الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتحف العراقي .. شمعة مضيئة في الظلام

عضيد جواد الخميسي

2020 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لِمَ كدحت؟
ِلمَ قمت بالرحيل ؟
ِلمَ عانيت؟
قطعاً ، لَمْ أكسب شيئاً لنفسي ..
فقط استفدتُ من الأفعى ، يا أسد الأرض !..
( اللوح الحادي عشر ـ ملحمة كلكامش )
في هذا المقطع ، لُخّصت ملحمة كلكامش .
ليس هناك شيء اسمه الخلود..
لأن كلكامش كان مخطئاً !
لقد ترددت أصداء ملحمة كلكامش في جميع أنحاء العالم وعلى مدى آلاف السنين ، وستبقى هكذا الى الأبد تحمل معها أريج بلاد الرافدين ...

بدايات التكوين
احتلّ الجيش البريطاني بغداد ، عندما هُزم العثمانيون في 10 مارس/ آذار 1917 . عُينت "غيرترود بيل " مستشارة للمندوب السامي البريطاني اللواء السير " بيرسي كوكس" ، ثم تولت منصب المفوض الأعلى للعراق . وقد كانت بيل ، سياسية وكاتبة ورحّالة إنكليزية ، ولديها ولعاً شديداً في الآثار .
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ، بدأت عدة فرق آثارية أوروبية وأمريكية في التنقيب عن الآثار في بلاد الرافدين . في تلك الفترة ، تم تعيين بيل مديرة مؤقتة لمديرية الآثار في 22 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1921 ، وكان من جملة مهامهّا ، الإشراف على أعمال التنقيب والحفر في جميع أنحاء العراق بالتعاون مع العديد من الفرق الغربية .
كان عدد الآثار المكتشفة يتزايد بمرور الزمن جرّاء التنقيب القانوني والرسمي . وقد وضِعت معظم التحف واللقى الفنية الأثرية التي عُثر عليها في معرض مؤقت افتتح في 11 مارس/ آذار 1921 .

من أجل الحفاظ على ثقافة وتراث بلاد الرافدين ، بدأت بيل بتخزين القطع الأثرية في الطابق السفلي من (مبنى القشلة) في بغداد عام 1922 . ومن ثمّ أصبح هذا المكان في المبنى الحكومي معروف باسم "غرفة الأحجار البابلية " ، وكان بمثابة نواة المستقبل لـ (متحف بغداد للآثار) .
حصيلة بيل من مجموعتها الفنية الاثرية الرافدينية ، كانت متواضعة في الأساس ، لكنها ساعدت أيضاً في إنشاء المدرسة البريطانية للآثار في العراق ، وبما أن عدد القطع الأثرية في تزايد ، فإن مبنىً أكبر يضمّها جميعاً ، أمراً لا بد منه .
تفاوضت بيل مع الحكومة العراقية من أجل الحصول على مبنى آخر مناسب لخزن وعرض التحف واللقى الاثرية المحفوظة ، والتي سوف يعثر عليها مستقبلاً . أخيرا تم اختيار مبنى دار الطباعة الحكومية الجديد ( المتحف البغدادي حالياً ) ، فعلى الرغم من أن المبنى مكوّن من طابقين ولم يمض على بنائه سوى بضعة سنوات ، إلاّ ان الحكومة لم تُبْد اعتراضاً على ذلك ، وقد جعلت مس بيل من تلك البناية متحفاً صغيراً يضم جميع القطع الفنية الاثرية ، بعد إجراء بعض التحويرات على البناية كي تفي بالغرض المطلوب .
تم افتتاح متحف بغداد للآثار رسمياً الساعة الثامنة صباحاً ، في 14 يونيو/ حزيران من عام 1926. وصفت بيل ، على اعتبارها مديرة المتحف الجديد ، بأن المتحف هو "متحف بريطاني صغير" حيث يجد الزائر فيه العديد من القطع الأثرية ، منسقة بشكل تسلسلي وفقاً لترتيبها الزمني ، مع وصف موجز لكل معروض كتب في اللغتين ، الإنكليزية والعربية .
في 12 يوليو/ تموز 1926 ، وعندما لم يمض شهراً على افتتاحها متحف بغداد للآثار ، توفيت مس بيل ، بسبب جرعة زائدة من الحبوب المنوّمة ، ومن ثمّ إقالة البريطانيان " ريتشارد كوك" ، وعالم الآشوريات "سيدني سميث " من منصبيهما في إدارة المتحف بعد وفاة مَس بيل ، وذلك لقيامهما في تهريب القطع الأثرية بطرق غير قانونية.
في عام 1931 ، تولى الألماني " يوليوس غوردن" ، منصب مدير المتحف ، حتى أكتوبر من عام 1934 . ثم أُقيل من منصبه لأنه كان أحد الشخصيات الرئيسية في ما يسمى (فضيحة آربتشيا Arpachiyah Scandal) عام 1933 ، وكان من ضمن تلك الشخصيات أيضاً " ماكس مالوان" زوج الكاتبة الانكليزية " أجاثا كريستي " ، وذلك عندما تجاهل المعنيون الآثاريون في تلك الفضيحة ، تعليمات وأنظمة الحكومة العراقية (حول كيفية تقسيم الآثار المنقّبة بين العراق والفرق الآثارية الغربية) . بعد ذلك تم تعيين السيد "ساطع الحصري " لتسنّم منصب مدير المتحف ، إذ كان أول عالم آثار عراقي يرأس إدارة المتحف ، وذلك بعد عامين من استقلال المملكة العراقية عن الانتداب البريطاني في تشرين الثاني / أكتوبر عام 1932.

البناية الجديدة
على الرغم من الوضع السياسي والاقتصادي غير المستقر نسبياً لمملكة العراق في أواخر أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ، إلاّ أن العديد من البعثات الاستكشافية الغربية القادمة ، كانت تعمل بجد وحماس لاكتشاف المزيد من الآثار.
استوعب متحف بغداد للآثار جميع القطع الأثرية التي تم تخزينها في مبنى القشلة واستقبل العدد المتزايد من المقتنيات . ولكن بمرور الوقت ، أصبح المبنى ممتلئاً متجاوزاً حد التخزين المطلوب ، بسبب ذلك تم استبدال المتحف بآخر أوسع من أجل استيعاب هذا النمو المطرد من المقتنيات .

في يوليو/ تموز 1929 ، كانت قد اقترحت المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية في تمويل وبناء متحف جديد ، غير ان الركود الاقتصادي الذي أصاب الولايات المتحدة تسبب في إلغاء هذا المشروع . كانت هناك محاولة أخرى قامت بها مديرية الآثار في يناير/ كانون الثاني عام 1934 ، ولكن لم يكتب لها النجاح أيضاً .
أخيراً ، وفي 26 مايو/ أيار 1938 ، تمكنت مديرية الآثار من الحصول على التخصيصات المالية اللازمة من وزارة المالية ، وقطعة أرض في منطقة (الصالحية / وسط بغداد) كهبة من دائرة السكك ، إذ كانت مساحة الأرض في الأصل 63,730 متر مربع ، إلاّ أنها تقلصت إلى 45,000 متر مربع بعد حين !.
صمم المهندس المعماري الألماني " فيرنر مارش Werner March" مجمع المتاحف في الموقع الجديد القريب من محطة سكك شرقي بغداد ، وذلك لاتاحة الفرصة للمسافرين والسائحين القادمين من مطار بغداد الدولي القريب جداً ، من الوصول بسهولة لزيارة المتحف .
بدأت أعمال البناء قبل الحرب العالمية الثانية ، ولكن العمل توقف عام 1940 بسبب قيام الحرب . ولم يتم استئناف العمل حتى 28 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1955، وذلك بسبب العوائق الفنية والإدارية والمالية في العقود المبرمة . وقد تم الانتهاء من بناء المجمّع الحالي (المتحف والمديرية العامة للآثار) ، في عام 1963.
نُقلت موجودات المتحف القديم إلى المبنى الجديد في وقت لاحق ، وافتتح المتحف رسمياً في حفل بهيج يوم 9 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1966. كان المتحف الوطني الجديد يفتح أبوابه للجمهور من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الخامسة مساءً ، من ضمنها يوم الجمعة ، كما ان عروض المتحف تتألف من 13جناحاً ، ابتداءً من عصور ما قبل التاريخ وحتى أواخر الفترة الإسلامية .

أول مسمار في النعش
امتدت الحرب العراقية الإيرانية لمدة ثماني سنوات ، من سبتمبر/ أيلول 1980 إلى أغسطس/ آب 1988 ، والتي استنفدت موارد البلاد. ومع ذلك ، كانت أبواب المتحف العراقي مفتوحة للجمهور في السنوات الاول من الحرب ، بعدئذ اقتصرت الزيارات على الأجانب والوفود الرسمية فقط (لأغراض الدعاية السياسية ) .
كانت هناك فرصة طيبة قد أتيحت لي شخصياً في زيارة المتحف برفقة أحد الصحفيين الإيطاليين في ربيع عام 1987، وذلك عندما كنت أعمل لدى الملحقية الثقافية الإيطالية في بغداد ، وعلى الرغم من أنها كانت فترة قصيرة جداً لا تتعدى البضعة أشهر ، إلا أني تركت العمل مرغماً لأسباب تتعلق بقوانين الدولة العراقية الجائرة ، وشروطها المُذِلّة الخاصة في التوظيف لدى الدوائر والمؤسسات الدبلوماسية الأجنبية العاملة في العراق .
لم يُسمح للمواطنين من زيارة المتحف مرة أخرى ، إلاّ قبل بضع سنوات خلت . العديد من فرق التنقيب العالمية كانت مترددة إلى حد ما في زيارة العراق ، باعتبارها منطقة حرب . تلا ذلك فترة قصيرة من وقف الحرب والتي استمرت مدة عامين فقط ، عندها تمكن علماء الآثار من تنفس الصعداء وزيارة العراق مرة اخرى .

كان الحدث المهم في تاريخ الشرق الأوسط الحديث ، هو غزو صدام حسين للكويت في 2 أغسطس/ آب عام 1990 ، مما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية دولية على العراق . وما تمخض عن ذلك الغزو ، القيام بعملية عاصفة الصحراء الحربية لتحرير الكويت في 17 يناير/ كانون الثاني من عام 1991 ، واندلاع انتفاضة الشعب العراقي ضد النظام في عدد من مناطق العراق والفوضى التي رافقتها في مارس عام 1991. أثر ذلك تلقى قطاع الآثار وبالأخص المتاحف ، ضربة قوية كان تأثيرها سيّء وعميق جداً . فقد أُغلقت العديد من المتاحف المحلية في المحافظات ، على الرغم من أن معظم محتوياتها قد نُقلت إلى بغداد لحفظها ، إلا أن بعض منها قد حُرق ، ونُهب بعضها الآخر خلال فوضى الانتفاضة.
كان الكثير من المواقع الأثرية في العراق ، فريسة سهلة للسرّاق والناهبين . وتسعينيات القرن الماضي ، تُعد فترة مزدهرة لتهريب القطع الأثرية الثمينة من العراق ، وذلك عندما كان المتحف الوطني مغلقاً بوجه العراقيين والأجانب . وحتى الوفود الزائرة للعراق ، كانت برامجها تخلو من زيارة المتحف ، إلا أنه أفتتح مرة واحدة فقط خلال الاحتفالات في عيد ميلاد صدام حسين ، 28 أبريل/ نيسان 1999 ، وحضر الحفل عدد من كبار المسؤولين ، والبعثات الدبلوماسية ، وقلّة منتخبة من المواطنين .

التسونامي الكبير
قامت الولايات المتحدة بتنظيم وقيادة تحالف دولي للإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 . مع بدء قرع طبول الحرب التي لا مفر منها ، تطورت سلسلة طويلة من الأحداث وبسرعة ، نوجزها على الوجه التالي :

أولاً ـ في 24 يناير/ كانون الثاني 2003 : أصدر المعهد الآثاري الأمريكي ، بيانا عاجلاً يدعو فيه إلى حماية التراث الأثري العراقي . وفي نفس اليوم ، من خلال اجتماع القائمين على المعهد مع مسؤولي البنتاغون ووزارة الخارجية ، تم التأكيد على وجوب الحيطة والحذر من قيام عمليات النهب والسلب والتخريب للمتاحف العراقية ، ولكن للأسف لم تُتخذ التدابير اللازمة في منع حصول تلك الكارثة .
ثانياً ـ في 27 فبراير/ شباط : تم إغلاق المتحف العراقي رسمياً ، ومُنع الموظفون من مزاولة مهامهم الروتينية ، باستثناء لجنة متخصصة وبإشراف من رئاسة الجمهورية ، واجبها القيام بعملية تعبئة مجموعات معينة من المقتنيات الاثرية في صناديق خاصة ونقلها الى أماكن غير معروفة ، وإخلاء عدد محدود من صالات المتحف ومخازنه ، ونقل الوثائق المهمة الى أماكن سرية وبعض الملاجئ . تُركت أعداد كبيرة من التماثيل الكبيرة والمتوسطة و الجداريات واللوحات والأعمال اليدوية الصغيرة والكثير من التحف النادرة ، وكذلك جميع المعدات المختبرية في مكانها محمية بأكياس الرمل . وفي نفس اليوم ، بعثت جمعية الآثار الأمريكية برقية إلى وزير الدفاع ، دونالد رامسفيلد ، تحثه فيها على حماية الآثار العراقية .
ثالثاً ـ في 6 مارس/ آذار : طلب المجلس الدولي للآثار والمواقع التاريخية من جميع الحكومات المساعدة في حماية الممتلكات التراثية في العراق .
رابعاً ـ في 17 مارس/ آذار : أعطى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش صدام وعائلته 48 ساعة لمغادرة العراق ، وإلا فقد يواجه الحرب .
خامساً ـ في 19مارس/آذار: أصدرت اللجنة الدولية للدرع الأزرق بياناً عاجلاً تناشد فيه جميع الأطراف المتنازعة إلى منع الضرر الذي قد يصيب التراث الثقافي العراقي من جرّاء الفعاليات الحربية ..
سادساً ـ في ليلة 20 ـ 21 مارس/ آذار : بدأت الحرب في الهجوم الجوي الواسع النطاق .
سابعاً ـ في 27 مارس/ آذار : حث المدير العام لليونسكو (كويشيرو ماتسورا) ، الولايات المتحدة الأمريكية على حماية التراث الثقافي العراقي .
ثامناً ـ في 5 أبريل/ نيسان : دخلت القوات البريّة الأمريكية بغداد واشتبكت مع تشكيلات الحرس الجمهوري والجيش العراقي ومليشيات شبه عسكرية مختلفة .
تاسعاً ـ في 8 أبريل / نيسان : هروب معظم الموظفين المكلّفين في التواجد والمجاميع العسكرية الداعمة الاخرى لحماية المتحف العراقي مع اقتراب الاشتباكات العسكرية . وأخذت القوات الأمريكية بالتعامل مع الافراد المسلحين والقناصة العراقيين داخل المتحف ، وقد قامت احدى الدبابات الأمريكية بإطلاق قذيفة على واجهة المتحف مما أدى الى سقوط العديد من القتلى والجرحى .
عاشراً ـ في 9 أبريل/ نيسان : انهار نظام صدام حسين ، واحتلت القوات الأمريكية بغداد بالكامل .
أحد عشر- في 10 و11 أبريل/ نيسان : بدأت أعمال النهب والسلب والحرق والتخريب .
اثنا عشر- في 12 أبريل/ نيسان: وصل موظفو المتحف ومعهم حشود من المواطنين إلى المتحف لحمايته وتأمينه ، مستخدمين أسلحتهم الشخصية. وقد نقلت وسائل الإعلام الدولية صوراً ومقاطع فيديو مروّعة عن المتحف المنكوب الى جميع أنحاء العالم ، مما أثار غضباً دولياً عارماً .
ثلاثة عشر- في 13 أبريل/ نيسان : طلبت إدارة المتحف العراقي من الجيش الأمريكي التدخل ومنع المزيد من السرقة والتخريب .
أربعة عشر- في 14 أبريل/ نيسان : وعد وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بحماية المتحف وإصلاح الأضرار الناجمة من العمليات العسكرية ومن فوضى النهب .
خمسة عشر- في 15 أبريل/ نيسان : لا يزال المتحف في حالة من انعدام الأمن ، واستمرار أعمال النهب والسرقة .
ستة عشر- في 16 أبريل/ نيسان : بعد ملاحظة التباطؤ في السلب والنهب لمدة ستة أيام متواصلة دون مبالاة ، أخيراً دخلت القوات الأمريكية المتحف ، لحمايته !!.
سبعة عشر- في 17 أبريل/ نيسان : بدأ موظفو المتحف برفع الأنقاض والقيام بأعمال تنظيف أجنحة المعروضات ، وتوثيق الموجودات من الآثار السليمة والمتضررة منها في سجلات ، وتقيّم الأضرار الشاملة . وعند هذا اليوم ، عقدت اليونسكو اجتماعاً دولياً للخبراء في فرنسا حول كارثة المتحف العراقي .
ثمانية عشر- في 21 أبريل/ نيسان : وصلت مجموعة من المحققين الأمريكيين برئاسة العقيد البحري ماثيو بوغدانس، لتقييم الوضع المأساوي الذي طال المتحف !!.

السلب والنهب
تم تحديد أربعة أصناف لأعمال النهب والسرقة :
1. الصنف الأول ، عبارة عن مجموعة من الأشخاص قاموا بأعمال النهب العشوائي والغير المنظم ، إذ تم نهب بعض النسخ المقلدّة ، في حين تركت القطع الأصلية المجاورة سليمة وبدون أضرار . بالإضافة إلى ذلك ، تركزت السرقات عند هذا الصنف في الغالب ، على الأثاث وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التلفزيون والأدوات المختبرية والسيارات ، وما إلى ذلك . و يُعتقد بأن الأهالي من الفقراء الذين يعيشون في المنطقة المجاورة لموقع المتحف ، هم المقصودون بذلك .
2. ركز الصنف الثاني من السرَّاق على الأجنحة الخاصة في المتحف ، وكان هؤلاء يعرفون تماماً ما الذي يتعين عليهم سرقته ، مثل إناء الوركاء، قناع الوركاء، تمثال باسيتكي وقيثارة أور الذهبية ، وكذلك استهدفت هذه المجموعة تمثال بلا رأس للملك السومري في لكش (انتيمينا )، وهو أثقل الأشياء المنهوبة من المتحف .
3. أما هذا الصنف ، فقد توجه مباشرة الى المخازن الارضيّة للمتحف والتي لم تظهر عليها أية علامات كسر للأقفال أو تحطيم للأبواب ، إذ تم سرقة العديد من قطع الفخار ، الجرار ، الأوعية ، ...إلخ .
4. كانت تلك هي اخطر مجموعة في هذا التصنيف من اللصوص ، عندما قامت بسرقة الغرف الصغيرة الواقعة في أقبية المتحف ، وهي مقتنيات نفيسة و ثمينة جداً، وعادة ما تكون خفيفة الوزن ويمكن نقلها بسهولة ، مثل آلاف الأختام الأسطوانية والخرز والأحجار والمجوهرات ، والتي بمجموعها كانت مخفية داخل الخزنات والصناديق ، ومكان خزنها بعيد وسرّي للغاية . من الواضح أن عملية النهب هذه جاءت بتوجيه من أشخاص على علم ودراية بمكان وتفاصيل تلك المقتنيات ، وكان منفذو تلك الجريمة ، يمتلكون مفاتيح الغرف والخزائن الخاصة بالمتحف ، و يعرفون ما في داخلها بالضبط .

العدد الدقيق من القطع الأثرية المسروقة غير معروف تماماً في الوقت الحاضر، وأن الرقم الذي بلغ حوالي 15,000 خمسة عشر ألف قطعة مفقودة ، هو رقم مقبول الى حد ما . إذ بالغت وسائل الاعلام كثيراً عندما طرحت الرقم 170,000مائة وسبعون ألف قطعة أثرية ، وحتى انه قد زيد الى 600,000 ستمائة ألف قطعة أثرية التي نُهبت من المتحف ، وهي أرقام يصعب تصديقها ، بالنظر الى قدرة المتحف الاستيعابية ، ومساحة صالات العروض وعدد الأجنحة التي ضمّت تلك المقتنيات ، ولكن يمكننا القول ، في ان 6000 ستة آلاف قطعة أثرية تقريباً ، هو الرقم الحقيقي الذي تم استرجاعه حتى الآن ، حسبما ذكرته مصادر المتحف .

إعادة التأهيل
استعاد المتحف عافيته تدريجياً ، لكنه ظلّ مغلقاً أمام الجمهور .
في 3 يوليو/تموز 2003 ، تم افتتاح المتحف لمدة ساعتين فقط ، وذلك لعرض كنز النمرود ، الذي تم العثور عليه بتاريخ 1 يونيو/ حزيران 2003 ، في قبو البنك المركزي العراقي عندما غمرته المياه إبّان الاجتياح الأمريكي واحتلال بغداد . وقد حضر بول بريمر مدير سلطة التحالف المؤقتة في العراق المعرض مع سياسيين وصحفيين (مُنع دخول المواطنين ) ، ثم تم إغلاقه بعد ذلك ، وفي اليوم التالي ، ُنقل كنز النمرود إلى مكان آمن . وتنتشر الأخبار بين الحين والآخر ، عن إعادة قطع أثرية مسروقة الى المتحف .
بدأت اعمال الاعمار والتجديد للمتحف في عام 2004 ، مع نظام أمني حديث ، مزوّد بالكاميرات ، والمختبرات العصرية ، وجملة من المستلزمات التي تتناسب إلى حد ما مع معايير المتاحف المتطورة .
في ديسمبر/ كانون الأول 2008 : أُفتتح المتحف بحضور الصحفيين لبضع ساعات فقط ، وذلك عندما استعاد السياسي أحمد الجلبي بعض القطع الأثرية المسروقة من خارج العراق .
في 23 فبراير/شباط 2009 : افتتح رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي ، المتحف ليوم واحد فقط ، ليبعث برسالة إلى العالم مفادها ، في أن الوضع في العراق بات مستقّراً وآمناً !!.
في 9 يونيو / حزيران 2009 : بعض المقتنيات الأثرية المتميزة في المتحف العراقي قد دخلت صورها عبر الإنترنت ، من خلال المشروع الإيطالي للمتحف العراقي الافتراضي .
في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 : تم استخدام تقنية " Google Street View " تمكن القيام بجولة ما يسمى "الواقع الافتراضي" المجّاني في المتحف .
في السنوات التي تلت ، تم تجديد جميع الصالات وترميمها تدريجياً ، وعُرضت المحتويات في واجهات زجاجية حديثة . ومن ثم أعيد افتتاح المتحف رسمياً للجمهور في 28 فبراير/شباط عام 2015 من قبل رئيس مجلس الوزراء السابق حيدر العبادي .

أخيراً ، ما علينا إلاّ القول : ان التأريخ قد جعل من العراقيين الوريث الشرعي لتراث بلادهم ، ومن أرض الرافدين منطلقاً للنهوض في الحضارة ، لذا فهي مسؤولية الجميع في الحفاظ على تلك التركة التي يتمناها من ليس لديه تاريخ وحضارة …

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاثرين هانسون ـ نهب وتدمير ماضي العراق (منشورات متحف المعهد الشرقي) جامعة شيكاغو ـ 2008 .
لورنس روثفيلد ـ اغتصاب بلاد الرافدين ـ مطبعة جامعة شيكاغو ـ 2009 .
BBC NEWS ـ رحلة في المتحف الوطني العراقي (التجوّل في الواقع الافتراضي) ـ 2015 .
مجموعة أخبار ومقالات مختارة منشورة في عدد من الصحف والمواقع الإعلامية العراقية والأجنبية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك