الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الثالثة

الشيخ إياد الركابي

2020 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



الواقعية البنيوية :

في النظم الدستورية تبدو الحاجة ماسة أكثر في الاعتماد على متلازمة - أمن واقتصاد - فيما يخص قوة الدولة ووجودها ومكانتها بين الأمم ، والذي نسميه ( بنية النظام ) هو في الحقيقة بنيتها الداخلية والخارجية والتي هي عناصر قوتها بالفعل ، وتلك هي الضمانة التي تحول دون حدوث الفوضى فيها ، و البنيوية تتأسس في الواقع على ما يقدمه الفعل الإيجابي للمجتمع وكذا ما يحصل عليه عبر التعاون الدولي ، الذي هو : - الجهد المبذول في العمل وكذا هو سلة المواثيق و التحالفات الدولية - ، وقد عبر عن ذلك بمفهوم - رصيد القوة - في الواقع ، الذي بإمكانه الحد من جنوح البعض ونزوعهم نحو الفوضى و اللانظام ، ومقدمة ذلك يكون بالإيمان بالوحدة الاجتماعية وحدة النظام ووحدة الشعب .

يقول - مير شايمر - : - التكوين الدولي من طبيعته الانحياز إلى أصحاب القوة وهذا ما يجعل التنافس سلبيا والصراع ليس عادلا - ، هذه المقولة تذكرنا بزمن الحروب القديمة التي تعتبر القوة أساس العلاقات واساس الحكم ، والامر نفسه لا يختلف كثيرا عما هو عليه الحال في عصرنا الراهن ، فالاستخدام المفرط للقوة وفقدان المعايير الرصينة في التعامل ناهيك عن فقدان المانع والرادع ، وغياب الميثاق الحقوقي الراعي لحماية الأمم يجعل من قضية الصراع رهينة لفعل الأقوياء ودورهم ، كما ان فشل الحلول السلمية زاد من سطوة الخارجين على القانون والتمرد ، وقد وجدنا الكثير من الأنانيين وذوي النوايا السيئة قد استغلوا درجة الانشغال في المسائل الداخلية ، ليوجهوا قواتهم لاحتلال أراضي الغير تحت دعاوى ومزاعم باطلة ، وبحثا عن اهداف زائفة وسعيا وراء مصالح ضيقة ، حدث هذا في مرات عديدة حين غزا البعض دولا مجاورة بحجج وهمية و رغبات عدوانية وتنفيذا لسياسات توسعية فاسدة .

ان الحاجة تبدو ماسة لتعميم مفهوم : - ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة .. ) كمادة وكعنوان مضطرد الحدوث لازم في جميع الحالات المتنوعة ، لأنه يركز على الجاهزية ودوام الاستعداد تحسباً وتأهبا لكل طارئ من الغير البعيد أو القريب ، يقول فنوم بنه في المذكرات السرية لحرب فيتنام : - ما كان يمكن للعدوان ان يحقق مراده ، لو كنا على استعداد وجهوزية كافية - ، والاستعداد من العدة التي تعني رسم خارطة طريق وتحديد طبيعة المواجهة ، مع الاخذ بعين الاعتبار ما تطلبه المواجهة من قوة وعزيمة وتحضير دائم دون غفلة او لا مبالاة ، وفي هذا الصدد نصطدم بالفكرة التي تقول ما هو الموقف الواقعي الذي يجب ان نأخذه تجاه الدول الفقيرة والضعيفة من العالم الثالث ؟ ، وكيف لهذه الدول ان تواجه المخاطر في ظل النقص في الامدادات والموارد الاقتصادية ؟ ، وكيف لها ان تعتمد على غيرها من الدول الكبرى من دون ان تقع فريسة لها ؟ ، وسنعتمد هنا على الإجابة المقتضبة التي تروى عن - جان جاك روسو – ، حين تحدث عن معنى الحرية و التحرر من قيود الظلم والاستبداد ، قال : لا تبدو الخيارات كثيرة في هذا المجال في ظل ضعف الإمكانات و في ظل الانقسام واللاوعي المجتمعي ، وبعبارة أدق : يكون التحرر أو الحرية في ظل انعدام وسائلها غير ممكنة او محدودة ، ولكن لا يعني ذلك استحالة الفعل الذي يبقى دائما مرهونا بالإرادة الجمعية ، وفي تطبيقنا هذا على المجال الدولي نعرف : ان فقد الإمكانات والموارد الاقتصادية وتعسرها يسهل من عملية وقوع الدول الفقيرة فريسة بيد الدول الكبرى وتلك حتمية تاريخية بالمنظور المنطقي ..

ماذا نقصد بإرادة البقاء ؟ :

سنستخدم تلك الجملة الصحفية القائلة : أنه في ظل النظام الدولي الحالي تبدو مسألة البقاء مرهونة للقوة ومن يمتلكها !! ، تدلنا هذه المقالة على طبيعة النظام الدولي الحالي وبانه محكوما بالفوضى ، مما يستدعي من الجميع التركيز على قدراتهم الذاتية والايمان بها - ( الاعتماد على الذات ) - ، تلك هي المقدمة الأولى في معنى - ضمان البقاء - في ظل التزاحم ، وللبعض الاخر طريقا يعتمده في المخاتلة والتحايل الضمني أملا في كسب الوقت و القوة ، واعتبار ذلك قاعدة يتم على أساسها ضمان البقاء .

ولكن ماذا تعني مقولة كسب القوة ؟ ، الكسب مفهوما يدل على تحصيل الأدوات والوسائل المؤدية إلى الإحساس بالوجود الفعلي ، وهي القادرة على دفع الاخطار وتوهيم الغير واشغاله بمراوحات وهمية ومراوغة ، وهذه عندنا تؤسس لمعنى الشعور بالاطمئنان في ظل انعدام التوازن والفوضى .

طرح السيد الخميني مبدأ ( لا شرقية ولا غربية ) في التعامل الدولي ، كخيار سياسي ديناميكي يرفض الهيمنة و الثنائية القطبية وقد استلهم ذلك المبدأ من الكتاب المجيد كما في سورة النور 35 ، والمبدأ يقدم عرضا متوازنا للعلاقات في مجال العمل السياسي معتمداً على المرونة ، المؤدية إلى جعل الفاعل السياسي يتحرك في مساحة واسعة من الاباحة والاحتياط ، سواء في العمل أو في عقد التحالفات والاتفاقيات دون الاضرار بالاستقلال وبالسيادة الوطنية ، هذه المساحة موضوعيا شكلت درعا واقيا ، انتج نوعا من الوفاق الإيجابي في الموقف من الدول الأخرى ، ساعد في تحسين الأداء داخل مجموعة ال77 ومع منظمة التعاون الإسلامي وفي هيئة الأمم ، وضمان التعددية وعدم الانحياز جعل من مفهوم الهيمنة ينحسر إلى مستويات كبيرة ، وقد أدى هذا إلى زيادة في الشعور بالاستقلال والامن وفي كفاءة الدولة في إدارة شؤونها بنفسها ، وقد تجلى ذلك ابان الحرب العراقية الإيرانية ، وفي تحاشي الكثير من الازمات التي خلقها تداعيات الواقع السياسي والإعلامي المر .

وفي مجال العمل السياسي لا بد من التمييز بين المرونة والميوعة ، فالمرونة : أصلها فعل رباعي صحيح الاشتقاق من - مرن - ، الدال على معنى قدرة الدولة في التكيّف والاستجابة للتحديات التي قد تتعرض لها ، أعني استقلالها وقدرتها في اتخاذ القرارات وما ينتج عنها ، وأما الميوعة : فالاشتقاق اللغوي لمصدر الفعل – ماع - ، هو النقيض أعني عدم قدرة الدولة في مواجهة التحديات ، مما يؤدي الى نوع من عدم الثقة بالنفس والمستقبل .

وتبقى : - الواقعية البنيوية - هي مجموعة الافتراضات التي تخص مصالح الدولة وقدرتها وتأتي دائماً في الحيز الأول من اهتماماتها ، وفي السياق التزامني للبحث تصادفنا حادثة - إيران جيت - والعلاقة مع أمريكا ، والتي في ظلها تكشفت تلك الحقيقة الجدلية المخفية عن البعض ، حول العلاقة والمناكفة في ظل الحاجة والمصلحة و القبول بالمساعدات غير المشروطة ..

توازن القوى :

مُشرعي عهد النهضة اعتبروا الحاجة الى التنظيم المجتمعي بمثابة الحاجة إلى الوجود نفسه ، وقد عُممت هذه المقولة في بداية القرن العشرين لتلعب دورا مزدوجاً في موضوعة الأمن والمكانة والتوازن ، وهذا الاعتبار يختلف كثيرا عن متبنيات الكلاسيكية التاريخية التي ركزت على مفهوم القوة وحدها باعتبارها وسيلة لتحقيق الأمن ، لكن ما معنى مفهوم الامن البنيوي ؟ يقول روبن فوم : - أن الفرق بالثقة والشعور بالثقة يرتبط بقدرة القوة على تحقيق الامن في كل الأحوال - ، فالأمن والشعور به هدف نفسي يقود للثقة والاطمئنان والشعور بالبقاء واستمراريته كذلك .

وفي مجال دراسات الأمن البنيوي لا بد من رفع حالة الخوف وانعدام الثقة إضافة إلى تحقيق المنافع ولو بشكل نسبي ، وهنا تصادفنا الليبرالية الديمقراطية كأكثر المدارس في هذا الاتجاه واقعية ، لأنها تعنى بقضية تحصين الدولة وحماية المجتمع ، وهي تعتبر النزاع والحرب استثناء والأصل هو الاستقرار والسلام المؤديان للتوازن والبقاء ، ولقد تكفل كتابنا ( الجهاد في الإسلام ) في حينه بتعميم هذه الحقيقة ، وفق مشروعه في نقد فكرة الجهاد الابتدائي التي ركز عليها فقهاء العصر الوسيط ، وفي هذا تدعيم لمبدأ - الامن البنيوي - الذي تتبناه الليبرالية الديمقراطية منذ النشأة ولحد اللحظة ، والهدف دائماً هو تحقيق السلام ورفض نوازع الحرب ..

وللحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة