الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلاف غير نمطي-قصة قصيرة

نزهة أبو غوش
روائيّ وكاتبة، وناقدة

2020 / 4 / 16
الادب والفن


كلّما تذكّر ابو جورج ذلك اليوم، يضحك، نزل يومها ابنه جورج ابن السّادسة من عند جيرانهم، دار أبو علي، وقف أمام والده، ثمّ كتّفّ يديه وقال بثقة تامّة، وبصوت : " وإذا قرئ القرآن فانصتوا" ثمّ راح يقرأ الفاتحة، ثمّ سورة النّاس، ثمّ الفلق، ثمّ....
أخذ أبو جورج يلملم اضطرابه، بعد أن أصابته الصّدمة. حين أحضرت أمّ جورج القهوة المسائيّة في ساحة الدّار، لاحظت كم هي مبعثرة ملامح زوجها، سألته بلهجة لا تخلو من الحذر:
" ما الّذي عكّر صفوك، يا سهيل؟"
" ابنك يا ناهدة، صار مسلما، هذه آخرة مخالطة الجيران!
ضحكت امّ جورج، ثمّ أخذت ضحكاتها إيقاع موجات متكرّرة تنسحب على مهل.
اقترب الطّفل نحو أُمّه، ماما بتعرفي تغنّيها؟ "محمد نبينا، وبنوره هادينا، من مكة حبيبي نوره سطع المدينة"
ربّما أصابتها رعشة ضمير طارئة؛ بسبب دفعها ابنها جورج لزيارة صديقه عليّ كلّ يوم؛ كي يدرسا معا، لكنّها استدركت نفسها وراحت تهدئ من روع زوجها بعد أن هرّبت ابتسامة لابنها:
" الولد ما زال صغيرا، ومؤكّد بأنّه تأثّر بصديقه عليّ، لا تزعج نفسك يا سهيل، كلنا نعبد الله : مسلمون، يهود، ونصارى، لا تجعل مخاوفك مفرطة"
دفع الطّاولة الّتي أمامه بعصبيّة ، فاندلقت القهوة على البلاط بسخاء، وأحدثت بقعا وخرائط غريبة، تحتاج لقارئة الفنجان " زليخة" الّتي تسكن الحيّ المقابل.
لم ينظر إلى الخلف، توجّه نحو الممرّ المفضي إِلى الخارج.
في طريقه صادف جاره محمود، فأدار له ظهره:
" كيف سأكلّم من يريد سرقة ابني وسرقة ديني؟"
تنهّد طويلا:" يا الله كم ظلمت جاري وأجحفت بحقّه! اليوم فقط عرفت معدن هذا الرّجل، خاصّة في هذه الظّروف الصّعبة، زمن الوباء الّذي يدعى الكورونا."
هتاف أُمّ جورج ملأ الدّنيا:
" الحقوني يا ناس، أبو جورج وقع بالحمام، ساعدوني، دخيلكم"
نظر الجيران كلّ من خلف نافذته، قالت سميحة لزوجها:
" بقطع ايدي من هان- مشيرة بيدها اليمنى نحو كتفها الأيسر- إِذا أبو جورج ما صابته الكورونا، اللهم ابعد عنا هذ ا المرض اللئيم يا ربّ"
حدثت ضجّة غير مألوفة في الحارة، أخذ كلّ منهم يحذّر الآخر:
" لا تقتربوا منه. لا تقتربوا" لكن صراخ أم جورج ما زال يتردّد في سماء متلبّدة بالغيوم الرّماديّة، تغيّرت ملامح الحارة بكلّ تفاصيلها: القفّازات السّوداء، الكمّامات، الهمهمات، الخوف، القلق، الحذر، الهواتف المتسارعة لتشييع الخبر، تبادل الأحاسيس الغامضة، شابّان مقنّعان يطهّران السّاحة والشّارع بأنابيب ومضخّة.
نادت الجارة أمّ عليّ على زوجها بصوت يخنقه الخوف والهلع:
" محمود قم بسرعة، جارنا أبو جورج وقع مغمى عليه." هرع أبو عليّ نحو بيت جاره دون أيّ تردّد، حمله بين ذراعيه، ووضعه فوق السّرير، أمسك به بحرارة وأُلفة غريبة منحه فيها شعورا حميما كان بحاجة ماسّة إليه على مدى أيّام مضت.
"لا تقلق يا سهيل، دقائق معدودة وسوف تحضر سيّارة الاسعاف، أرجو ألّا تكون الكدمة في رأسك خطيرة أرى أنّك بخير والحمد لله"
لم يفهم محمود سبب دموع جاره وصديقه، الّتي راحت تسيل دون انذار؛ فتساءل بينه وبين نفسه" ألهذه الدّرجة تؤلمه الوقعة؟"
نظر أبو جورج في عينيّ جاره؛ فرأى بهما عالما غريبا لم يعهده من قبل. خجل من خلافه غير النمطي مع نفسه:
" بعت صديق عمري بلحظة جهل ورثتها دون أن أُهذّبها وأُقلّمها وأرويها؛ كي تزهر من جديد، وتفوح رائحتها في كلّ الأرجاء وتتفتّح حياتنا جميعا عطرا وأملا" أمسك بيد صديقه، ثمّ تعلّقت عيناه بوجه ولده وملامحه البريئة، وبعينين يغمرهما الرّجاء:
"حطّ إيدك على راسي يا جاري العزيز، واقرأ آية الكرسي، وادع لربنا أن يرفع عنّي الأذى ".
16-4-2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث