الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف بين الشعور بالمسؤولية والتحديات

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2020 / 4 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تساءل أحد الشباب المثقفين عن دور الثقافة فيما يجري الآن في العراق ، وأين دور المثقف في كل ذلك ؟
وللجواب يمكن القول : علينا أولا أن نميّز بين وجود المثقف بوصفه كائنا بايولوجيا وبين دوره بوصفه فردا اجتماعيا يصلح أن يكون أداة فاعلة للتغيير المجتمعي والسياسي ، إذ أن تفرقة مثل هذه تساعدنا في تحديد هوية المثقف بدقة ، وبديهي أننا لا نعني هنا دوره بحسب التوصيف الأول ، إنما نقصد دوره بوصفه مسؤولا عن التشخيص والنقد والتغيير .
ولا بد أن نسارع إلى القول بأن دور المثقف -رغم مشاكسته لعامل الزمن- مرهون بالسياق التاريخي الذي يمارس سلطة قاهرة على الجميع بما فيهم المثقف نفسه وبذلك يجب أن نعي بأن المثقف ليس كائنا خارقا أو مخلوقا اسطوريا يمارس دوره خارج السياقات الراهنة .
والمثقف - أيضا - ليس أداة مباشرة في التغيير انما ينحصر دوره في التأسيس لمثابات الانطلاق نحو التغيير لذلك من غير الصحيح أن نسأل عن دور المثقف في الإصلاح والسلم المجتمعي كما نسأل عن دور صاحب المهنة اليدوية أو الحرفية .
ومما تقدم لا يصح أن نطالب المثقف بدور في زمن الحروب ، فللحرب سياقاتها التي لا يجدي معها المثقف نفعا وقت نشوبها مثلما يجدي دور المقاتل .
كذلك لابد للثقافة من توافر سياقات آمنة تنمو فيها وتمارس دورها من خلالها وبغياب هذه السياقات والظروف يغيب فعل التأسيس لثقافة التغيير ولا يمكن للثقافة أن تؤدي دورها وإن وجدت ثقافة في مثل تلك الظروف فإنها حتما ستكون ذات أفق ضيق تتسم بالانحياز والروح الصراعية .
ومن غير المنطقي أن نبحث عن دور حاسم للمثقف في لجة الأزمات مثل مجريات الحرب العالمية الأولى أو الثانية ؟ أو في الحروب الأخرى ؟ فهذه ظروف يتكفل بادارتها اشخاص آخرين ولا علاقة للمثقف بها فأين المثقف الأوربي في توجيه الأحداث نحو السلم ومنع تدمير الدول وإيقاف مقتل الملايين في الحربين العالميتين ؟ وما مدى أثر سارتر وبرجسون وهيدجر وغارودي أثناء دوي المدافع وضجيج الطائرات وهي تدك مدن لندن وباريس وموسكو ؟ بديهي أن لا يكون هناك دور واضح فوقت الأزمات يمثل حالة مضادة للفعل الثقافي ويمنع العقل من التفكير المثقف ، ثم أننا لا بد أن نقرر بأن للثقافة رجالها وللسياسة والحروب والأموال رجالها وقد لا يصلح أن يتبادلوا الأدوار لذلك يمكن القول إن في كل مرحلة تاريخية توجد قوتان الأولى قوة المتنفذين في السياسة والعسكر والإقتصاد ، والأخرى قوة المثقفين ، ونجد في مراحل التاريخ المختلفة إن سلطة هاتين القوتين ليست متكافئة فتارة - وهو الأكثر - نجد رجحان قوة أهل السياسة والعسكر والمال على حساب قوة المثقفين لا سيما في زمن الحروب وضعف القانون حتى ليبدو دورهم في التغيير هامشيا ، لا فعل مؤثر لهم إذ أنهم حينها بين من يؤثر العزلة حفاظا على سلامته أو تابع يبحث عن وجوده في ظل وجود السلطة أو صوت معارض يتيم ضائع في لجة الأحداث ، وتارة أخرى تكون القوة للمثقفين .
وحين ترجح قوة المثقفين فهذا واقع يشير إلى حالتين ، الأولى ضعف قوة المتنفذين من الساسة والعسكر والأخرى تشي بتفهم المجتمع لأهمية الثقافة وخطورة دورها في سير الأحداث كما حصل في فرنسا إبان ثورة الطلاب .
وما يحصل الآن في العراق يشير إلى وجود الحالتين المتقدمتين معا فضلا على غياب الفعل الثقافي الصحيح نظرا لعدم توافر البيئة الصالحة للتأسيس الثقافي نتيجة الأزمات المتلاحقة التي شهدها التاريخ العراقي لذا نلحظ غلبة قوى السياسة والعسكر والمال مثلما نلحظ في الوقت نفسه غياب التفهم لدور المثقف وهذا يفسر هيمنة مفهوم الدولة عندنا على مفهوم المؤسسة ومن هنا نلحظ غياب دولة المؤسسات رغم مرور مائة عام على تأسيس دولة العراق الحديثة ، وعليه يمكن القول إن عدم فاعلية الثقافة العراقية تعود بالأساس إلى تراكمات ظرف تاريخي خارج سيطرة المثقف نفسه ، ظرف أسهمت في صنعه التركيبة العرقية والإثنية ومن ثم أمدته الظروف السياسية المحلية والأقليمية بنسغ من الديمومة ، حتى أنها لم تفسح لغيرها أي دور ، فمن المؤكد أن مثل هذه الظروف لا تُعدّ بيئة صالحة لإنتاج المثقف ولا مهيأة لتفعيل عضويته ، وهذا وحده كاف ليكون جوابا شافيا عن الحالة الثقافية العراقية الراهنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال