم يصحح علم أمس، وعلم غد يصحح علم اليوم، فالعلم ليس واقعة تختتم في الزمن. فإن العلم الكامل والعدالة الحقيقية يتححقان فقط، كما كان يتصور كانط هو وعصره، في السيرورة اللامتناهية للتاريخ )

وهنا يحرص المؤلف على إعطاء وصيته في بناء ثقافة المستقبل، وهي مساعدة وتشجيع الثقافات الصاعدة على حساب الثقافات الرجعية أو الجامدة : ( ومن هنا فإن المذهب الثقافي يكون دائماً تقدمياً، لأن معنى وقيمة الحياة يوجدان دائماً في غد أفضل )

تالياً، ويحذر الفيلسوف ( خوسيه غاسيت ) من الإستكانة إلى جاذبية الثقافات القديمة مثل : الدين، والعادات والتقاليد. ويكشف عن أساليب الجاذبية التي تمارسها الفلسفات القديمة على ثقافة الأجيال الصاعدة، فيصف هذه الجاذبية بالآتي : ( الجاذبية التي تجذبنا بها فلسفات الماضي، هي إيجازها الواضح والبسيط وسذاجة توهمها أنها اكتشفت الحقيقة كلها، وثقتها بأنها تستقر في صيغ تفترضها راسخة، تعطينا انطباعاً عن عالم منجز محدد ونهائي من غير مشاكل وكل شيء فيه محلول )

الثقافة حاجة بيولوجية :

من الأفكار المميزة التي جاءت بها فلسفة (خوسيه غاسيت) في هذا الكتاب، هي الظاهرة البيولوجية للثقافة. فهو يخالف النظرة السائدة سواء تلك التي تجعل من الثقافة حالة روحانية، أو تلك الأخرى التي ترى بالثقافة مرآة للعقلانية. لا يقبل ( خوسيه غاسيت ) أن تقتصر الثقافة على الجانب الروحاني أو العقلاني فقط، بل يدافع، عما يميز رؤيته الفلسفية، بأن للثقافة جانب بيولوجي، وبذلك يجعل من الثقافة جزءاً من الحاجات العضوية للإنسان.

يقول (خوسيه غاسيت ) : ( إن العدالة والحقيقة والإستقامة الخلقية والجمال هي أشياء لها قيم بحد ذاتها وليس فقط بمقدار ما هي مفيدة للحياة)، إذاً للشعور بالعدل، ومعرفة الحقيقة والتفكير فيها، والإبداع الجمالي والتمتع به، معانٍ في ذاتها، ولها قيمة في ذاتها نفسها، ولو أصبحت مجردة من منفعتها للكائن الحي الذي يمارس تلك الوظائف.

يحث المؤلف (خوسيه غاسيت ) في كتابه ( موضوع زماننا ) على مشاركة الأفراد في بناء الثقافات : ( الثقافة تستمر في الحياة ما دامت تتلقى دفقاً حيوياً مستمراً من الذوات والأفراد، حتى إن انقطع هذا الدفق وابتعدت الثقافة بنفسها، فإنها لا تلبث أن تجف وتصبح ميتة )

فللثقافة إذاً، ساعة ولادة وهي ساعتها الغنائية أو الشعرية، ولها ساعة تحجر وهي ساعة أفولها. هناك ثقافة وليدة وثقافة جاهزة من قبل. فمن الضرورة في عصور الإصلاح كعصرنا ألا نثق بالثقافة الجاهزة، وعلينا أن نشجع الثقافة الصاعدة. ففي مقابل الثقافة، علينا أن نشجع : الصدق والذاتية والحيوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال