الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقد الاجتماعي من منظور فلاسفة العقد الاجتماعي

الحسين افقير
كاتب مغربي .

(Houcine Oufkir)

2020 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


العقد الاجتماعي كمصطلح فلسفي متجذر في الفكر الإنساني قديم في تموجدات الفعل البشري المتنوع ، و إن لم يكن متبلورا بموضعية متخصصة أو مخصوصة، فنلحظه قائم بآثاره في الفكر الفلسفي القديم أي حوالي 400 سنة قبل الميلاد ، و يُعتقد أن سقراط و في فلسفة الحق و الخير و الجمال قد نحى إلى عقد اجتماعي كي يتحقق الجمال و الخير و الحق ، و كذلك أن النتوءات المبزوغة في جمهورية أفلاطون الفاضلة ربما حملت البذور الأولى للعقد الاجتماعي ، كما أن له دلالات في مربع أرسطو في التقابل و التضاد بين المفاهيم و الكليات كنتيجة متفاعلة للأضلاع المربعة الأربعة.
و على المدى اللاحق للفلسفات المتحققة لم تتعدى دراساتها إلى العقد الاجتماعي الشكل السابق و الآنف كدلالات و إشارات كما أشار إليها معلمي الفلسفة الأولى .
لقد تمت دراسة مصطلح العقد الاجتماعي بشكل أكثر إسهابا متناولا كنه اللب المجتمعي للعقد الاجتماعي كنظرية علمية حتى مجيء ثلة من علماء الاجتماع أمثال توماس هوبز و جون لوك و جان جاك روسو ، ليغدو موضوعا أكثر خصوصية و من ثم كمفهوم أيديولوجي قائم بذاته و دافع من دوافع النظرية الثورية التي بدلت مجرى التاريخ و اندلاع الثورة الفرنسية في العام (1789).
- ما هي رؤية هوبز- ولوك- وروسو إلى العقد الاجتماعي؟
- هل لكل منهم رؤية مغايرة تجاه العقد الاجتماعي؟
- أم أنهم تجمعهم رؤية واحدة وموحدة؟

أولا: رؤية توماس هوبز:
تتلخص فلسفة هوبز في العقد الاجتماعي من خلال كتابه " اللفيتان " و كانت نظرته متمثلة في أن الإنسان في بداية نشوئه كان يعيش حياة بائسة تسودها الفوضى و الاحتراب و الاقتتال و البطش شأنه شأن الحيوانات المفترسة ، و نتيجة للبؤس المستشري فقد رأى الإنسان أنه حتى يحافظ على حياته لا بد من العيش مع أقرانه وفق تنظيم اجتماعي يسميه العقد الاجتماعي و من خلال هذا العقد يتنازل الإنسان عن كافة حقوقه الطبيعية للسلطة الناشئة وفق حاجة التنظيم ، ويسميها القوة المجتمعية المتمثلة بفرد أو ملك أو سلطان ، و هذا القوي ( التنين ) يسن القانون وفق مشيئته و يتمتع بصلاحيات غير مقيدة ، و هذه السمات التنينية متحصلة لأن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان و أن الكل في لحظة غير مقوننة و في لحظة فوضى لا حكم لحكومة فيها يخوض حربا ضد الجميع .
هذه الرؤية تأسست عند هوبز لأنه عايش الحرب الأهلية الانكليزية و استنتج من خلال رؤيته أن الإنسان لا يمكن أن يحكم نفسه ذاتيا ، و الحالة الطبيعية التي عاشها الإنسان استوجبت الحروب و الكوارث و الويلات ، و مع انتفاء سلطة قوية لا يمكن أن تعتدل حياة الإنسان الطبيعي ، فرغبة الإنسان نفسه بالأمان و التمتع بمزايا القانون أجبره أن يتنازل عن حقوقه الطبيعية وفق عقد أو اتفاق للتنين ( السلطة ) الذي يمنع من حصول الفوضى التي تمتع بها الإنسان الطبيعي ، و التنظيم الذي يلحقه إثر هذا العقد الاجتماعي .
الحق الطبيعي وفق فلسفة هوبز هو حق موجود ، وللإنسان وفق هذا الحق يكون متساو مع قرينه فيخلق حالة الحذر و حالة الحذر القلقة تؤدي إلى الحروب و بالتالي الحياة القصيرة و الكريهة ، و بالتالي ليس هنالك متسع من الوقت و المكان للعمل الكادح لأن ثمرة ذلك غير محققة .
و الحق الطبيعي بالنسبة لهوبز هو مجرد صلة موصولة بغريزة البقاء ، و حرية الفرد لا بد أن تكون مصانة من أجل حفظ طبقته الخاصة أو الطبيعة الذاتية للفرد ، و ليس للبشر أفضل من إقامة عقد فيما بينهم يسلمون حقوقهم الاجتماعية إلى السلطة مقابل الأمان و الحفاظ على النوع البشري . و المجتمع السياسي هنا ثمرة اصطناعية وفق العقد الناشئ و ليس واقعة طبيعية ، و العقد الاجتماعي أو المجتمعي ليس بين الناس و التنين " الملك" و إنما بين الناس أنفسهم لتنصيب ملكا " تنينا " عليهم يجلب لهم سيادة القانون و طمأنينة الناس وفق القوة التي يتمتع بها الملك . أي أن السلطة المطلقة ناشئة عن عقد اختياري عقلي وفق مصلحة و غائية تجلب الخير للطرفين الملك من جهة و الشعب من جهة أخرى .

ثانيا: رؤية جون لوك:
تتركز فلسفة جون لوك على الجانب العقلي في تفسير كل ما يفعله الإنسان فيؤكد خلالها أن الإنسان يخلق دون مورثات عقلية ، و أن مصدر المعرفة الإنسية هي الفطرة التي تكتسب و تتصقل بالخبرات العقلية ، و الجانب التربوي التعليمي عنده حاسمة و نوع التربية و التعليم المتلقى تجعل التمايزات بين الإنسان، يختلف لوك مع هوبز في كينونة النظرة السوداوية المتوحشة إلى الطبيعة ، فللإنسان حسبه حقوق مطلقة طبيعية تخلق معه و لا يخلقها له المجتمع ، و يتمثل الحق الطبيعي عند لوك إن حق الإنسان أن يكون حرا و هذا مبدأ طبيعي لا يتخلى عنه الإنسان طواعية و بالسهولة ، و بالتالي أن الإنسان الحر يتعامل مع آخر حر و مثله مما يخلق حالة متقدمة من المساواة ،
فالحكام وفق لوك هم مجرد إداريون في خدمة الجماعة ، و الانتقال الإنسي من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية الوضعية تُفسر حسب لوك لعدم وجود قوانين ناظمة في الحياة الطبيعية و عدم وجود سلطة لهذه القوانين تتناسب مع الإنسان ( الحاذق العاقل )بمواجهة الإنسان ( اللاحاذق اللاعاقل ) كنتيجة مستوجبة و أساسية تُظْهِر القانون الوضعي الذي يؤسس للدولة العادلة و للحكومة الصالحة ، فالدولة هنا و وفق لوك و خلافا لهوبز تقوم على أساس عقد أو اتفاق واع و عقلاني بين الحاكم و المحكوم ، و أن البرلمان المنتخب و المتشكل و الذي يناسب إرادة " الإنسان الحاذق العاقل " ، هذا البرلمان قد يختلف مع الملك في أمور سياسية معينة حينها لا بد الالتزام للبرلمان لا للملك . و خلاف هوبز أيضا يرى لوك أن الإنسان الطبيعي عاقل غير متوحش و دليل ذلك الالتجاء إلى العقد الاجتماعي من أجل سلطة قوية تضمن حقوق الأفراد و حقوق ملكيته الخاصة بشرط أن لا تكون الحكومة تعسفية و متسلطة ، و لكي لا تكون كذلك لا بد من تقسيم الحكومة الناشئة إلى تشريعية و تنفيذية و اتحادية .
وعدم استطاعة الناس إلى حماية مجتمعهم الطبيعي جعلهم وفق قناعة لوك بالتعاقد فيما بينهم و تشكيلهم لحكومة تمثلهم و تدافع عن حقوقهم . أي وفق عقد اجتماعي مشروط ، طرفيه مخلوقات عاقلة مدركة تستحق الحرية الطبيعية و الحرية الاجتماعية و الحرية السياسية .

ثالثا: رؤية روسو:
يعتبر روسو من أبرز فلاسفة عصر الأنوار و الاتجاه المساواتي ، و أفكاره التي انتقدت الحياة السياسية في كل أوربا و بالتحديد في فرنسا وَسَمِتْ هذه الأفكار الحداثة الفكرية ، و جُمّلت أنها أفكار راهنية تحضر الروح الفكرية المتقدة في التحليل السياسي للفلسفة المعاصرة.
إن رأي روسو حول العقد الإجتماعي الذي يشكل الصيغة الأُنسية المثلى لبناء المجتمع الحديث المتمتع بالحرية و المساواة و العدل . و الملاحظ أن فلسفته ومواقفه السياسية تعتبر بمثابة الرفض لسلطة الحكم المطلق و سلطة الوصاية التي فرضتها الكنيسة على كل مفاصل الحياة الاجتماعية و السياسية و الفكرية آنذاك ، فنلحظ أن الاهتمام الأقصى الذي بذله روسو مع كل مفكري عصر الأنوار هو التنظير للفكر البرجوازي و قد وضعوا صوب اهتماماتهم نقد وتقويض دعائم النظام الفيودالي و ما هو مرتبط بها من أحزاب سياسية و تنظيمات دينية مروجة للفكر الفيودالي الذي سيطر على الحياة العامة في جميع المستويات الاقتصادية والسياسية .فأكدوا البراديغما الذي تحكم في أفكار فلسفاتهم و أدبياتهم و مقالاتهم .
قول جون جاك روسو" إن البشر في حالة ليسوا لا صالحين ولا أشرارا، إذ لا تجمع بينهم أية علاقة أخلاقية أو واجبات مشتركة"، وهنا يتعارض مع هوبز الذي يعتقد بأن الإنسان الطبيعي شرير بطبعه لأنه لا يمتلك أي فكرة عن الخير والشر مفطور على تحقيق رغباته وتلبية شهواته .و الشرور التي حدثت فيما بعد أي عند انتقال الإنسان من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية، تتمحور فلسفة روسو الأساسية في كتابه العقد الاجتماعي و يرى أن الحرية هي أساس الحق و أن أي تجمع بشري مدني أو أية سلطة ناشئة عن هذا التجمع يمكن أن تكون شرعية بقدر محافظتها على الحرية الفردية و الحرية المجتمعية و ضمان السلم و الأمن إلى جانب الحرية ، فالإنسان في الحالة الطبيعية يكون حر بشكل لا محدود بسبب عدم وجود المسؤوليات و الالتزامات في الحالة الطبيعية ، و ما أن انتقل الإنسان من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية أو الاجتماعية أو الوضعية يخسر تلك الحرية و يربح الحرية المدنية ، و يضمن هذه الحرية من خلال ميثاق عام و اتفاق عام ينشأ من خلاله المجتمع و ينتظم وفق الميثاق المعهود اللاحق للاجتماع ، و فحوى العقد الاجتماعي الناشئ تجعل السلطة وفق روسو شرعية.
يقول روسو في العقد الاجتماعي " يضع كل واحد منا شخصه وكامل طاقاته تحت الإمرة العليا للإرادة العامة، ويعامل كل عضو على أنه جزء لا يتجزأ من الكلام و أن كل قانون لم يصادق عليه الشعب شخصيا هو بحكم اللاغي وما هو بقانون"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر سويسرا.. عملية السلام من دون روسيا لا يمكن أن تستمر| #


.. واشنطن تحذر.. هجمات حزب الله شمالي إسرائيل قد تؤدي لحرب -غير




.. الجيش الإسرائيلي: استدعينا مقاتلين برا وجوا لمنع اختطاف جثث


.. محتجز إسرائيلي أنقذ من غزة يدعو حكومته إلى التوصل لصفقة تباد




.. الحجاج ينفرون من عرفات إلى مشعر مزدلفة بعد أداء ركن الحج الأ