الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمنيتي رصاصة

سيد طنطاوي
(Sayed Tantawy)

2020 / 4 / 15
حقوق الانسان


لست حاسدًا ولا غابطًا، لكنني تمنيتُ السلام النفسي للشاب الذي ألقى بنفسه من برج القاهرة في نوفمبر الماضي، فهو بكل طمأنينةٍ وراحة بال، صعد السور الحديدي للدور الأخير من البرج، وكأنه يصعد سُلم شقته، ثم أسقط نفسه بكل أريحية على سرير الأبد دونما أن يُشغل نفسه بمن حوله، فواثق الموت يمشي ملكًا.
سألت نفسي: منّ أنا حتى أبقى؟، إذا كان لا يرحل إلا الطيبون؟ فأنا إذًا لم أفعل الطيب الذي يُعجل برحيلي.
الطامة أنني لم أتعلم الدرس فكل يوم أنعي هذا وأقدم التعازي لذاك، وانتقى الألفاظ في كتابات الرثاء، وأمنح ألقاب المرحوم والشهيد للراحلين، وأقول –دون علم- إنه بالتأكيد في الفردوس الأعلى، وأن من اختار منهم الحياة مع المسيح للأبد فذاك أفضل جدًا له.
انتظرت الموت كمنّ ينتظر الخبط العشواء، لكنه لم يأت، ربما لأنني لم أستحقه حتى الآن، أنا في الصف الأخير حتى في انتظار الموت.
لو رحلت الآن أو بعد ساعات هل يُمكن أن أحظى بالنعي والرثاء والترحم الذي حصل عليه أنقياء مثل رضا غنيم ومعتز الجمال وميادة أشرف والحسيني أبو ضيف وغادة الشريف وزكية هداية؟.
ماذا لو أُضيف اسمي لهؤلاء، هل سيكون هناك من يقول رحل لأنه طيب؟، لا أعرف.
عِشت حياتي في محراب الانطوائية، كرهت الجدل والشللية أيضًا، أسرع قرارتي التي لم أندم عليها يومًا هو الانسحاب، وقبل أي خطوة في الحياة كنت أبحث عن شيء واحد، هو راحتي النفسية، ورغم ذلك وبلا تقييم لما مضى تمنيت واقعة برج القاهرة، لأضع حدًا لكثير من الحماقات، ولأكون في عزلةٍ تامة يقدسني فيها المحبون والكارهون في آن واحد، فمنّ كان في قلبه ضغينة مني سيحترم جلال الموت ويصمت، والمحبون سيذكرونني بقدر حبي لهم، وأنا مطمئن في ذلك.
بعد الموت، سأحظى بنفاقٍ لا يحظى به سوى الرؤساء، كلهم سيتحدثون عن علاقات وأخوة وصداقة، ربما لو وُجدت لكانت كفيلة لإبقائي على قيد الحياة أبد الدهر، وستهدأ نبرة الحزن رويدًا رويدًا، لكن الأهم أنني وأنا جالس في قبري سأشعر بكل الناس وسأراهم.
بما أنني سأشعر بكل شيء، وسيكون إحساسي لنفسي، فالمؤكد أنني سأندم، والندم سيكون على كل شعور حبٍ لم يخرج من القلب إلى اللسان، وعلى كل ربطة للساني منعته من الجهر بالحب، غير ذلك سيكون كله تحصيل حاصل، ولأخرج من دائرة الندم فقد كتبت كل ما منعتُ لساني عن النطق به، وكل ما لم يُقال قُلتهُ بالفعل، لكن في الوصية التي لم تحو سوى كلامًا، ولا تتعجب فأنا لا أمتلك غيره، وكل حبيب أو صديق أو أخٍ أو رفيق سيصله نصيبه من الوصية، وله حرية التصرف فيها.
في النهاية أثق أنني سأربح لأنني أبحث عن الراحة، لكن بما أنني أنا الذي طلبت هذه الراحة فلي أن اختارها كما أريد، لن أتركها لغيري يقررها كما فعلوا في ديني واسمي.
بعد طول تفكير، اهتديت إلى طلب الموت برصاصة طائشة تخترق بين العينين، تُصفيني في جزءٍ أقل من الثانية، ووقتها سأكون مدينًا لهذه الرصاصة، لأنها أجمل الأشياء، فرحمتها وسعت كل شيء، إذ حققت لي أمنيتي في الراحة الأبدية، ، جعلتني أشعر بالناس وأراهم على حقيقتهم وهم لا يشعرون بي.
تلك الرصاصة لن أسمع دويّها بالتأكيد، وبالتالي لن تُزعجني، أو ربما اختارت أن تجاملني حتى لا أسمع صوتًا يجر عليّ ويلات الصداع النصفي التي عانيتها في الدنيا.
الرصاصة لا تزال في عقلي، وتنتظرها عيني، ومع كل سلاحٍ أراه أضع إصبعي في أذني عساها تكون هي المُنجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا


.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة




.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم