الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية بين شكلية الثقافة وما يشبه الدين

سعيد ابو ريحان
كاتب

(Saeed Abu Reehan)

2020 / 4 / 13
الارشيف الماركسي


يستمر هذا الوضع الثقافي والديني الذي يحيط بالمجتمع في هذه الأيام بالتراكم بعضه فوق بعض ككومة قش، قد تمطر أحياناً بعضٌ من أفكاره على هذه الكومة كشكل محاولة مطريّة، على أمل أن يكون بعدها أي نتيجة خضراء محتملة، لكن ما يحصل في النهاية ما هو إلى ماء يرطّب هذه الكومة، ثم إذا عاد الجفاف من جديد جفّت من الخارج، وتعفنت بما خزنته من الرطوبة من الداخل، وهكذا تستمر المحاولات ويستمر التعفن، حتى بات تحمّل الرائحة الصادرة عنها لا يحتمل .

يكاد يكون الشكل العام للمجتمع كفستان غجرية، يتلوّن بكل ما استطاعت جمعه من القماش، هذا القماش الذي جمعته بعملية التسوّل من الشوارع والبيوت، لتخيطه إلى ثوبها مكان رقعة أخرى أو فوقها، فترى المجتمع كل يوم يحصل على قطعة من هنا وهناك، فهو متديّن، مثقف، وطني ، كله فوق بعضه بتناسق عجيب، لو نظرت إليه من الخارج لمجّدتَ الخالق على هكذا بناء، قادر على الاستمرار تحت هكذا ظروف تحتوي أساساته .

يضم هذا المجتمع في محاولاته هذه ثلاث جوانب-رقع تزيّن فستان غجريته:

الرقعة الأولى: رقعة الثقافة

وهذه الرقعة تمتاز بكل ما يمكن أن يمتاز به أي مجتمع مثقف، من مدارس وجامعات ومكتبات ودور نشر، وما إلى ذلك من مصادر يمكن أن تمر بها الغجرية-المجتمع لتتسول رقعة لفستانها، ولحسن حظ الغجرية فهذه المصادر تتبع أهواء الموضة وأهواء المصمم، فالمدارس والجامعات تتبع ذوق الدولة بشكل رئيسي ومباشر، الذوق الذي يدّعي العلمية والعولمة في أسلوب تعاطيه مع الثقافة، وذلك بناء على فكرة أن هذا المصدر يجب أن يُقدّم ذلك النوع والكم من المثقفين القادرين على التعاطي مع الثورة العلمية، وما غير ذلك فما هو إلا ممارسات تأخذ شكل نشاطات منهجية أو لا منهجية تعود لتكون منهجية في النهاية، تعمل هذه الممارسات على أخذ الشكل الداعم للثقافات الأخرى (غير العلمية) والتي يجب أن تحتويها هذه الطبقة العلمية من المثقفين، ولكنها وتحت سطوة ذوق المصمم-الدولة تبقى مضطرة لتستعمل نفس لون القماش لذلك فلن ينتج عنها ما هو جديد ومبدع. بالنسبة للمكتبات ودور النشر فهذه لها جماليتها في التفصيل، فالألوان عديدة، والجميل فيها أنك يمكن أن تدرك لونها دون الحاجة إلى دخول المكان (المكتبة أو دار النشر (، حيث يكفي أن تنظر إلى صاحبها لتعرف اللون الموجود في الداخل، فلو قابلتك لحية طويلة سوداء فاعلم أن ما في الداخل لن يختلف كثيراً، فلا تحاول أن تسأل عن كتب غريبة العنوان، فالكتاب المقدس وما تبعه من سنّة يحتوي كل ما يلزم، فخذ منها أو من تفاسيرها واكتف ولا تتطاول على الله، أما إذا لم تشاهد لحية فادخل واسأل عن ما تريد، ولكن لا تتعمق كثيرا فلن تجد ما تريد، لا لشيء إلا لأن من كانوا يقرؤون ما تسأل عنه قد ماتوا، فمن أين جئت أنت؟
هكذا تأخذ رقعة الثقافة شكلها اليومي، فلا جديد إلا ما جدّ في كتب الدين التي لا تتجدّد، أو روايات يحاول أصحابها أن يقولوا ما يريدون قوله برمزية حزينة، هذه الرمزية التي تشكّل ما تبقى من الفكرة الثورية في الثقافة، تلك الفكرة التي ضاعت من قلوب المثقفين، لا لشيء إلا لأن ثقافتهم لم تأخذ شكلها الثقافي الموجّه نحو الخطأ والإحساس به، هي فقط موجهه نحو الذات، نحو الأنا لا المجتمع ككل واحد ، كمشكلة تسعى الثقافة إلى حلها.

الرقعة الثانية: رقعة الدين

هذه الرقعة هي الأجمل، وضوحها يغري بالشفافية، وغموضها يغري بالمغامرة، وعاديتها تغري بالعبادة، فخذ ما شئت من الأشكال.
تمتاز رقعة الدين بتنوعها الغريب، هذا التنوع الذي - وكما يقول الدين نفسه - يجب أن لا يكون موجوداً بالأصل، ولكن ولأسباب يطول شرحها وُجِدت، فالدين لا يُشكّل نفسه ولكن يُشكّلُه من يأخذه من الناس، الأمر الذي حوّل الدين إلى شيء مرغوب فيه للحياة اليومية فقط ، كنوع من الالتزام بالعبادة، وانفصلت كل أشكاله الخاصة بالسياسة والدولة والعملية السياسية عن المجتمع، فترى الجماعات الدينية السياسية مرفوضة من قِبل الناس الذين يأخذون الدين كعادة يومية، ومن يقبلها فهو على الأغلب معها من قريب أو من بعيد، أو ربما لن يكون هذا الإنسان دينياً، ولكن لأهداف أخرى سياسية أو غيرها قد تبنّى موقف هذه الجماعة.
هكذا تستمر عملية التنوع الديني، والتنازع بين أشكال الدين، يغذّي هذا التنوع عملية التطبيق، فالمتدينون يرفضون التساهل، والوسطيّون يرفضون التشدد، والمجتمع يريد فقط أن يُصلي خمس صلوات ويصوم رمضان ويحج البيت، حتى صار النزاع حول الفكرة الثورية في الدين يزيد من بعد المجتمع عنها، لأنها خطر على المجتمع نفسه كما يفكّر هو نفسه، أو لأنها لا جدوى منها كما هي الآن، وفي الحالتين أصبحت فكرة الدين الثوري الفكرة القديمة الجديدة، عاد من عاد معها إلى زمن محاربة قريش والصليبيين، وفرّ من فرّ منها إلى مقولة أن من شهد الشهادتين دخل الجنة.

الرقعة الثالثة: رقعة الوطنية

وهذه الرقعة هي إما مكمّلة للرقعتين السابقتين أو منفصلة عنهما.
فإذا كانت مكملة لهما فستكون إما وطنية ثقافية من ذات نوع الثقافة المذكورة سابقاً، وعلى هذا فلن تكون إلا نسخاً قبيحاً لما كتبته الدولة، أو وطنية دينية يكون الوطن فيها وما احتواه من مسائل خاضع للتفسير الديني والحل الدينيّ، هذا الحل الذي يحتوي بما يحتويه شكلاً ضرورياً دينياً للمجتمع، يتوجّب تًمَثّل هذا الشكل كي تتم عملية التطبيق الناجحة والناجعة لهذا الشكل الديني من الحلول، وتحت ما تم ذكره من ظروف تحيط بالفكرة الدينية الثورية تتصاعد عقبات هذا الحل.
أمّا إذا كانت منفصلة عنهما، فهذا الانفصال له ما له من سلبيات وإيجابيات، تتلخص بكل سهولة في أن هذا الانفصال إذا احتوى ما هو جديد فسيكون انفصال الابن الذي لا يقول كان أبي ولكن يقول ها أنا ذا، أما إذا كان الانفصال لغايات الانفصال نفسه، فلن يكون سوى مساهمة أخرى في زيادة التعفن أو على الأكثر إعطاء نوعية رائحة كريهة جديدة.

يقول ماركس: إن نقد الدين هو أساس كل نقد، ويقول جيفارا: إنه من الاستحالة بمكان نشر الماركسية في مجتمع غير مثقف، هذا التناسق بين هاتين الجملتين هو الوسيلة والهدف في آن معاً، وهو أيضاً الفكرة والطريقة، وهو بالذات نقطة النقد والرفض، فلن يكون هناك أروع من جملة ماركس لتعني ضرورة إعادة النظر في الدين، لأجل الدين والمتدينين أنفسهم، ولكن الإلحاد هو فقط ما يُرى وسط ما يشبه الدين مما هو موجود، ولن يكون هناك أروع من جملة جيفارا لتعني أن أي جديد من الأفكار يتم استقباله في مجتمع ما بمعزل عن الثقافة ما هو إلا رطوبة، ستتعفن بعد فترة، إذا كانت وسط شكلية الثقافة الموجودة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام




.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف


.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام




.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا