الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا وكتبي

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2020 / 4 / 17
الادب والفن


حين أعود إلى كتبي لا يعني ذلك أنّني تركتها من قبلُ كي أعود إليها ثانية فأنا أعي تماما أنّ الجريمة الأخطر من حرق الكتب هي عدم القراءة على حدّ تعبير جوزيفبر دسكاي لكن مشاغل الدوام قد تأخذني عنوة عن أحبتي ، وها أنذا أعود بعد لأيّ محمّلا بشوق لا يُنازع .
عدتّ لأتصالح مع كتاب على أحد الرفوف المنزوية إذ أنني لم أقلّب صفحاته منذ مدّة ، وأنفض الغبار عن وجه محبوب آخر لأداعب صفحاته مثل عاشق بريء ، لأتخلص منه لآخر ينظر إلي بحروفه السوداء وكأن في نفسه حفنة من تمتمات ، وربما تخاصمت مع أحدهم حين وجدته لا يوافقني الرأي لكنّي سرعان ماغفرت له حين قابلني بالأريحية كلّها فبثّ في حنقي الهدوء , وألقي نظرة مشبوبة بالفضول نحو آخر ظل صامتا حاسر الغلاف لم ينبس ببنت شفة , وقد يأخذني كتاب آخر في رحلة نسيتُ معها كوب الشاي بجانبي حتّى بلله الانتظار ، وحينما أتخلص من نشوة التماهي يطيب لي التأمل بغيث هذه المخلوقات فهي تجود بما لديها دون منً أو تثاقل ؛ فلا تضجر ولا تملّ ولا تشوبها صفات البشر في الانزعاج والغضب , (فالكتاب هو المعلم الذي يعلّم بلا عصا ولا غضب ، بلا خبز ولا ماء ، إن دنوت منه لا تجده نائما وإن قصدته يختبئ منك ، إن أخطأت لا يوبّخك وإن أظهرت جهلك لا يسخر منك ) بحسب تعبير إليزابيث براوننغ , وقد أذهب في خيالي بعيدا لأتساءل : لمَ لا يفيد البشر من صفات الكتاب فيأخذ عنه قيم الصبر والتحمّل والكرم وعدم المنّ ؟ .... ويطوح بي التساؤل : لماذا لا نعطي الكتاب حقّه سيّما إذا عرفنا بأنّ ليس للكتاب في الأسواق التقدير الذي تلقاه أدنى البضائع , وهذا يذكرني بمقولة البرت هيوبارد : (لن يكون هناك بلد متحضر حتى ينفق على الكتب أكثر مما ينفق على شراء العلكة ) , رغم أنّي أعلم جيدا وأقولها بصراحة مع خشيتي أن يزعل بعضهم : ليست كل الكتب سواء فمنها ما لا تطاوعك شهيتك على تركه حتى تتقطع أنفاسك لتأتي على آخره , ومنها ما تقرأه مرة واحدة فلا تعاود الكرة مطلقا وكأنك اشتفيت منه , ومنها ما تُجبر على تصفحه على مضض لكن من الكتب ما يرافقك في حلك وترحالك وكأنه نديمك الذي ترتاح إليه فلا تبارحه لحظة , ومنها ما تعاوده بين الفينة والأخرى مثل صديق لا تحبه ولا تكرهه فلا جفاء ولا مصاحبة دائمين , وقد أجاد روبرتسون دافيس في قوله :( الكتاب الجيد يُقرأ مرة في سن الشباب ومرة في سن النضج ومرة أخرى في الشيخوخة ، كالبناء الجميل الذي يجب أن يُشاهد فجراً وظهراً وتحت ضوء القمر..) لكن أوليفر ونديل هولمز كان أكثر بلاغة منه حينما وصف الكتب قائلا : (الكتب التي نقرؤها يجب أن نختارها بعناية فائقة وبهذا نكون كالملك المصري الذي كتب على مكتبته : عقاقير الروح ) , ومن الكتب من لا يستغرق منك جهدا وكأنك في سفرة لا تستغرق منك إلا ساعات قلائل , وكأن تلك الكتب وجبة أكل سريعة قد تنتهي منها وأنت تقف على رجليك بحسب تشارلز كولتون : (كثير من الكتب لا تتطلب تفكيراً كبيراً ممن يقرأها ، لأنها ببساطة لم تكلف كاتبها جهدا) , ولا بد لي أن أشير إلى أنّ كتبي قد تفرح بي مثلما انتشي بها فلا تحسبنَّ أنّ هذه المخلوقات لا تعتب عليك إن أشعرتها بالقلى , فهي ليست أكوام ورق ميّت ؛ بل عقول تعيش على الأرفف ، وكلّما أغلقنا كتاباً كلّما سددنا النوافذ وتركنا عالماً بكامله يموت اختناقاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_