الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائحة كورونا والدولة أية علاقة

محمد قرافلي

2020 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


كورونا والدولة أية علاقة:
1_منطق العلاقة
كل ذي منطق سليم يقر مبدئيا بأنه يصعب تصور قيام علاقة ما بين الدولة وكورونا بحكم التنافر الجوهري بين الاثنين. تنتمي الأولى، أي الدولة، إلى عالم اللامرئي، عالم الأفكار والقيم أما الثانية فإنها تنتمي إلى عالم الحي،عالم الفيروسات المرئي والقابل للرصد!
للدولة حضور وتجلي في مدى قدرتها على وحدتها واستمراريتها في الزمان والمكان وفي مدى قدرتها على ممارسة سيادتها على الجغرافيا والاجساد والكائنات تنظيما وتوجيها وتوحيدا وتجميعا . أما الكورونا بوصفها فيروسا تمثل قوة حية لها منطقها الخاص تشغل حيزا في المكان تخترق الأجساد وتستوطنها تمزيقا وتشتيتا وتفريقا !
يظهر لكل متبصر عاقل ان الجمع او الربط بين الدولة وكورونا من ضرب المحال!
بكون الأولى (الدولة) مرئية والثانية أي الكورونا (لامرئية)! تنتمي الأولى لعالم الأفكار والمعاني اما الثانية فإنها تندرج في عالم الوقائع والكائنات الحية!
كما أن منطق الدولة البناء والتوحيد والتنميط والتجميع بالمقابل فإن منطق الكورونا الهدم والتمزيق والتفريق والتشتيت!
يتبين الاختلاف الجوهري من حيث المبدأ وكذا من حيث المنطق والغاية بين الكورونا والدولة!
كيف لغير العاقل فما بالك بمن هو أعقل منه أن يجرأ على التفوه بالصلة او إمكانية التعلق بين الدولة وكورونا!
ماذا سنخسر لو افترضنا جدلا إمكانية وجود علاقة حميمية بين الدولة وكورونا!
بل يمكن لتلك العلاقة ان تتخذ أكثر من وجه وصيغة، بل تشبه شكل مكعب الوجه الظاهر يخفي ما لانهاية من الأوجه. لذلك تحتاج تلك العلاقة إلى الحفر في شروط انبثاقها وتعقب صيغ تعالقها وتلمس حدود تفاعلها وإدراك منطق تجاذبها!
الدولة وكورونا وجهان لعملة واحدة_2
لكم ان تصوروا علاقة الدولة بكورونا على النحو الذي يطيب لكم، كل من موقعه وبحسب حسه واحساسه وحساسيته. من تروقه افلام الرعب يضعها في خانة افلام الرعب معتبرا أن كورونا كائنا غريبا يغزو الكوكب الأرضي ويهدد وجود البشرية وانه لاسبيل إلى الخلاص منه إلا بوجود بطل مخلص، قد نختلف حول تصور المخلص والمنقذ، شخص خارق مثل أشخاص الأولمب، أو قديس اوحكيم كالفلاسفة والرسل، أوعالما فذا من خريجي مخابر التقصي والرصد العلمي ، ولما لا دولة ما تحمل على عاتقها هذا العبء الجسم!
كورونا العدو والدولة المنقذ والمخلص!
كما أن البعض منا قد يشده يقينه الإيماني إلى الإقرار بكون العلاقة بين كورونا والدولة علاقة الهية، علاقة خالق بمخلوق، وحده الخالق يدرك الحكمة من خلقه لمخلوقه، وحده يمتلك مفاتيح سر ولغز كورونا. حينما يؤديا الفيروس مهمته في الزمان والمكان، في الافق القريب والبعيد يتم عندئذ سحبه، اما بالقضاء عليه أو تعطيله، أو حفظه لمهام أخرى!
كم تبدو مماثلة كورونا بالمخلوق والدولة بالخالق، قابلة للاستصاغة والتقبل، كل دولة تتهم الأخرى انها سبب البلاء والكارثة!
مما يزيد من وضوح المماثلة قدرتها علي كشف أسرار علاقة الدولة بالوجود. وحدها الدولة اليوم تروم تبوأ عرش الريادة الميتافزيقية، يقصد بذلك ان مطمح الدولة من وراء اللعبة ان تنصب ذاتها الإله الجديد!
حيث اليوم يتم إعادة إصطناع "لفياتان" جديد يختلف جوهريا عن لفياتان توماس هوبز وفلاسفة العقد الاجتماعي، لايستمد سيادته من الإرادة العامة ولاتجليا للذات العاقلة بل لفياتان متجردا من كل منظومة قيمية فكرية او علمية او دينية.
يمكن تلمس ذلك اليوم من خلال مختلف المنابر التي تصدر عنها كل القرارات التي تهم مواجهة الداء كورونا، يعلن الرئيس الفرنسي "ان الجمهورية في حرب" كما أن الأمريكي يقر " أن القوة العظمي في مواجهة عدو لاقبل لها به" هكذا العالم جله يستجيب لنداء الدولة " حرب مقدسة جديدة بطلها الدولة وحدها في اختبار أمام ذاتها وأمام العالم،" كأن لسان حال كل دولة أنا الدولة صاحبة الحل والعقد، بحيث كل دولة تجر إلى حلبة استعراض العضلات ولغة كسر العظام ليس فقط داخل حدود نفود كل دولة بل في عروض هستيرية موجهة للآخر وللمنافس والعالم في ظل عالم تحول إلى شاشة عملاقة. الكل يشاهد الكل كأننا في برصة جديدة "
هكذا يعتلي السياسي "الدولة" عرش الخليقة محاولا ان يجعل من نفسه مهمة الوصي والموجه والمخلص متجاوزا حدود كل السلطات وضاربا بعرض الحائط كل الضوابط والمبادئ القانونية والفكرية والأخلاقية. فالدولة
ذلك الوحش الذي يقتل ببرودة على حد تعبير نتشه ماكان له ان يوجد بدون أزمات، ينبثق من رحم الازمة وينتعش فيها ويتعيش منها، بواسطتها ينعش روحه ويجدد جلده. الحذر كل الحذر من الدولة الوحش ومن وحش الدولة قبل حدوث..الازمة واثناء
وقوعها وبعد وقوعها وحتى ان لم تقع سيعمل على خلقها. فإذا سبق لتروسكي ان أكد ان جوهر الدولة يقوم على القوة، فإنه يمكن الجزم بأن جوهر وماهية الدولة المعاصرة، خاصة من بعد الحرب العالمية الثانية يقوم على التأزيم وخلق الأزمات وتفريخها سواء في مستواها الميكروجيوسياسي او على المستوى الماكروجيوسياسي
الدولة وكورونا إذن هما وجهان لعملة واحدة!
كورونا الداء، والدولة الدواء، ويستحيل تصور أحدهما بمعزل عن الاخر، يتقاسمان نفس المدار، صنوان متخاصمان...
مادامت البشرية تتلهف على الدواء ومستعدة في مقابل ذلك أن تتنازل عن كل شئ فإنها فرصة تاريخية للدولة أن تتملك الداء والدواء بذلك تستقيم سيادة المخلص المنقذ في شخص الدولة!
اليوم بالفعل تتحقق نبوءة الزواج الرهيب بين الدولة والحياة بين اللفياتان والخلية بين الكل والجزء ،بين الحميمي الخصوصي الذاتي وبين الجماعي المشترك اكتساح جارف للحي في أشد المناطق حميمية وسرية.
يزج بالإنسان المعاصر عنوة وقهرا اولا ثم تهديدا وتخويفا وترهيبا، في عالم شعاراته مزيدا من الضبط والتكميم والحجر والانغلاق..... يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي