الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاجر لنحيا من جديد

الشربيني المهندس

2020 / 4 / 16
الادب والفن


استيقظت صباحاً لأجمع أمتعتي ونبضاتي، التي تبعثرت في مدينة حضنتني منذ الطفولة، رغم دخانها المتصاعد ليل نهار.. الهجرة هي الحل .. حملت حقيبتي المثقلة بدموع أمي. وكدت أقع عدة مرات، ولكني تحايلت على ريح الحنين وراقصتها من بعيد، آملا أن لا تصفعني بشدة فأسقط مرة واحدة على الأرض. في زمن اؤمن بالانسان في كل مكان .. في زمن الرخاء وأوقات العزل والأوبئة علي السواء هدفنا هو الإنسان، سواء أكان جائعاً أم متخماً، وسواء أكان عرياناً لا تستر سوأته غير خرقة بالية، أم متدثراً ببالطو من الفرو..
كثيرون منا طردتهم بلدانهم، وأنكرتهم حقهم في الحياة الكريمة، فهاجروا من قلب الظلمة الحالكة ليضيئوا شموعهم في بلدان أخرى.. وربما كانت الأوبئة من الأسباب .. لا أنسي قصة لاجئ من خربتها بريف حلب عاش في حجر دائم بعيداً عن رائحة أمه وأرغفتها البيضاء الشهية وعن إضاءة وجهها وأصوات إخوانه، وطاولة خشبية عتيقة لطالما لعب الورق عليها مع أترابه. هرب من براميل بشار المتفجرة رعباً وموتاً، حيثما يدير ناظريه، ومن الحجر السجيل المتناثر كيفما اتفق ليل نهار فوق رؤوس الناس. لم يعد أمامه أي خيار آخر سوى أن يغامر بنفسه، مثل المئات مثله من السوريين، في البحار في مركب قد يغرق في أية لحظة ونجا بمعجزة من المافيات المترصدة له، كما لكل اللاجئين، في عدة بلدان أوروبية ليصل المانيا وحيداً. ولكن مهما كانت الحياة صعبة تظل أرحم من العيش في مدينة تمثل ساحة حرب ساخنة قد تندلع في أي وقت.
وصلت مثلي مثل الكثير من المهاجرين واللاجئين إلى البلد المنشود.
عشنا سنوات في حجر بارد قاسٍ يقرصنا يومياً بعيداً عن أهلنا وأصدقاء الطفولة وقصص حب قديمة ما زلت تنبض في الخفاء بين الأزقة الضيقة.
هكذا أصبح الحنين للماضي خبزنا اليومي وزادنا، الذي نقتات منه ما يعيننا على البقاء. وإن تناستنا الذكريات نخترعها، ونعيد إنتاجها دائماً من جديد.
هنا درس وعمل بجهد إلى أن سقط فوق رأسه حجر آخر بفعل فيروس كورونا.
لكنه قرر أن يكسر قيده ويكون جندياً في الصفوف الأمامية يواجه المرض ويساعد نظام الصحة الألماني في مواجهته.
بدأ يخرج كل يوم ويذهب إلى المستشفيات لينظفها، يمسح أرضها آملاً أن يكون هناك يوماً من يمسح دمع أمه التي تزايدت تجاعيد وجهها بفعل الشوق .. أليس الانسان هو الهدف والأمل ..؟ مشيت ببطء تحت مطر مشبع بالدفء وكانت أحلامي تتساقط أمامي. لم يبق منها شيء.
أفرغت ذاكرتي يومها. وأنا كالبهلوان أنظر من شباك قاعة الانتظار إلى طائرة تتحرك أمامي أجهد نفسي في الحفاظ على توازني وكأني أمشي على الحبل. ولكني لم أدهش أحداً من كل الركاب المنتظرين ولم يدهشني أحد.
كنت لا شيء. مجرد كائن مفرغ لا يعرف ما الذي ينتظره في الناحية الأخرى من العالم نعيش مع شعار لا تنظر للخلف .. هكذا أصبح ننظر للامام مع الحنين للماضي الذي أصبح خبزنا اليومي وزادنا، الذي نقتات منه ما يعيننا على البقاء. وإن تناستنا الذكريات نخترعها، ونعيد إنتاجها دائماً من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين