الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا الطبقية

بشير الحامدي

2020 / 4 / 16
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


في كل الحروب وعلى امتداد التاريخ كان ضحاياها في البلدان المنهزمة أو المنتصرة على السواء دائما هم أولئك الجنود المنحدرون من الطبقات الفقيرة الذين جندوا في جيوش بلدانهم لأسباب كثيرا ما كانوا يجهلونها وأعتقد أنه لو علموا بخفاياها وأدركوا أسبابها وأهدافها لما كانوا بذلوا أرواحهم في سبيلها. ودائما ما كان النصر كما الهزيمة يخفيان وراءهما أنهارا من الدماء وأكداسا من الجثث البشرية يتسابق مفجرو هذه الحروب فيما بعد على الاحتفاء بها بنصب ضريح الجندي المجهول أو أقواس النصر الزائفة.
كذلك كان ضحايا الأوبئة وفي كل العصور هم أولئك الذين في أسفل السلم الطبقي المترسبون في القاع الاجتماعي من الطبقات الفقيرة وكل المجاورين لها وأسفلها غير القادرين على تأمين الحدّ الأدنى للبقاء على قيد الحياة أولئك الذين لفضتهم الماكينة الطبقية الحادة المسننة.
وها هو حدث عابر يظهر بشاعات أوضاع حياتنا على حقيقتها ويثبت حالة طبقية مرعبة الفوق فيها والتحت متباعدان جذريا. حالة طالما غضضنا عنها النظر وتعايشنا معها وتطبعنا بها حتى صارت أشبه بالقدر الذي لا فكاك منه.
منذ زحف فيروس كورونا وانتشاره في كل بلدان العالم وأصحاب النفوذ المالي والسياسي المتحكمون في القرار ومراكز بحوثهم وكل أجهزتهم يؤكدون ويخبروننا أننا في حرب ضد هذا الفيروس وأنهم يعملون كل ما في وسعهم لمكافحته ويقنعوننا ليل نهار بضرورة الالتزام بقرارتهم ويتعدون ذلك إلى وضع إجراءات الحجر الصحي والعزل والتباعد الاجتماعي ومنع الولوج إلى الأماكن العامة وتكوّن الجموع إجراءات يفرضونها بالقوة ليتحول أمر خرقها وفي بلدان عديدة إلى جريمة يعاقب عليها القانون.
في خطاب هؤلاء تبدو الأفكار في الظاهر منسجمة متماسكة "خيرة" ولصالح جميع السكان ومن أجل حق الجميع في الحياة تماما مثل تلك الأفكار التي بها يقع الإعداد النفسي لخوض الحرب دفاعا عن الوطن وعن ساكنته أمام هجوم عدو يتطلب أمر مواجهته تجنّد الجميع وتجاوز الخلافات والصراعات الداخلية أو تأجيلها حتى تحقيق البقاء للجميع. ولكن الحقيقة والنتائج لم تكن دائما على الصورة التي قدمت بها هذه الأفكار.
فالحروب قديمها وحديثها كانت دائما لصالح الطبقية الأكثر غنى ولم يدفع ثمنها غير الملايين من فقراء العمال والفلاحين.
الملايين الذين قضوا في الحروب لم يكونوا من أبناء الطبقات المرفهة الغنية.
والملاين الذين قضوا في الأوبئة على امتداد التاريخ كانوا من صفوف السكان الأشد فقرا.
ولئن كانت الحروب والأوبئة تبدو في الظاهر ديمقراطية في الفتك وفي توزيع المخاطر على الكل إلا أنها كانت غير عادلة بانعدام عدالة مواجهة مخاطرها بين الجميع.
وكما في الحروب تسقط الفيالق والوحدات الأقل تسلحا والأقل تنظيما وتسجل أكبر الخسائر في صفوفها يفتك كذلك فيروس كورونا اليوم بالسكان الأشد فقرا والأقل قدرة على التوقي وينتشر ويزرع الموت في الجهات الأكثر تهميشا ولكن إحصاءاتهم و أرقامهم ونسبهم تسكت عن ذلك ولا تعلنه .
...
لقد دأب الذي بيدهم القرار في تونس ومنذ حلول الفيروس على ترديد نفس الكلام الذي نسمعه من أغلب حكومات العالم وعلى سن الإجراءات نفسها التي تسنها هذه الحكومات: نحن في حرب ضد الفيروس ـ ليس هناك من إمكانية لمقاومة الفيروس غير تطبيق إجراءات الحجر والعزل والتباعد الاجتماعي وهي إجراءات تبيّن إلى حدّ الآن وفي أغلب البلدان أنها إجراءات ولئن أخرت انتشار الفيروس إلا أنها لم تحد من تزايد الإصابات وتزايد عدد الموتى هذا في بلدان لها من الإمكانيات الهائلة (أمريكا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ اسبانيا ـ ألمانيا ـ روسيا...) فما بالك في بلد مثل تونس بمديونية مرتفعة تمتص أكثر من سبعين في المائة من الناتج الداخلي الخام ونسب بطالة تتزايد باستمرار وتشمل أكثر من ثلثي اليد القادرة على الإنتاج ومنظومة صحية عمومية مهترئة خربة عاجزة عن تلبية حاجات السكان للتداوي في الحد الأدنى في الأوقات العادية ناهيك عن أوقات الأزمة واقتصاد بيد مافيات التهريب وفساد مرابط في كل القطاعات وفي كل الميادين وتفقير معمم جراء غلاء الأسعار والتضخم المالي....
الأكيد أن كرونا منتشر في تونس انتشارا كبيرا وأن إمكانيات مكافحته والحد من انتشاره وبالوسائل والاستراتيجية التي تطبقها حكومتها في طريقها إلى كشف فشلها خصوصا وأن أصواتا كثيرة من دائرة أصحاب الأعمال بدأت تنادي بالعودة إلى العمل فقد دعا الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الأربعاء 15 أفريل 2020 إلى ضرورة العودة التدريجية للعمل كما طالب الحكومة والبنك المركزي بإعطاء الإذن للبنوك بوضع التسهيلات اللازمة لتتمكن المؤسسات التي تواجه صعوبات في السيولة من خلاص أجور العمال لشهر أفريل 2020 وتمكين المؤسسات من آلية البطالة الفنية على الفترة المنقضية في الحجر الصحي من شهر مارس وتأجيل خلاص المساهمة الاجتماعية للثلاثي الأول لسنة 2020 من 15 أفريل إلى 30 أفريل 2020 وعدم إثقال كاهل المؤسسة بأي إجراء جبائي جديد.
هؤلاء هم من كانوا قبل أسابيع قليلة يرددون على مسامعنا أننا في حرب على الفيروس وأن الفيروس لا يميز بين الفقير والغني والعامل وصاحب المعمل ها هم اليوم وأمام تعطشهم للأرباح يطالبون بدفع بمئات الآلاف من العمال إلى الموت دون توفير الحد الأدنى من التوقي من الوباء.
ها هي حربهم على الفيروس تتحول إلى حرب على ضحاياه فحياة الملايين من البشر لا تساوي شيئا أمام توقف معاملهم عن جني الأرباح ومزيد الأرباح.
إنهم يعرفون أن الفيروس لن يطالهم لأنه يعرف ضحاياه ولن يخطئهم
إنهم يعرفون أن الفيروس سينحّي عنهم فائضا من القوة العاملة لم يعد رأس المال في حاجة لمزيد الإنفاق عليها من أجل أن يستمروا على قيد الحياة
إنهم يعرفون أن كورونا بعيدة عنهم وأن حربها لا تستهدفهم وأنهم لن يكونوا من ضحاياها.
ــــــــــــ
16 أفريل 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع