الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرأسمالية تسبب الكوارث، والاشتراكية يمكن أن تحلها

جروني روس

2020 / 4 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


جروني روس – نقله للعربية بشار يحيى

لقد تم تضخيم الدمار الذي أحدثه فيروس الكورونا بشكل كبير، من قبل نظام غير عقلاني يقيس حياة الإنسان حسب الأرباح والخسائر. في مواجهة الانهيار، كان على الدول التدخل في الأسواق. والآن، نحتاجهم أن يخططوا لإعادة بناء مجتمعاتنا من أجل المستقبل.



يتصاعد تهديد جائحة فيروس الكورونا بسرعة كبيرة، ويحولها إلى أزمة عالمية ذات أبعاد تاريخية. بينما يسيطر المرض الخبيث على العالم، فإن المعالجة الكارثية لتفشي المرض في الولايات المتحدة وأوروبا، تسلط الضوء أيضًا، على عدد من نقاط الضعف الهيكلية في التكوينات السياسية والاقتصادية للعالم الغربي. هذا يوضح مدى عدم جاهزية المجتمعات الرأسمالية للتعامل مع حالة طوارئ بهذا الحجم.

هناك على الأقل ثلاثة جوانب مترابطة للأزمة الحالية، وجميعها تكشف عن عيوب أساسية هيكليّة في النظام القائم. أولها وأهمها هو البُعد الطبي: حالة طوارئ صحية عامة تتخذ شكل زيادة في عدد الحالات المكتشفة، عدد المرضى في المستشفيات وفي عدد الوفيات. في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، بات تكرار السيناريو الإيطالي وشيكًا الآن، حيث يهدد التدفق المفاجئ للمرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة وحرجة بإرهاق أنظمة الرعاية الصحية العامة التي تفتقر إلى التمويل الكافي.

لذلك، يجب أن تكون الأولوية الفورية للحكومات، على المدى القصير، درء الكارثة الإنسانية القادمة وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح. ومع ذلك، أصبح من الواضح أن السيطرة على هذا الوباء المستعصي سيتطلب أكثر بكثير من قيام المسؤولين الحكوميين بـ"دفع" المواطنين نحو التغييرات السلوكية.



هذه الاستراتيجية، التي تسعى لخصخصة تكاليف الأزمة عن طريق وضع عبء التكيُّف على الأفراد، هي النهج المطابق للسوق. كما أظهر تذبذب العديد من الحكومات الغربية على مدى الأسابيع الماضية، فإن الحملة العامة لغسل اليدين، والعطس نحو مرفق اليد، والحفاظ على المسافة بين الأشخاص لن تكون كافية لوقف ارتفاع معدلات الإصابة.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن كبح الوباء سيتطلب إجراءات حكومية جذرية، من الإغلاق القسري والحجر الصحي إلى التدخلات بعيدة المدى في مجال الصحة العامة. ولا يمكن الاكتفاء برفع مستوى سعة المستشفى أو جهدًا هائلاً لإنتاج أجهزة التنفس الصناعي ومعدات الحماية وغيرها من الإمدادات الطبية، ولكن يتطلب أيضًا البدء الفوري والواسع النطاق الذي تقوده الحكومة في تتبع الأشخاص، وعزل المصابين تحت الإشراف - ناهيك عن التطوير السريع لإيجاد لقاح فعال. من الواضح أن مثل هذه الاستجابة الطارئة التي تقودها الدولة ضرورية، لكنها ستجبر معظم الحكومات الغربية على تجاوز الصلاحيات النيو-ليبرالية الذي أقامتها لنفسها منذ فترة طويلة، ككفيل "للمشروع الحر".

ومن الواضح أيضًا أن بعض تدخلات الصحة العامة هذه ستكون باهظة التكلفة. وهذا بدوره يسلط الضوء على البعد الثاني للأزمة الحالية: البعد الاقتصادي. بينما يواصل الفيروس انتشاره السريع، تجد الدول الديمقراطيات الرأسمالية المتقدمة نفسها فجأة في وضع استثنائي يضطر إلى تحدي المصالح التجارية وإغلاق جميع أماكن العمل غير الضرورية لتمكين مواطنيها العاملين من البقاء في منازلهم. وبطبيعة الحال، يتحدى أصحاب العمل "ضرورة" تدابير جذرية مثل هذه - ومع ذلك فإن خبراء الصحة العامة يصرون على أن الفشل في وضعها سيطغى بسرعة على قدرة استيعاب المستشفيات.

الانهيار الاقتصادي

في الوقت الحاضر، لا يزال علينا أن نفهم ماذا ستكون عواقب مثل هذا التوقف المفاجئ في النشاط الإنتاجي والتجاري. كل ما نعرفه هو أن التداعيات الاقتصادية ستكون هائلة - باستثناء الحروب الكبرى، سيكون أسوأ بكثير من أي شيء رأيناه - وأنها يمكن أن تشكل تهديدًا وجوديًا للاقتصاد العالمي المثقل بالديون، وللنظام المالي العالمي الذي نعرفه اليوم. كما طرحها مدير المحفظة الوقائيّة (صندوق التحوط) الملياردير بيل أكمان مؤخراً على شبكة سي إن بي سي ، فإن "الرأسمالية لا تعمل في إغلاق يمتدّ لمدة 18 شهرًا".

حرصت الحكومات الغربية والبنوك المركزية في أي وقت مضى على دعم النظام القائم، ولذلك تحركت بقوة للرد على هذا الجانب من الأزمة. حتى عندما ترددوا في الحفاظ على صحة عامة الناس، تحركوا بسرعة للحفاظ على صحة الأسواق. في غضون أسابيع فقط، تعهد المسؤولون بعدد من حملات الإنقاذ لمنع انهيار المنظومة، بما في ذلك مجموعة من التدخلات النقدية الجديدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي وبرنامج التحفيز المالي بقيمة 2 تريليون دولار الذي تم تمريره مؤخرًا من قبل مجلس الشيوخ.



ولكن حتى ذلك الحين، يتفق المحللون على أن الاقتصاد العالمي لا يزال في طريقه لانكماش مخيف هذا العام. فقد قدر بنك الاستثمار جولدمان ساكس أن الاقتصاد الأمريكي يمكن أن ينهار بنسبة %24 في الربع الثاني من عام 2020. في نهاية الأسبوع الماضي، عرض مجلس الاحتياطي الفيدرالي تقديرًا بانخفاض الناتج الاقتصادي بنسبة 50 بالمائة. لم يحدث أي انهيار على هذا النطاق من قبل - ولا حتى خلال فترة الكساد الكبير. مع تسجيل كل من الصين واليابان ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة في نفس الوقت لأسوأ انخفاض في نشاط الأعمال، فالاستنتاج واضح لا مفر منه: الاقتصاد العالمي الرأسمالي فشل وانتهى.

نجد أنفسنا الآن في مياه مجهولة. في ظل غياب إجراءات جذرية من قبل الدولة، فإن الكساد الاقتصادي القادم سيغذي حتمًا حالة طوارئ متزامنة ثالثة: أزمة اجتماعية شديدة لا مثيل لها في ديمقراطية حديثة. مع توقف الأنظمة الاقتصاديّة العالميّة الرائدة فجأة، يفقد مئات الملايين من الناس حول العالم وظائفهم ورزقهم. حذر مجلس الاحتياطي الاتحادي للتو من أن البطالة في الولايات المتحدة قد ترتفع إلى مستوى قياسي بنسبة 30 في المائة بحلول الربع الثاني من العام 2020. على سبيل المقارنة، خلال فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين، استغرق الأمر أربع سنوات حتى تصل البطالة إلى ذروتها البالغة 25 في المائة.



تدابير جذرية

من الواضح أن هذا الوضع غير المسبوق يستدعي اتخاذ إجراءات غير مسبوقة. هناك طريقة واحدة فقط لمنع الكارثة الثلاثية لوباء مدمر، اقتصاد عالمي منهار، ونظام اجتماعي متدهور، ومنعهم من الخروج عن السيطرة تمامًا. وذلك عبر تضافر الحكومات في جميع أنحاء العالم في جهد منسق للتعامل بشكل حاسم مع حالة الطوارئ الصحيّة العالمية، السيطرة على الأجزاء الاستراتيجية من الاقتصاد، وضمان استمرار إنتاج السلع الأساسية وفقًا للقدرات وتوزيعها على أساس الحاجة. لا يمكننا أن نسمح بخصخصة تكاليف الأزمة وأن تقع على عاتق الأقل قدرة على تحمل العبء: العمال، المسنون والفقراء.

كل هذا سيتطلب التخلي عن المبادئ النيو-ليبرالية القديمة حول قدسية السوق، جهد جماعي للدفاع عن الصحة العامة، النجاة الاقتصادية والتضامن الاجتماعي. هذا ستطلب تسريح عملي لجزء كبير من القوى العاملة لمنع زيادة انتشار المرض. وقف فوري لجميع دفعات الإيجار والديون والرهن العقاري، من أجل إبقاء الناس في منازلهم طوال فترة الوباء. وفي حال لم يتم ذلك حتى الآن، سيتعين على الحكومات التدخل لضمان جميع الرواتب وتوفير دخل مضمون لأولئك الذين ليس لديهم عمل منتظم أو ثابت.



ستتطلب هذه الإجراءات الجذرية بدورها زيادة هائلة في الإنفاق الحكومي للتعويض عن الدخل المفقود من نشاط القطاع الخاص. يمكن تمويل مثل هذا التوسع من خلال ضريبة على فاحشي الثراء، والتمويل واسع النطاق للعجز العام. في منطقة اليورو، فإن إصدار "سندات كورونا" جماعية - اقتراح طرحته الأسبوع الماضي تسع دول أعضاء في منطقة اليورو ولكنه لقي معارضة شديدة من قِبَل ألمانيا وهولندا - من شأنه أن يقلل من تكاليف الاقتراض للدول الأكثر تأثرًا، مما سيمكنها من الحفاظ على بقية القارة آمنة من تكرار الإصابة. من دون تضامن دولي في مواجهة هذه الأزمة المشتركة، فإن المشروع الأوروبي - والمثل الدولي الأعلى بشكل عام - سيموت.

لقد اتضح بسرعة أن "النظام العفوي" للسوق لا يمكنه أن ينقذنا من وضع الطوارئ في ابعاده الطبيّة، الاقتصادية والاجتماعية. سواء شئنا أم أبينا، فإن أجزاء كبيرة من العالم تتجه بالفعل نحو اقتصاد مخطط جزئيًا - أو على الأقل اقتصاد موجه من قبل الدولة - من أجل التعامل مع التحديات غير العادية في الوقت الراهن. السؤال الحقيقي هو: هل سيأخذ النموذج الاقتصادي الناشئ شكل "رأسمالية كارثية" صديقة للأعمال، موجهة نحو الحفاظ على قوة الشركات في إطار وطني وقومي أكثر، أم أنها ستتخذ شكل "اشتراكية كارثية" أممية الموجهة نحو حماية العمال والحفاظ على نسيج مجتمعاتنا الديمقراطية؟

لقد تم رسم خطوط المعركة بالفعل، لما بات شبه مؤكد أنها ستصبح أكبر أزمات عصرنا. ومهما كانت النتيجة، فإنها ستشكل قدرتنا على مواجهة التحديات الأكبر التي لا تزال أمامنا: من حالة الطوارئ المناخية إلى الانقراض الجماعي السادس. هذه المرة، من الأفضل أن نكون على استعداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كوارث الاشتراكية اكثر
عبد العزيز سيد علي ( 2020 / 4 / 18 - 05:06 )
الرأسمالية تسبب الكوارث، والاشتراكية تسبب كوارث أكثر....شرنوبل في الاتحاد السوفيتي البائد وكوفيد 19 ظهرت في الصين الشعبية التي يحكمها الحزب الشيوعي

اخر الافلام

.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني