الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرق بين الانتقاد والكتابة عن سير الحياة

حسقيل قوجمان

2006 / 6 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الفرق بين الانتقاد والكتابة عن سير الحياة

طلب مني بعض القراء الاعزاء من بغداد ان اكتب لمجلة نسائية يصدرونها شيئا عن حياة مناضلات الحزب الشيوعي العراقي بمن فيهم والدتي التي حكم عليها النعساني بالسجن سنتين رغم انها ام لاحد عشر ولدا وابنة وهي اكبر من سن والدته. وقد رفضت في حينه طلبهم ووعدتهم بالكتابة عن الاسباب التي دعتني الى الرفض. ولكن انشغالي بكتابة العديد من المقالات انستني هذا الوعد واعتذر لقرائي الاعزاء عن ذلك.
ان السبب الذي دعاني الى رفض طلبهم هو انني كاتب وناقد سياسي ولكني لست كاتب سير حياة. فكتابة سير الحياة اختصاص ينبغي لكاتبها ان يتقنه لكي يكون منصفا في الكتابة عن حياة الاشخاص.
اذا تتبع قارئ مقالاتي في الحوار المتمدن يجد ان بالامكان تصنيفها جميعا الى صنفين. الاول هو المقالات التي ابدي بها رايي في تحليل الاحداث الجارية في العالم وفي العراق والثاني هو انتقاد اراء ارى من الضروري انتقادها. وقد انتقدت سياسة الحزب الشيوعي العراقي منذ كتابي الاول عن ثورة تموز قبل اكثر من عشرين عاما وقد وجد بعضهم ضرورة لاعادة طبعه في بغداد حاليا وانتقدت زكي خيري على الكراس الاخير الذي كتبه في كراس قد يفوق حجم كراسه، وانتقدت عزيز سباهي على الجزء الاول من كتابه عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي بكراس وانتقدت كتاب كاظم حبيب وزهدي الداوودي عن فهد بمناسبة تاريخ ميلاده المئوي في ۱٧حلقة سمعت انها جمعت ونشرت في كراس في بغداد وانتقدت كتاب شوكت خزندار في خمس مقالات وانتقدت مقال فالح عبد الجبار (فالح الجبار حاليا) حول ثورة اكتوبر ولم اتورع عن انتقاد كل ما اعتقد ان من الضروري انتقاده. وهذا حق من حقوق الادب الاجتماعي.
ان النظرية التي استند عليها في اعتبار ان من حقي انتقاد اي كاتب اخالفه هي ان ما يكتبه اي انسان وينشره على الملأ لا يعود ملكا لكاتبه بل يصبح ملك القراء، ملكا للتاريخ، ومن حق كل قارئ ان ينتقد الاراء الواردة في كتابته من دون ان يمس بشخصية الكاتب. والنقد العلمي يتناول الاراء ويناقشها ويفندها ويضع الاراء التي يعتبرها الناقد صحيحة من وجهة نظره ويترك لقرائه وللكاتب موضوع الانتقاد الحكم على اراء الكاتبين واتخاذ الموقف الذي يراه صحيحا من وجهة نظره. ان الانتقاد حق مطلق لكل قارئ بلا تحديد وعلى الناقد ان يتحمل المسؤولية عن نقده كاملة وان يكون على استعداد للدفاع عن ارائه الى ان يقتنع بخطئها وان يعترف في اللحظة التي يقتنع بخطئها صراحة وبدون لف او دوران وامام نفس جماهير قراء انتقاداته. هذا الاسلوب من النقد هو الاسلوب الذي علمتني اياه الماركسية التي ادين بها. وهذا هو الاسلوب الصحيح في سلوك اي حزب ماركسي وقد تعلمناه من سلوك كارل ماركس وانجلز ولينين وستالين.
وموضوع الانتقاد ليس مجرد كلام بل هو مقياس لجدية اي حزب يدعي الماركسية وخدمة الطبقة العاملة وقد عبر لينين عن ذلك بصراحة ومرارا. ولكن الاحزاب والقيادات غير المجربة وغير الواعية للماركسية كانت تكافح وتقمع الانتقاد بحجج كثيرة. اذكر بعضها على سبيل المثال. يزعم البعض بان على الانسان ان يتأكد من صحة انتقاده قبل ان ينتقد. وهذا قد يبدو صحيحا اذ ان الانسان يجب حقا ان ينتقد ما هو مقتنع به. ولكن كيف يتأكد الناقد من صحة انتقاده قبل ان ينتقد في حالة عضو حزبي من القاعدة ينتقد كادرا قياديا في الحزب؟ ان العضو البسيط لا يمكنه ان يعرف بالتدقيق ما يجري في اجتماعات القيادات العليا للحزب ولذلك فانه عاجز عن التأكد من صحة انتقاده قبل الانتقاد. ان العضو البسيط ينتقد ما يراه من مظاهر في سياسة العنصر القيادي او في سياسة قيادة الحزب كلها وليس من الضروري ان يكون انتقاده صحيحا. فالانتقاد وسيلة لتصحيح الاخطاء ورفع مستوى الناقد والمنتقد ومستوى الحزب كله على حد سواء. ومن حق العضو البسيط ان ينتقد كل ما يراه او يعتقد انه خطأ في سلوك قيادة الحزب. وواجب قيادة الحزب ان تدرس الانتقاد وتحلل الاسباب التي دعت هذا العضو البسيط الى الانتقاد والاعتراف له وللحزب بصحة الانتقاد اذا كان صحيحا او ان تصحح له الانتقاد وتعيد تثقيفه وتثقيف الحزب باعلان الراي الصحيح. ان مطالبة العضو البسيط بالتأكد من صحة الانتقاد قمع للانتقاد.
والخلاصة هي ان الانتقاد ليس اهانة او مساسا بشخصية الانسان موضوع الانتقاد وانما مناقشة ىرائه فيما كتبه او قاله او عمله. وكلما يطلب من الناقد هو ان يكون دقيقا وامينا في اقتباس اراء الشخص موضوع الانتقاد وان لا يشوه اراءه من اجل انتقاده. عليه ان يكون دقيقا في اقتباس الاراء التي ينتقدها وان يقتبسها نصا بدون اي تغيير فيها. هذا حق من حقوق الانتقاد العلمي وفيما عدا هذا ليس هناك ما يقيد حق الانتقاد.
ولكن الكتابة عن سيرة حياة شخص موضوع شديد الاختلاف عن انتقاد اراء ذلك الشخص. ان حياة الانسان موضوع ذاتي خاص وللانسان استقلاله التام في حياته الخاصة. وكتابة سيرة حياة اي شخص يجب ان تكون بموافقة الشخص ذاته وبمعرفته وان تكون مدروسة من جميع جوانبها. فحياة الانسان متعددة الجوانب تتضمن اخلاقه الشخصية، حياته العائلية، علاقته مع اصدقائه واقربائه، ثقافته، طفولته، شبابه، كهولته، انجازاته في الحياة، وامور كثيرة غير ذلك وعلى كاتب سيرة الحياة ان يكون ملما الماما تاما بجميع هذه الامور لكي يكون منصفا للشخص موضوع البحث.
ان الكتابة عن مناضلة من مناضلات الحزب قد تكون اجحافا بحقها لان الكاتب الجاهل في اسرار حياة المناضلة لم يكن على علم بها وقصر في كتابته عنها او قد يكون بالعكس مادحا لنضال شخصية ومبالغا في وصف تلك المناضلة فيما لا تستحقه. لا يكفي للكتابة عن مناضلة من مناضلات الحزب انها قضت فترة من حياتها في السجون او انها واصلت الانتماء الى الحزب سنوات عديدة او انها اشتركت في مظاهرات او اضرابات اوغير ذلك الكثير. فقد تكون مناضلة الحزب شديدة الايمان بالنظرية الماركسية ومتفانية في اخلاصها للطبقة العاملة ولكنها لم تصبح كادرا قياديا في الحزب ولذلك فقد لا يعطيها الكاتب حقها عند الكتابة عن سيرتها وقد يكون خلاف ذلك يكتب عن مناضلة للحزب اشتهرت لانها قضت سنوات من عمرها في السجن او كانت قريبة من القيادة رغم عدم نضوجها السياسي والنظري وقيامها باعمال ليست في مصلحة الحزب والطبقة العاملة. ولكن شهرتها تجعل الكاتب يكيل لها مديحا لا تستحقه. ان الكتابة عن سير الحياة يجب ان تكون اختصاصا للكاتب لكي يكون منصفا في حق من يكتب عنه.
هذا هو السبب الذي دعاني الى رفض الكتابة عن مناضلات قد لا اعرف عنهن سوى اسمائهن او ما اشتهرن به. فاكون غير منصف للمناضلة التي اكتب عنها سلبا او ايجابا.
حسقيل قوجمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسل فرانس24 يرصد لنا حالة الترقب في طهران تحسبا لهجوم إسرا


.. غارات إسرائيلية -عنيفة جدا- تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت




.. هل يؤثر مقتل هاشم صفي الدين على معنويات مقاتلي حزب الله في ج


.. انفجارات متتالية تهز ضاحية بيروت الجنوبية جراء القصف الإسرائ




.. غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات في غزة تسفر عن شهداء وجرحى