الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نص مقبرة المدينة / بقلم : طالب زعيان

كريم عبدالله

2020 / 4 / 16
الادب والفن


قراءة نص مقبرة المدينة
للشاعر كريـــــم عبـدالله
بقلـم : طالــــب زعيـــان
النص الأدبي ربما يكون يوما ما وثيقة تاريخية وشاهدا على حالة ايجابية أو سلبية قد حصلت في زمان ومكان معينين لأن الأدب مرآة المجتمع هكذا أراد كريم عبدالله من نصه وصف حالة بما رأته عيناه وشغلت عقله تلك المقبرة ظاهرها جماد لكن تحتها أرواح وأحلام خطفها الموت وهنا يتساءل ما سبب الموت؟!
بدأ نصه بحرف ( ألا ) من حروف التنبيه في اللغة العربية بمعنى انتبهوا هناك أمر مهم أو فاجعة ما (ألا ترى معي ) هنا الخطاب جاء للمفرد الواحد لكنه في الحقيقة هو خطاب للجميع وهذا من جماليات اللغة العربية وذكاء الشاعر , كان واثقا من خطابه حين قال (بأنَّ المقابرَ كلّها هادئةً) ضمن العبارة توكيدين والتوكيد من أساليب اللغة العربية الذي يقطع الشك لدى المخاطب فأتى بالتوكيد بـ( أن , كلها ), ثم يتحول الخطاب إلى صيغة الاستفهام المجازي للتعجب (أنظرْ كيفَ تنمو كلَّ يومٍ للآنَ تشتاقُ كثيراً لأخبارِ الحروب ) أنظر بمعنى انتبه وذلك لهول الفاجعة يكرر الشاعر الانتباه .. ( كيف تنمو) كيف من أدوات الاستفهام في اللغة العربية تسأل عن الحال لكن هنا جاءت للاستفهام المجازي الذي خرج للتعجب التعجب من هذا الأمر, والشاعر حول المقبرة إلى كائن حي باستخدامه الأفعال المضارعة ( تنمو , تشتاق ) جاء بهما مجازا والمجاز من أساليب البلاغة حيث أن النمو والاشتياق للكائنات الحية وليست للجماد وهذا يدل على قوة لغة الشاعر البلاغية .....
تضمن النص تشبيها جميلا والتشبيه من الأساليب البلاغية في علم البيان (صمتها كشاهداتِ القبور فاغرة فاها لا تشبعُ أبداً) استخدم أداة التشبيه الكاف ( كشاهدات ) والشاهدة هي حجر مستطيل يوضع على القبر يكتب عليها اسم المتوفى وتاريخ وفاته حيث شبه صمت المقبرة كشاهدات القبور لا تشبع .. الجميل أن المشبه به جاء من نفس المكان أي من المقبرة يدل على خيال الشاعر الواسع.
يستخدم الشاعر ( كم) (كمْ هي رحيمة تحتظنُ الوافدينَ إليها وتنادي هلْ مِنْ مزيد ) تسمى هنا كم الخبرية للكثرة بأن المقبرة تستقبل أمواتا ليس لها حصر لكنها لا تشبع تبقى تنادي وتريد المزيد لكن الشاعر كان ودودا معها حين قال (رحيمة تحتظنُ الوافدينَ ) وصفها بالرحمة والاحتضان الذي في دفء ومحبة وكلمة الوافدين الوافد يأتي من اختياره وليس جبرا لاحظ كيف تلاعب بالألفاظ ويستمر بذلك المفردات التي جعلته مكانا للفرح وليس للعزاء " يتغنّى الحفارونَ" " ويبددُونَ وحشةَ الأرضَ" " فتستبشرُ الفؤوسَ بزائرٍ جديدٍ " ثم ينهي هذا الفرح بعبارات مؤلمة
" أنّهم تركوا خلفهم ملذات الحياةِ " كمْ هو مؤلمُ هذا الفراق"
لم يبق لدينا منهم كما يقول الشاعر سوى الوثائق الشخصية والذكريات " فقطْ هي الوثائقُ الشخصيّة تؤرّخُ كمْ لبثوا بيننا والذكريات تؤرشفُ أماكنهم" يكرر الشاعر في النص ( كم ) الخبرية لأنهم أصبحوا خبرا من الماضي " كمْ لبثوا بيننا "
من العبارات الجميلة في النص " هجرتهم الطويلة " جملة اسمية تدل على الثبوت وعدم التغيير أي بمعنى باقون في هجرتهم وكلمة الهجرة تعني الخروج من مكان إلى مكان أخر أو من حياة إلى حياة أخرى..
" لا يملكونَ مفاتيحَ العودةِ " تصوير جميل جدا بأسلوب النفي بأداة ( لا ) لا يملكون
هناك حسرة وتمني لدى الشاعر وهم بعيدون عن مباهج الحياة وحتى من بروجها الخضراء
" حتى المروجَ الخضراءَ مِنْ حولها يا ليتَ ينابيعها تومىءُ للشمسِ ألاّ تتثاءبَ فوقَ قبورها الهامدة " نجد هنا أسلوب أخر من أساليب اللغة العربية التمني وهو أمر لا يرجى حصوله بـ( ليت) يا ليت ينابيعها تومئ للشمس بمعنى تطلب من الشمس وهذا أمر مستحيل
بعد أن كان كريم عبدالله رقيقا بعباراته وخيالاته الجميلة على الرغم الحزن الذي يحمله في داخله لكنه يثور في النهاية ولم يحتمل ذلك الوجع بأساليب مختلفة من اللغة منها التعجب الذي يتعجب من دروب الرحيل قائلا " ما أضيقَ دروبَ الرحيل وهي ترددُ الأنينَ !" ثم يعقبه بالتوجع والحسرات ..."آهٍ هنا تتوارى أسماؤهم في المنعطفاتِ المفجوعةِ بالغياب "
وبأسلوب أخر النداء الذي يدل على الضيق والحزن بـ ( أيها ) أطلق عليهم الهابطون والهبوط هو النزول الاضطراري أو الإجباري بأنهم انتقلوا من حياة إلى حياة أخرى ليست بإرادتهم نادهم بصورة متقابلة جميلة فيها الحزن.....بعد أن نخرت أسماؤكم = كأني أسمع أصواتكم
" أيّها الهابطونَ إليها بعدما نخرتْ أسماؤكم الحربَ كأني أسمعُ أصواتكم تضمّدها لفافاتِ نازفةٍ "
وينهي الشاعر نصه بالاستفهام بـ( هل ) قائلا:
هلْ تخيّلتم أنَّ يوما ما ستبعثونَ مرةً أخرى ويهديكم هذا الخرابَ أمنياتكم المسلوبةِ ؟
يعلم أنهم لم يبعثوا مرة أخرى ولذلك اختار لفظة تخيل أي شيء من الخيال والأحلام التي لم تتحقق أبدا لكن شوقه لهم دفعه لهذا السؤال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا