الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا , صراعٌ مع الإنسان وتوظيفٌ سياسي للأزمة

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2020 / 4 / 16
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


تعيش الكرة الأرضية وجميع سكانها - هذه الأيام - حالة الإنذار القصوى جراء مهاجمة فيروس كورونا لأبناء جنسنا البشري ، ولم يكن كورونا المخلوق الوحيد الذي أثار فينا الرعب فقد كان قبله فيروس إنفلونزا الخنازير وفيروس إنفلونزا الطيور وفيروس إيبولا وفيروس جنون البقر وفيروس زيكا وفيروس سارس وفيروس إكس الغامض لكن كرونا تميز عن أشقائه الآخرين بسرعة انتشاره وخباثته في الكمون داخل الجسم وشيطنته في الانقضاض على فريسته وبتلك الحيل استطاع كورونا من تحقيق الفوز الساحق في ميدان الصراع منذ أكثر من شهرين حتى الآن حين اخترق حدود أكثر من مائة وأربعين دولة .
يفسر علماء الأحياء المجهرية هذه الظاهرة بأن هذه الكائنات تطور نفسها لتواجه المضادات الحيوية التي يصنعها البشر لتستمر بالعيش والتكيف مع الظروف الجديدة لذلك ما أن تتسلح بمقاومة جديدة حتى تهاجم البشر وتفتك بأرواح الآلاف فهي في صراع دائم مع الإنسان مرة تغلبه ومرة أخرى يغلبها ، وهكذا يستمر الطرفان مرة في حرب باردة ومرة في صراع علني يسبب آلاف القتلى ، وهذه هي الطبيعة الحركية للحياة على هذا الكوكب فالصراع لا ينتهي مثلما المحافظة على النوع من أولويات الكائن الحي ، حكى لي أحد أقاربي أنه استعمل مبيدا حشريا لمكافحة حشرة زراعية لكن هذه الحشرة نفسها لم تعد تتأثر بالمبيد نفسه بعد سنوات قليلة من استعماله وهذا يعني أن الحشرة حصنت نفسها وتكيفت طبيعيا تبعا لما تواجهه .
لذا نلحظ أنه رغم الاحترازات البشرية والتحذيرات المستمرة لم تنجح البشرية في كبح جماح هذه المخلوقات القاتلة فقبل عام تقريبا حذر تقرير كتب بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة من وجود تهديد في غاية الخطورة لوباء يجتاح الكوكب ويهدد حياة حوالي ثمانين مليون شخص .
ولم يكن كورونا هو الوباء الوحيد الذي أصاب العالم بل سبقته أوبئة عدة تباينت في شدة تأثيرها من الطابع الكارثي كما في الطاعون الأسود الذي كاد أن يقضي على البشرية في القرون الوسطى إلى التأثير المحدود كما في وبائي سارس وميرس لكن ما يميز كورونا عن أسلافه : سرعته الانفجارية في الانتشار ، ففي أقل من شهرين اخترق حدود أكثر من مائتي دولة ؛ عاث ببعضها دمارا ، وأصاب ما يزيد على مليوني شخص ، وقتل أكثر من مائة ألف شخص بحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية حتى وقت كتابة هذه الأسطر .
إن أول وباء مسجل في التاريخ هو طاعون دبلي الذي ضرب مصر عام ١٦٥٠ قبل الميلاد تلاه طاعون التيفوس الذي ضرب اليونان عام ٤٣٠ قبل الميلاد أيضا ثم الطاعون الأنطوني الذي ضرب الإمبراطورية الرومانية لسنوات بدءا من عام ١٦٥ ميلادية وفتك بحياة خمسة ملايين شخص .
يأتي بعد ذلك طاعون جاستنيان الذي تفشى في العالم عام ٥٤١ منطلقا من الإمبراطورية البيزنطية وقتل أكثر من ٣٠ مليون شخص .
وفي عام ٧٣٥ ظهر الجدري الياباني بطوكيو وانتقل إلى بقاع العالم الأخرى وقتل حوالي مليون شخص .
ويعد الطاعون الدملي أو الموت الأسود السيء السمعة الأكثر فتكا والأشد رعبا فقد كاد أن يفني البشرية حين انتشر بين عامي ١٣٤٧ و ١٣٥١ ، وتسبب في وفاة أكثر من ٢٠٠ مليون شخص حول العالم ، واللافت أنه نشأ في الصين ثم انتقل إلى إيطاليا ثم إلى باقي أنحاء العالم كما هو الحال مع كورونا الآن .
أما الجدري فقد حصد أرواح ٥٦ مليون شخص عند ظهوره في عام ١٥٢٠ . فيما أودت الكوليرا بحياة مليون شخص حول العالم عام ١٨١٧ وما بعده .
وفي عام ١٨٥٥ ظهر طاعون جديد سمي بـالوباء الثالث في مقاطعة يونان الصينية ثم انتشر في بقاع العالم وفتك بحياة ١٢ مليون شخص .
وفي عام ١٨٨٩ ظهرت إنفلوانزا روسيا وأدت إلى وفاة مليون شخص ، وفي عام ١٩٥٦ ظهرت الإنفلونزا الآسيوية في الصين وأدت إلى مقتل مليون شخص أيضا .
وفي عام ١٩١٨ ظهرت الانفلونزا الاسبانية التي لا تقل بلاء عن الموت الأسود فقد قتلت أكثر من ثمانين مليون شخص في عام واحد .
تلاها وباء الإيدز عام ١٩٨١ الذي فتك بأرواح ٣٥ مليون شخص ومازال مستمرا . ومنذ عام ٢٠٠٩ إلى الآن ظهرت إنفلونزا الخنازير في أمريكا وقتلت ٢٠٠ شخص وظهرت أيضا فيروسات إيبولا وسارس وميرس التي قتلت أكثر من مليون شخص .
وأخيرا ظهر فيروس كورونا المستجد في الصين بداية عام ٢٠٢٠ ، وانتقل بسرعة إلى أغلب بلدان العالم ومازال متفشيا .


وخطورة كورونا تتمثل في : طول مدة حضانته وكمونه في الجسم ، وفي اختلاف نوعه وجدة جنسه ، وفي عدم معرفة تكوينه بصورة دقيقة ، وفي تكاثره المفرط وفي آليات عمله في الجسم أيضا ، كل تلك الخصائص أعجزت المؤسسات الطبية في العالم عن ايجاد لقاح له لحد الآن بل أعجزته عن ايجاد علاج يحد من انتشاره ، الأمر الذي استلزم اجراءات وقائية اجبارية كان من شأنها أن توقفت الحياة بشكل شبه تام وشلت الحركة في عدد كبير من مدن العالم .
كورونا أربك الدول بما فيها المتقدمة مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا واسبانيا ، بل أن دولا مثل إيطاليا التي تعد من الدول المتقدمة جدا في الخدمات الصحية باتت شبه عاجزة أمام تفاقم الوضع وازدياد عدد الإصابات وعدد الوفيات .
ومما تقدم يضعنا أمام صورة مستقبلية افتراضية لعالم كورونا وما بعد كورونا ؛ صورة قد تكون مشوشة وغامضة وربما غير واضحة المعالم لكنها حتما ستكون مختلفة عن صورة عالم ما قبل كورونا فمن المؤكد ان الظروف الحرجة غالبا ما تترك آثارا تختلف شدتها بحسب شدة الأزمة التي سببتها ، واليوم نحن أمام تداعيات كثيرة سببتها جائحة كورونا مثل انعزال دول العالم عن بعضها وغلق مجالات التبادل التجاري فيما بينها ناهيك عن تعطيل المؤسسات والشركات وكثير من المصانع والمعامل وتعطيل المهن بشكل شبه كامل في أغلب بقاع العالم بعد فرض حالات الحجر على مدن بكاملها وبعد اعلان حالات الطوارئ الصحية واغلاق الطرق والأسواق والمحلات وتوقف الأعمال كافة ، ولنا أن نتصور عدد حالات البطالة التي سوف تسببها تلك الاجراءات ولنا أن نتصور أيضا الفقر الذي سوف يضرب بجرانه قطاعات واسعة من الناس ولنا أن نتصور بعد ذلك تردي الخدمات التي تقدمها جهات مختلفة للناس وربما توقفها بسبب هذا الواقع المستجد ، ولا ننسى أن هناك دولا تعتاش بشكل كامل على التبادل التجاري مع غيرها وأن دولا أخرى ذات اقتصاد ريعي محدود .
مما تقدم يتطلب النظر للموضوع بمحمل الجد ومن أكثر من جانب ، صحيح إننا الآن في حالة مواجهة انتشار الوباء وهي مرحلة حاسمة بل مصيرية علينا جميعا أن نعيها ونتمثلها لكن ذلك لا يعني عدم التفكير بمن أصبحوا ضحايا الوضع المستجد من العمال والمعوزين والفقراء من ذوي الدخل المحدود .
ومنظر كوكبنا الأرضي وقد علق به هذا الخبيث يثير الأسى ، كأني بأرضنا تحاول جاهدة أن تنفض كورونا عن جسدها دون جدوى ؛ محتارة موجوعة أضاعت بوصلة الحل ، تنظر في الكون الشاسع علٌها تجد من ينقذ بدنها الملتاث برجس هذا الشيطان اللامرئي ، المدن العامرة بأهلها أمست تئن من الوحدة .
مرة قرأت كلاما يقول فيه صاحبه إن نسبة العلم الذي توصل له الإنسان حتى الآن مقارنة بما لا يعرفه من أسرار الوجود لا تتعدى ٢./. في أحسن الأحوال فما راقني كلامه فالشوط الكبير الذي قطعته البشرية كفيل بالحفاظ على أُمّنا الأرض من الشرور الطارئة وقد أزاح كثيرا من غوامض الوجود واليوم ومع تفشي كورونا ؛ لا بد أن نثق بالعلم رغم أن هذا المخلوق يتحدى المعرفة البشرية ويعجز كل القدرات والإمكانات ليبهتها فقد كَبَت المختبرات ومراكز البحوث العلمية أمام زحف كورونا الذي لم يترك دولة إلا ودخلها بل عاث ببعضها فتكا فقد فعل مالم تفعله أقوى الجيوش بالعالم ، ورغم أن الكل مذعور خائف ، والناس حيارى ؛ منهم من لم يفق من هول ما يرى ومنهم من ينتظر دوره في الإصابة متخيلا بألمٍ ذلك المشهد المأساوي في حال تسلل هذا الخبيث إلى جسده إلا أن ذلك لا يعني الاستسلام أو اللجوء للخرافات لمواجهته .
إن غموض كورونا ، وسرعة الانتشار الكبيرة ، وعدم التمكن من القضاء عليه ، وأعراضه التي تشبه أعراض الضربات الكيمياوية تماما ، وما يشاع من تسريبات التجارب الأمريكية واستعراض الجنود هناك ، كل ذلك ربما يقلب الشكوك إلى يقين وهو أمر طرح من قبل جهات عدة بما فيها أمريكا نفسها التي لا يعرف إن كانت شكوكها من قبيل الحرب السياسية أو أنها شكوك واقعية ؟
فهل يكون(كورونا) مادة غازية مولدة نتيجة تجربة غير مسيطر عليها ؟ ثم من هو المتهم في الموضوع أصلا ؟ الصين التي قدمت المساعدات لأغلب دول العالم لمواجهة تفشي الفيروس أو أمريكا التي تعد أكبر ضحايا كورونا ؟
وما يعزز شكوكنا ما نشرته محطة (CNN) على موقعها الألكتروني يوم أمس حين ذكرت أن مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية أكدوا على إن الحكومة الأمريكية تواصل التحقيق فيما إذا كان فيروس كورونا قد تم تخليقه داخل مختبر صيني ، وليس في سوق رطبة للحوم والأسماك ، وتم إطلاقه عن طريق الخطأ إلى الجمهور فيما بعد مع الإشارة إلى إن الاستخبارات الأمريكية غير قادرة على تأكيد النظرية ، لكنها تشك أن شخصا ما مُصابًا في مختبر ووهان الصيني خلال حادث أو سوء التعامل مع المواد ثم أصاب آخرين وتستبعد الولايات المتحدة بحسب التقرير أعلاه أن الفيروس كان مرتبطًا بأبحاث الأسلحة البيولوجية ، فيما اعترف رئيس الأركان المشتركة مارك ميلي هذا الأسبوع أن الاستخبارات الأمريكية تلقي نظرة فاحصة على الأمر مضيفا : أود فقط أن أقول ، في هذه المرحلة ، أن وزن الأدلة يبدو أنه يشير إلى أنه حقيقي ، لكننا لا نعرف على وجه اليقين " ولدى سؤاله عن المعلومات الاستخباراتية ، التي نشرتها " ياهو وفوكس نيوز " لأول مرة ، أضاف التقرير أن الرئيس دونالد ترامب قال الأربعاء ، إن الولايات المتحدة تجري فحصًا دقيقًا للغاية لهذا الوضع الرهيب الذي حدث ، لكنه رفض مناقشة ما قيل له عن النتائج ، فيما نقل التقرير عن بومبيو قوله : أن الحزب الشيوعي الصيني لم يمنح الأمريكيين حق الوصول لمختبر ووهان عندما كنا بحاجة إليه في تلك النقطة الأكثر دقة في البداية... ثم نعلم أن لديهم هذا المختبر ، نعرف عن الأسواق الرطبة ، نحن نعلم أن الفيروس نفسه نشأ في ووهان ، لذلك كل هذه الأشياء تتحد معًا ، لا يزال هناك الكثير لا نعرفه ، وهذا ما كان يتحدث عنه الرئيس اليوم . نحتاج إلى معرفة إجابات لهذه الأشياء ".
أما الحكومة الصينية فقد رفضت من جانبها هذه النظرية ، وألقى العديد من الخبراء الخارجيين بظلال من الشك على الفكرة .
فيما هدد بعض المسؤولين إن الولايات المتحدة تنوي أن تجعل الصين تدفع الثمن ، لكن ذلك لا يكون قبل السيطرة على الوباء والحصول على مزيد من المعلومات حول تخليقه متناسين أن الصين قدمت مساعدات لدول العالم المتضررة بالفيروس أغلبها ومنها الولايات المتحدة الأمريكية باعتراف ترامب نفسه قبل أيام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح