الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحصانة البرلمانية في الدستور العراقي لعام 2005

صادق يوسف

2020 / 4 / 13
دراسات وابحاث قانونية


*الحــصـــانــة البـــرلــمــانــيــة*
المادة (63/ ثانياً):- أ ـ يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من اراء في اثناء دورة الانعقاد ولا يتعرض للمقاضاة امام المحاكم بشأن ذلك .
ب ـ لا يجوز القاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي الا اذا كان متهماً بجناية ، وبموافقة الاعضاء بالاغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه أو اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية .
ج ـ لا يجوز القاء القبض على العضو خارج مدة الفصل التشريعي الا اذا كان متهماً بجناية ، وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه ، أو اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية.

يتضح لنا من خلال النص الدستوري ان المشرع الدستوري أشار إلى نوعين من الحصانة على وفق ما ذكر آنفاً ففي نص البند (آ) من الفقرة (ثانياً) من المادة (63) ينص على الحصانة من الناحية الموضوعية بما يلي ( يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من آراء في أثناء دورة الانعقاد، ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن ذلك) . وبموجب هذه الحصانة يتضح لنا ما يأتي:-
1-ان عضو مجلس النواب لا يسأل عن أي قول أو رأي يبديه أو يعتنقه او يصرح به إثناء المناقشات التي تجري داخل المجلس ولا يمكن للقضاء أو لأي أي شخص أن يقاضي النائب عن ذلك النشاط، والعبرة من ذلك هو حماية استقلال النائب من الخضوع إلى الضغوطات التي قد تمارسها عليه السلطات العامة الأخرى، لان حضوره هو تمثيل للشعب ولا يمثل شخصه، لذلك فان هذه الحصانة لم تقرر لمصلحة العضو الشخصية وإنما لصفته الوظيفية كي يباشر وظيفته النيابية على أكمل وجه, ومن ثم منع عقاب النائب عما يبديه من قول أو رأي طالما أن ذلك يتم في إطار وحدود وظيفته البرلمانية, والمشرع حين قرر الاعفاء من العقاب وازن بين مصلحتين, مصلحة العمل النيابي وتمثيل الأمة تمثيلاً صادقاً ومصلحة من تضرر من جراء ما صدر عن عضو البرلمان من قول أو رأي, ثم رجح وهو أمر طبيعي المصلحة الأولى على الثانية لكونها أكثر أهمية, فإذا ارتكب العضو داخل المجلس أو داخل إحدى لجانه جريمة من الجرائم التي تقع بالقول كجرائم السب والقذف بصفة خاصة فهذه الجرائم تنحسر عنها صفة عدم المشروعية ليصبح الفعل مشروعاً بالتالي ان حركت الدعوى الجزائية ضده، فأنها سترد ويصدر القاضي قراراً برفض الشكوى وغلق التحقيق نهائياً بينما هو في قانون العقوبات يظل غير مشروع.
2-إن هذه الحصانة ترد على الأقوال دون الأفعال، وأثناء دور الانعقاد التشريعي وفقاً لما حدده الدستور والنظام الداخلي للمجلس، أما خارجه فلا يتمتع بهذه الحصانة، لزوال الغاية أو المبرر من إسباغها عليه, فإذا ما حصل اعتداء بالضرب أو الجرح أو العنف من أحد النواب على نائب آخر أثناء دورة الانعقاد فلا يعفى من المسؤولية وبالتالي جواز مقاضاته عما صدر من أفعال تشكل جرائم تامة أو شروع فيها، كجرائم الإيذاء البسيط، أو الجسيم، وإحداث العاهة المستديمة والقتل أو الشروع فيه، وغيرها من الأفعال المجرمة قانوناً, ولكن يجب أن لا نفهم من قبة البرلمان المكان الذي تعقد فيه جلسات المجلس الاعتيادية أو الاستثنائية فقط، بل في أي مكان آخر يؤدي فيه النائب أعمال وواجبات النيابة البرلمانية، كاللجان البرلمانية المختصة داخل بناية المجلس أو حتى خارجه عندما تقوم بعملها البرلماني بالرقابة والإشراف على أعمال السلطة التنفيذية، كالوزارات والهيئات المستقلة، داخل العاصمة أو خارجها، داخل العراق أو خارجه، مادامت تقوم بعمل رسمي موكل إليها.
3-ان الحصانة الموضوعية تقتصر على المسؤولية الجزائية والمدنية على اعتبار ان النص احتوى على عبارة ( لا يتعرض للمقاضاة امام المحاكم) والمسؤولية الانضباطية تدخل ضمن اختصاص المجلس نفسه, لذا فإن النص يحصر نطاق الحصانة على المسؤولية الجزائية والمدنية ولا تمتد لتشمل الحصانة ضد المسؤولية الانضباطية, الا ان النظام الداخلي لمجلس النواب لم يعالج الحصانة ضد المسؤولية بما ينسجم مع معالجة الدستور, حيث نص النظام الداخلي في المادة (20/اولاً) منه على (لا يسأل العضو عما يبديه من آراء أو ما يورده من وقائع أثناء ممارسة عمله في المجلس). وهذا النص جاء مطلقا فعبارة ( لا يسأل) جاءت بصفة عامة أي انها تشمل حتى المسؤولية الانضباطية لعضو المجلس فيما يبديه من اراء دون ان يتقيد النص بمسؤولية محددة.
4-إن الحصانة الموضوعية ليس فقط جميع أعضاء البرلمانيين الحاليين بل السابقين إذا كان ابداءه للرأي كان عضواً في مجلس النواب وعند مباشرة عملهم البرلماني.
كما نص الدستور النافذ على الحصانة من الناحية الإجرائية وعلى وفق نص البندين (ب، ج) من الفقرة (ثانيا) من المادة(63) على ما يلي (لا يجوز القاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي، إلا إذا كان متهماً بجناية، وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه، أو اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية.ج ـ لا يجوز إلقاء القبض على العضو خارج مدة الفصل التشريعي الا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه، او اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية).
بموجب النص الدستوري أعلاه يتضح لنا ما يأتي
1-يقصد بالحصانة ضد الإجراءات الجنائية( الحصانة الإجرائية) إرجاء إتخاذ الإجراءات الجنائية ضد العضو حتى يتم الاذن بها من المجلس التابع له, إذ يصبح هذا العضو بعد صدور الاذن شخصاً عادياً يخضع لكافة الاحكام التشريع الجنائي فيما إقترفه من فعل أو عمل.
2-إن البند (ب) من الفقرة ثانياً من المادة (63) منعت إلقاء القبض على عضو مجلس النواب (النائب)، خلال مدة الفصل التشريعي (دورة الانعقاد السنوية بفصليها التشريعيين- المادة57/دستور جمهورية العراق لعام 2005)، إلا في حالتين:-
الأولى:- إذا كان متهماً بجناية (وهي الجريمة المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد-عشرين سنة- أو السجن المؤقت-أكثر من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة- وفقاً لما عرفتها المادة (25) من قانون العقوبات العراقي النافذ، على أن يتم رفع الحصانة عن النائب من قبل المجلس وبالأغلبية المطلقة للأعضاء.
الثانية:- إذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود بجناية، والمقصود بالجرم المشهود هو انطباق احدى الحالات (الصور) التي ذكرتها الفقرة (ب) من المادة (1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971 المعدل، على الأفعال التي يرتكبها النائب والتي تشكل جناية فقط،. الأمر الذي يعني خروج الجريمة من نوع الجنحة - وهي الجريمة المعاقب عليها بالحبس الشديد أو البسيط أكثر من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات، أو بالغرامة، وكذلك المخالفة- وهي الجريمة المعاقب عليها بالحبس البسيط لمدة أربع وعشرين ساعة إلى ثلاثة أشهر، أو بالغرامة التي لا تزيد عن الحد المقرر قانوناً لها، وان ضبط النائب متلبساً بها.
ونعتقد أن استثناء النائب من ذلك لقلة خطورتهما وجسامتهما قياساً بالجناية كما يقال، وأن كنا نرى خلاف ذلك ونفضل شمول الجنحة المشهودة بهذه الحالة، لاسيما وان هناك من الجنح المهمة والخطرة والتي لا نراها تقل خطورة وجسامة وأثرا عن الجناية.
ويلاحظ بهذا الصدد ان الأغلبية المطلوبة للتصويت على رفع الحصانة عن عضو مجلس النواب هي أغلبية عدد الأعضاء الحاضرين وليس اغلبية عدد أعضاء المجلس ( قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم 37/ اتحادية/ 2009 في 11/ 8/ 2009).
3-ان البند (ج) من الفقرة ثانياً من المادة (63) لا يحتاج فيها القاء القبض على عضو مجلس النواب خارج مدة الفصل التشريعي في حالة كان متهماً بجناية إلى تصويت مجلس النواب على رفع الحصانة بل الأمر متروك إلى رئيس المجلس ليقرر ذلك، كون المجلس في عطلة رسمية, أما الحالة الثانية فلا تختلف عما ذكرناه سلفاً.
4- إن الحصانة الممنوحة إلى العضو ليست أبدية، وإنما مرتبطة بصفته كنائب وليس بصفته الشخصية، فإذا انتفت منه الصفة البرلمانية لأي سبب كان، فان هذه الحصانة ستنتهي ويصبح تحت طائلة المسائلة القانونية مثله مثل أي فرد عراقي اعتيادي ، وبالتالي فإن الحصانة التي يتمتع بها النائب تكون مؤقتة وتنهي بحالتين الأولى عندما يقوم مجلس النواب برفعها عنه على وفق الأحكام القانونية والدستورية النافذة، او عندما يفقد شروط العضوية ويصبح خارج التشكيلة البرلمانية، كذلك عند انتهاء الدورة الانتخابية التي قوامها أربع سنوات ، فعندما تنتفي الصفة البرلمانية عن النائب لأي سبب مما ذكر فانه يخضع للمسائلة وتستأنف بحقه الإجراءات القانونية كأي فرد اعتيادي من أبناء الشعب العراقي ، كما إن الجرائم بموجب القانون الجنائي العراقي لا يشملها التقادم، بمعنى إن التهمة تبقى قائمة إلى حين تنفيذ أمر القبض بحق النائب وتقديمه للمحاكمة وإصدار قرار حكم قضائي بات ونهائي، أو بموته فان الدعوى الجزائية عند ذاك ستنقضي على وفق أحكام المادة (304) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ أو بصدور قانون أو مرسوم بالعفو على وفق أحكام المادة (305) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
5-يشترط لتمتع العضو النيابي بالحصانة الإجرائية توافر صفة العضو وقت اتخاذ الاجراء الجنائي وليس وقت ارتكاب الجريمة, بمعنى انه لو كان شخص يتبوأ منصب حكومي في الدولة وارتكب جريمة جنحة مشهودة وبعد فترة أدى اليمين الدستورية كنائب فهنا لا يجوز اتخاذ أي اجراء قانوني بحقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الغذاء العالمي يحذر من المجاعة في شمال قطاع غزة... فك


.. مظاهرات واعتقالات في الولايات المتحدة الأمريكية.. حراك جامعي




.. الأمم المتحدة: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء ال


.. طلاب معهد الدراسات السياسية المرموق في باريس يتظاهرون دعمًا




.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي