الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورُونا والأرَضَة التي أكَلت عَصَا سيّدنا سُليمان...!!

ادريس الواغيش

2020 / 4 / 16
الادب والفن




داهمتنا كورونا في بيوتنا دون سابق إنذار، وأغلق العالم أبوابه على نفسه أمام دهشة ساكنيه، لأشياء قد نجهل أغلبها، أما هو بالتأكيد فيعلم بها. ربما فعل ذلك من أجل ترميم أشياء قد أفسدناها نحن البشر، بفعل سلوكياتنا التي بدأت تخرج عن جادة الصَّواب أو لإعادة هيكلته مرة أخرى، أو بحثا عن زعامة جديدة أو "شرطي" أكثر شبابا بإمكانه أن يخلق حياة ودينامية جديدة ومختلفة مستقبلا. لكن مهما كان الأمر، فقد أعطانا(covid-19) فرصة لا تعوض للتعلم والاستعداد لما هو آت.
لكن ألم نكن بحق نحن من أفسد الطبيعة، سواء بحرقها واجتثاث أشجارها أو تلويث هوائها؟، ألم نكن نحن من عثنا في الأرض جورًا وفسادًا؟، ألم نحن من أكثر من الظلم فيها والبَغي والإفساد؟، قارات تظلم أخرى، أممٌ قوية تظلم أمَمًا ضعيفة، دُوَل غنية تظلم دُوَلا فقيرة وأفراد يظلمون إخوانهم في الإنسانية بسبب وبدونه، وأحيانا لا يسلم من أذاهم الجيران وذوي القربى واليتامى وأبناء السبيل. وها نحن اليوم مُتساوون في الاحتجاز تحت سقف واحد أزرق اللون، لا أحد منا أحسن من أحد، ولا أحد يأخذ من زرقة السماء أكثر من نصيبه. ننتظر جميعنا "غودو" كي يعلمنا المزيد من الصبر و"فلسفة الانتظار" سواء برَمزيّتها أو بواقعيتها، ويخلصنا من عُـزلتنا وممّا نحن فيه من "حجر صحي" وشدة أمام فيروس شبح تختلف ملامحه المجهرية من يوم لآخر.
العالم كله جاثم في حجره الصحي دون حراك، وإن فعل يكون بشكل مقنن وتحت المراقبة، وها نحن نعيش اليوم نفس العبث والإشكال الوُجودي الذي عاشه من قبلنا شخوص صمويل بيكيت، وهم ينتظرون منقذهم "غودو". لكن الأكيد هو أن نفس دعوات التجديد التي ستتلو جائحة كورونا بعد انتصارنا عليها، ستكون هي الدعوات نفسها التي خرج بها المصلحون والأدباء والشعراء والفلاسفة وعلماء الاجتماع إلى الشوارع في كبريات العواصم بعد انتهاء أجواء الحرب العالمية الثانية، تدعو الناس إلى التعلم من جديد وكأنهم لم يتعلموا شيئا، لكن هذه المرّة من جرّاء جائحة كورونا (covid-19) وليس من جراء الحرب، حتى لو لم نسمّيها كذلك، أو دعنا نسمّيها همسًا بالحرب العالمية الثالثة، جرت أطوارها تكنولوجيا وتم تدبيرها بدبلوماسية ناعمة، وعشنا معها نحن البشر نفس الهلع والخوف أو أشد من وقع الحرب، لكن من حسن حظنا اليوم أننا لم نسمع هدير الطائرات المرعبة ولا أصوات الدبابات وطلقات المدافع والصواريخ العابرة للقارات. ربما رُبحت المعركة لأول مرة في التاريخ من دون أن تطلق فيها رصاصة واحدة.
لكن دعونا نقلب الصفحة وننظر إلى جائحة كورونا من الوجه الآخر، ألم تكن بمثابة الأرضة التي أكلت "عصا السّي السّيد" الغليظة التي ظل يحكمنا بها لسنوات طويلة بالحديد والنار، كما وقع لسيدنا سليمان مع الجن، وتنزل على رؤوسنا كلما همَمنا بالانعتاق والتحرّر من توحش الرّأسمالية وبطش الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات، ولم نستفق منها إلا وتلك "العَصا" منكسرة بعد أن قضمتها كورونا- الأرضة وهو جالس على كرسيه المُهترئ، ولم ننتبه إليها وقد كنا غافلين عنها بالطاعة والولاء، إلى أن أيقظنا من نومنا فيروس صغير(covid-19) هو الأقل من الحشرة أضعافا مضاعفة، وها هي النتائج بدأت تظهر للعيان، بعد كل المشاهد السريالية التي شاهدناها على قنوات التلفزيونات عبر العالم:
1- بعد الحرب العالمية الثانية، عوّضت الولايات المتحدة بريطانيا العظمى، وأصبحت زعيمة للعالم الجديد بدون منازع لأول مرة في التاريخ.
2- بعد كورونا أو "الحرب العالمية الثالثة" في نسختها الحديثة، ستصبح الصين زعيمة للعالم الجديد، وبعض دول العالم الثالث بدأت تُحَوّل بوصلاتها من الآن نحو الشرق، وحتى بعض الدول المتقدمة ومنها إيطاليا تحديدًا، استبدلت مُبكرًا راية الاتحاد الأوروبي علانية بالراية الصينية الحمراء جهرًا، وتبعتها دول أوروبية أخرى تبوح بها مرّة في السرّ وأخرى في العَـلن.
3- إيمانويل ماكرون ذو التوجهات "الوسطية" في الظاهر، و"اليَمينية" في السّلوك و"الرّوتشيلدية" في المُمارسة، يغيّر من نبرة خطابه الأخير الموجه أساسا للشعب الفرنسي ثم إلى ما يتبعه من مقاطعات فرنكفونية ثانيا، هو الذي لا يقل تعجرفا عن نظيره الأمريكي دونالد ترامب، قائلا في خطابه الأخير الموجه نحو إفريقيا، لكن هذه المرة يعلنها بشكل مختلف:
- "لن نفوز أبدًا بمُفردنا..."
لا غرابة في ذلك، لأن المَاما- فرنسا كانت تعرف دائما وأبدا وهي على علم بأن اقتصادها رهين بسواعد الأفارقة، لكن ها فيروس- كورنا- civid-19يظهر لها بعد زيارته لمرسيليا وبالملموس أن علومها هي الأخرى رهينة أيضا بعقول أبناء وبنات إفريقيا ذاتها وبأدمغتهم.
4- هي فرصة أخرى لدول عربية كثيرة كي تعيد حساباتها من جديد، هي التي أضاعت أرصدتها الضخمة من إيرادات النفط في زرع الفتن على امتداد الوطن العربي، سواء في خلق دُوَيلات وهمية أو في الاقتصاد الاستهلاكي، وهي تعلم علم اليقين أنه لا يحقق لها أي تنمية، وها هي تعود على أعقابها خاسرة بعد أن صدّقت واهمة بأنها "دول إقليمية عظمى"، ويمكنها أن تحدّد مصائر دول ضاربة جذورها في عمق الأرض وتربتها وتاريخها موغل في أقاصي الزّمن، وآخر تلك الخسارات وليس أولها تلك التي حدثت في اليمن ثم في ليبيا مُؤخرًا، كما راج ذلك في وسائل الإعلام بكل أصنافها.
5- دول أخرى سيصبح لها شأن عظيم مثل المغرب بعد أن راهن على العُنصر البشري، هو الذي أبعده عن الساحة طويلا، وما رأيناه من إشادة العالم بمخترعيه وعلمائه الشباب والتعامل مع جائحة كورونا والاستثمار في الديبلوماسية الخارجية والتعامل اقتصاديا مع إفريقيا رابح- رابح خير دليل على ذلك.
6- لازلنا نتذكر وإلى عهد قريب، كيف تحرك العالم بسرعة وخلق حالة من الاستنفار بين مسؤولي الأجهزة الأمنية بإقليمي سطات وبرشيد، لمُجرّد أن شابا مغربيا طموحا في الـ 22 من عمره تمكن من اختراع طائرة صغيرة يمكنها التحليق لمسافة 120 كلم وبسرعة قدرها 200 كلم في الساعة، وكيف أسرع يومها، تحت الضغط، مسؤولون مغاربة رفيعو المستوى من الدرك والأمن وأجهزة أخرى إلى جماعة" لحساسنة" لمعرفة قصة بسيطة مفادها أن شابا مغربيا عبقريا لا يتعدى مُستواه الدراسي الثانية باكالوريا اهتدى بفعل نبوغ الإنسان المغربي الساكن فيه إلى صنع تلك الطائرة الصغيرة، وأنه قادر على صنع طائرات أخرى أكثر تطوّرًا، إن هو وجد من يحتضنه ويأخذ بيده. هذا التحرك، من دون شك، كان بإيعاز من دول صناعية كبرى تخشى على صناعتها من سبق الرّيادة المغربية. لكن بالرّجوع اليوم إلى تلك الحالة، نجد أن نفس ذلك العالم "المتعالي" بدوله العظمى هو الذي يتحدث اليوم في انبهار عن صنع مغاربة لكمّامات واقعية من فيروس (covid-19)، بل أكثر من ذلك، يطلبها منه الجميع ويترجاه في تصديرها له. الانبهار نفسه ينطلي على صنع جهاز تنفس اصطناعي مغربي مائة بالماءة متطور سواء ذلك الذي في الدار البيضاء أو آخر في طنجة، وبعض من تلك الدول العظمى تراهن اليوم على صادرات المغرب من هذه الأجهزة. صدق من قال يوما: "رُبّ ضارّة نافعة".
7- كنا قد يئسنا تقريبا من سقوط المطر، لكن ها هي الطبيعة قد تنفست الصعداء وجادت السماء بالغيث، سالت الجبال وجرى الماء في الوديان والأنهار، حتى أوشكت السدود أن تمتلئ، اخضرت الأرض وعادت الطبيعة إلى بسمتها الأولى.
8- عودة الأصول إلى مكانها الطبيعي، وأظهر(covid-19) للعالم أجمع أن العلم هو الأصل وهو الأساس في كل شيء، وتبدلت بذلك المواقع والكراسي، ورأينا بأم العين أين كان يجلس الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون وأين كان يجلس البروفيسور ديدييه راؤول في لقائهما الأخير بمارسيليا.
9- الواقعية الصينية تتغلب على البروباغندا الأمريكية، إذ كيف يُعقل أن تصبح أمريكا التي تصنع طائرة مقاتلة من نوع ” لوكهيد مارتن” تُصنف من طائرات الجيل الخامس وتحتل المركز الأول ضمن أقوى الطائرات الحربية في العالم، غير قادرة اليوم حتى على صنع كمّامات لمواطنيها. ورأينا كيف كانت الصين سبّاقة إلى مساعدة إيطاليا الغارقة حتى الأذنين في موتى كورونا، كما قدمت مساعدات لأغلب الدول الموبوءة، إضافة إلى كونها تستثمر في مختلف ربوع العالم بمئات المليارات من الدولارات، في حين لم تخرج أمريكا فلسا واحدا أحمر من جيبها، ولا هي قدمت مساعدة أو معدات لأحد واكتفت بالاستنجاد بعلماء المغرب وإغلاق أبوابها على نفسها، بل الأنكر من ذلك وجدنا بعض دول أوربا "المتحضرة" تسرق هذه المُعدّات من الطائرات في مطاراتها في سابقة من نوعها في القرن 20.
قبل أسبوعين من اليوم فقط، كنا لا نستطيع صبرًا على موعد اللقاء ببعض الأحباب والأصدقاء سنة أو إضافة ساعة صبر من أجل حضور مهرجان أدبي، مناسبة دينية أو اجتماعية، بل كنا لا نصبر أحيانا حتى دقائق قليلة حتى يصل دورنا من أجل الصعود إلى الحافلة أو في مصعد عمارة، ولا نخجل إن اعترفنا طوعا ونحن الآن في ساعة الشدة، أننا كنا أحيانا نختلق الزّحام من أجل المتعة ولا حُجّة لنا، لكن ها نحن اليوم نتعلم كيف نصبرُ على الانتظار، ونحن مكوثٌ في بيوتاتنا ومنازلنا دون حراك، وبالتالي علينا أن نشحن أنفسنا بأكبر شحنة مُمكنة من الصبر والمكوث في المنزل في انتظار أن نتخلص من هذا "الانتظار" الذي فرضه علينا فيروس صغير وحقير، لا يرى، لا يشم، لا يعرف عنه شيء ثابت أكثر من كونه قاتل، فما نعرفه عنه في المساء تأتي الأخبار إلينا لتنبئنا بنقيضه في الصباح.
هي فرصة أخرى إذن لنتعلم كيف نواجه الضياع، الغربة داخل أنفسنا وبيوتاتنا، ونتغلب على هذا الانطواء المتجلي في عدم القدرة على خلق علاقات اجتماعية جديدة بالنسبة للشباب: زواج، صداقة، التعرف على أصدقاء وصديقات جدد، سواء عن طريق السفر أو الرحلات المنتظمة، وهكذا يبقى عالمنا افتراضي إلى حين حتى في علاقاتنا الاجتماعية. أصبحنا فجأة من الصين في الشرق إلى كيب تاون في الجنوب وأقصى سواحل أمريكا في الغرب مرورًا بأوروبا وأقاصي شمالها مرهونين بظهور "غودو" ينقذنا من وباء كورونا، نرفع أعناقنا كل يوم إلى السماء وكل صباح علنا نراه فوق رؤوسنا.
فيروس (covid-19) علما كيف نتعلم من الدروس، كيف نكون متساوين أمام قانونه، نحن الذين عجزنا منذ أمد طويل عن تحقيق المساواة والعدل مع كل القوانين السماوية التي نزلت علينا أو الأرضية التي ارتضيناها لأنفسنا، لذلك إن لم نتعلم من دروس جائحة كورونا اليوم، فلن يحصل ذلك بعدهُ أبدًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث