الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غواية القمر المحتال

سعد محمد موسى

2020 / 4 / 13
الادب والفن


ما بين القمر والنهر كان يتراءى شبح العاشق المجنون الذي بات جزءاً من ذاكرة الجسور والقناطر وضفاف الأنهر.
ذلك الغریب النازح بأسماله المتهرئة والمبللة أطرافها بالوحل والماء من أعماق الأهوار الى المدينة وهو يتعقب القمر ويتوعده بأقذع الشتائم ملوحاً بطرف عصاه الى ذلك المتهم والمتخفيّ بين الغيوم.
کان "شخيتر" يستشيط غضباً حين يكون مشغولاً أو محاصراً ما بين مطاردة القمر أو إبعاد الاطفال النزقيّن الذين يحومون حوله وهم يرددون الاهزوجة التي كانت تستفزه: ياحوته يامنحوته هدي كَمرنا العالي!!
أما حين يغيب القمر في عتمة السماء متخفياً من مطاردات المجنون وهراوته.
يجلس حينها شخيتر القرفصاء على ضفاف نهر الفرات ويعوي بالبكاء مثل ذئب جريح منهار في خضم خيباته وإنكساراته متذكراً جراحاته الأبدية حين فقد عروسته في ليلة "الدخلة" بعد أن تسلل القمر من وراء البساتين وأجمة القصب الى هور "الحمار" فاختطف "إسعيده " من داخل "كلتها" التي كانت منصوبة فوق "الچبشة" وقبل أن تكتمل نصاب ليلة الدخلة.
لطم شخيتر على رأسه وصدره بعد أن عرف أن القمر أغوى زوجته وأختطفها أثناء غيابه حين ذهب للاستحمام في الهور وتفقد الجواميس!!
توسل العريس كثراً للقمر سارق حسناوات فراديس الأهوار أن يسترد زوجته لكن القمر لم يأبه بنواح وتوسلات شخيتر .
في اليوم الاخر حمل العريس المفجوع في قاربه الكثير من القرابيّن والنذور من قطع حلوى "الخريط" والاسماك المجففة "المسموطة" والمزامير والنايات المصنعة من أجود أنواع قصب البردي.
جذف شخيتر بمشحوفه نحو بوابة الماء المقدسة حيث مقام إله الماء "آنكي" وركع هناك مصلياً في جوف القارب ثم اشرأب عنقه نحو السماء وأنشد نواح غناء الأبوذية وأذرف الدموع مدرارا لكن القمر العنيد والمتكبر تجاهل عذابات شخيتر.

أخذ العاشق المنكوب بعد تلك الفجيعة يتعقب القمر وهو يحمل هراوته وثاراته كل ليلة مطارداً القمر حتى إذا أفل متوارياً.. تستفيق حينها الشمس من الجهة الأخرى وهي تتثاءب فوق سرير الشفق كي تناوب حراستها في السماء .. فيخلد بعدها شخيتر الى الراحة والهدنة وهو ينتظر المساء بحرقة حتى يظهر عدوه القمر مرة أخرى كي يعاود رحلة المطاردة.
ولكن ذات ليلة وبعد أن يئس شخيتر من القاء القبض على القمر الهارب إستوقفته مرايا النهر بسكينتها وهي تحتضن القمر .. فتسلل خلسة الى أعماق النهر خافياً هراوته وراء ظهره بعد أن رأى القمر نائماً وغافلاً فكانت فرصته لاصطياده والانقضاض عليه.
لكن النهر استدرج سيقان شخيتر الى الاعماق وهو يحاول الامساك بصورة القمر المخادع حتى غاصت أقدام شخيتر في الطين ثم ابتلعه النهر ومنحه الى القمر كي يكمل نصاب سرقته الثانية بعد زوجته إسعيده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا